رغم مسافات البعد الشاسعة ورغم الاختلاف الحضاري والثقافي واللغوي بين سوريا وأوكرانيا وفنلندا والسويد إلا أن أحداً لم يخطر بباله يوماً أن تكون لتلك البلاد قواسم ومخاوف مشتركة، وأن تكون جزءًا من تصفية حسابات دولية كبيرة لاعبوها الرئيسيون تقريباً هم الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وتركيا في ملفات ثلاثة الملف السوري والأوكراني والفنلندي السويدي.
الملف السويدي الفنلندي وإن كان هذا الملف لا يشترك مع الملفين الآخرين من الناحية الدموية والتدميرية إلا أنه يشترك معهما باللاعب والفاعل الرئيسي وهي روسيا، وإن اختلف نوع هذا التأثير ففي سوريا كان لموسكو دور فاعل في ترجيح كفة نظام الأسد في كثير من المعارك التي جرت على الأرض وكان لها دور كبير في التأثير على القرارات الدولية الخاصة بالشأن السوري، إضافة إلى ما مارسته من ضغوطات كبيرة على كثير من الدول لتغيير مواقفها السياسية مما جرى في سوريا، وفي أوكرانيا كان لها اليد الطولى في دعم متمردي إقليم الدونباس مالياً وعسكرياً، إلى أن أعلنت الحرب على أوكرانيا وغزوها في 24 من شباط الماضي، وهي نفسها كانت السبب والحجة الرئيسية للسويد وفنلندا لتخليهما عن سياسة الحياد وطلب الانضمام بعضوية كاملة لحلف الناتو بدعمٍ من اللاعب الثاني وهي الولايات المتحدة الأميركية التي استطاعت إقناع كلا الدولتين بضرورة الانضمام إلى حلف الناتو كي لا تلقيا نفس المصير الذي لاقته أوكرانيا، وبذلك تكون أميركا قد حققت تقدما استراتيجياً كبيراً ومهماً للغاية عل روسيا في حال نجحت كل من فلندا والسويد بالانضمام لحلف الناتو، وهي نفس السياسة تقريباً التي اتبعتها بسوريا بدعمها لقوات قسد كي تمنع روسيا من السيطرة على آبار النفط والطاقة ولتحجيم وجودها العسكري في سوريا، وفي نفس الوقت منع تركيا والمعارضة السورية المسلحة من السيطرة على كامل الشمال السوري.
تحاول تركيا عبر نفوذها السياسي أن يكون لها دور في إيقاف الحرب الروسية الأوكرانية، لما سيتمخض عنه من مصالح ومكاسب تركية كبيرة سواء على الساحة الروسية أو الأوكرانية أو على ساحة الاتحاد الأوروبي
هذا يقودنا نحو اللاعب المهم الثالث وهو تركيا التي لديها وجود ونفوذ في الملفات الثلاثة وإن اختلف هذا الحضور، ففي الملف السويدي الفنلندي أعلنت صراحةً عبر رئيسها رجب طيب أردوغان أنها لا تتعاطى بإيجابية لانضمام كلتا الدولتين لحلف الشمال الأطلسي، وفي حال استمرار الرفض هذا لن تستطيع السويد وفنلندا الانضمام لحلف الناتو، وهذا ما سيدفع هاتين الدولتين لتكثيف جهودهما السياسية من أجل إقناع أنقرة بسحب اعتراضها، وهذا لن يتم ما لم تُنفذا المطالب والشروط التركية، أما الدور التركي في سوريا فهو معروف سواء من الناحية العسكرية أو السياسية في دعم المعارضة السورية ومنع قسد المدعومة أميركيا من الانتشار في الشمال السوري، أما الملف الأوكراني فتحاول تركيا عبر نفوذها السياسي أن يكون لها دور في إيقاف الحرب الروسية الأوكرانية، لما سيتمخض عنه من مصالح ومكاسب تركية كبيرة سواء على الساحة الروسية أو الأوكرانية أو على ساحة الاتحاد الأوروبي، تستطيع من خلالها سحب فتيل أزمات متعددة سياسية أو اقتصادية متراكمة معه.
كان من الطبيعي رفض تركيا الطلب الأميركي في دعم ملف انضمام السويد وفنلندا لحلف شمال الأطلسي، ما لم يتم إيجاد صيغة ما لحل تلك الملفات الخلافية التراكمية
خلف هذه الملفات تتجسد تصفية الحسابات بين الدول الثلاث، فلو بدأنا الحديث عن تركيا التي ترفض انضمام السويد وفنلندا لحلف الناتو وذلك لأنهما تدعمان قوات قسد في سوريا تحت المظلة الأميركية، وفي نفس الوقت طبقت السويد القرار الأميركي في فرض عقوبات على الصناعات الدفاعية التركية، وبعد إخراج الولايات المتحدة الأميركية تركيا من برنامج إف 35 ورفضها تسليم تركيا حصتها من تلك الطائرات، كان من الطبيعي رفض تركيا الطلب الأميركي في دعم ملف انضمام السويد وفنلندا لحلف شمال الأطلسي، ما لم يتم إيجاد صيغة ما لحل تلك الملفات الخلافية التراكمية، أما على الساحة الروسية الأوكرانية فلا يمكن استبعاد الملف السوري من الحسابات التركية فالعدو الصديق في كلا الملفين هو روسيا، وهذا ما يعطي تركيا شعوراً بتعزيز موقفها وقوتها في الملف السوري أمام روسيا، أما الولايات المتحدة الأميركية فهي تحاول تصفية حسابات مع روسيا وذلك لتدخلها في ملفين متوسطيين هما سوريا وليبيا وما لهذه الخطوة من تقدم استراتيجي بارز ومهم في منطقة البحر المتوسط، حيث تحاول واشنطن مقابلتهما في بحر البلطيق، علاوة على الدعم العسكري الكبير المقدم لأوكرانيا لمجابهة روسيا في الحرب الدائرة بينهما، إضافة لدعم أميركا للاتحاد الأوروبي للتخلص من عباءة الطاقة الروسية التي يعتمد عليها بشكل كبير.
أكثر ما يقلق في هذه الملفات الثلاثة هو إهمال الحالة الإنسانية للشعب السوري بسبب انشغال العالم بشكل كبير وغير مسبوق بالحرب الروسية الأوكرانية، والدعم السياسي والإعلامي من قبل الغرب لأوكرانيا أضف إليه الآن مسألة انضمام فنلندا والسويد لعضوية حلف الشمال الأطلسي، وما قد يرافقه من صخب سياسي وإعلامي في حال حصلت سيناريوهات غير متوقعة ستجعل العالم (الدول الفاعلة والعظمى) أكثر انشغالاً واهتماماً بها، وإهمال قضايا ملايين السوريين اللاجئين منهم أو النازحين، وتجميد ملف الحل السياسي لأجل غير محدود على عكس ما يتم التعاطي به في الملف الإنساني في أوكرانيا، والدعم اللامحدود في كافة القضايا للشعب الأوكراني والمطالبات اليومية بإيقاف الحرب في أوكرانيا، وإعادة إعمار المدن التي تعرضت للدمار في الحرب والتي تعد قليلة مقارنة بالمساحة الكبيرة للدولة الأوكرانية.