icon
التغطية الحية

فرز اقتصادي في ظل الحرب.. ماذا حل بالطبقة الوسطى في شمالي سوريا؟

2022.08.26 | 04:50 دمشق

الصورة تعبيرية: أسواق إدلب شمال غربي سوريا (الإنترنت)
الصورة تعبيرية: أسواق إدلب شمال غربي سوريا (الإنترنت)
+A
حجم الخط
-A

تحت عنوان "جيل ضائع من السوريين"، نشر البنك الدولي وثيقة تؤكد أن 12 عاماً من الصراع تركت آثاراً مدمرة على الاقتصاد والسكان.

وجاء في الوثيقة، التي صدرت في 6 حزيران/يونيو الماضي، أن 4.4 ملايين نسمة يعيشون في شمال غربي سوريا، في ظل ظروف إنسانية قاسية، 90% منهم تحت خط الفقر، وفقاً لآخر التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة.

وأمام هذا الواقع، تشهد المناطق "المحررة" فرزاً طبقياً، على المستوى الاقتصادي والمعيشي، تتجلى مظاهره بين غالبية تعاني من الفقر وتدني مستوى المعيشة، مقابل فئة قليلة العدد تمتلك الجزء الأكبر من الثروة وتنعم بحياة فارهة تدل عليها القصور والڤيلات والسيارات الحديثة.

وتشير وثيقة البنك الدولي إلى تآكل الطبقة الوسطى في المنطقة (شمال غربي سوريا)، الأمر الذي يزيد من صعوبات التعافي والتنمية.

ويحذر الباحث الفرنسي كريستوف غيللوي، في كتابه "لا مجتمع.. نهاية الطبقة الوسطى"، من نهاية هذه الطبقة التي تشكل العمود الفقري للمجتمع.

ويقول غيللوي، إن انهيار الطبقة الوسطى يعني انهيار المجتمع بذاته فقد قُدّر لهذه الفئة حفظ الوجود الثقافي والاجتماعي والاقتصادي للمجتمعات.

الطبقة الوسطى صمام أمان المجتمع

تعرّف الطبقة الوسطى، وفقاً لمؤسسة البنك الدولي، هي التي يتراوح دخل الفرد اليومي فيها بين 3 و10 دولار أميركي.

في حين تشير العديد من التقارير من مؤسسات دولية، أن 90% من السوريين لا يتجاوز دخلهم اليومي 1.9 دولار.

في المقابل، يبقى 10% من السكان يتوزعون بين الأغنياء ومن هم فوق خط الفقر أي ما دون الطبقة الوسطى إضافة للطبقة الوسطى.

وأياً كان حاصل القسمة فإن نسبة الطبقة الوسطى في شمال غربي سوريا ضئيلة وتقتصر على شريحة من موظفي المنظمات الإنسانية بالإضافة لصغار التجار، وهي نسبة تجعلها عديمة التأثير.

ولا يقتصر تدهور وضع الطبقة الوسطى على سوريا، وتؤكد دراسة أجراها باحثون في مركز الأبحاث الأميركي "PEW"، أنّ الطبقة الوسطى في العالم واستناداً إلى بيانات البنك الدولي، انخفضت بمقدار 90 مليون شخص.

وأكدت بيانات البنك الدولي عام 2021 أن الانكماش الاقتصادي الناتج عن انتشار فيروس كورونا أدى إلى تقلص في الاقتصاد العالمي بلغتْ نسبته 4.3%.

ومن باب المقارنة، إذا كانت هذه حال الطبقة الوسطى في المجتمعات المستقرة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، ومن الطبيعي أن تكون التبعات أكثر سوءاً في بلد مثل سوريا، يمر بحرب مدمرة لم تتوقف منذ ما يزيد عن عقد كامل.

تعتبر الطبقة الوسطى صمّام أمان المجتمع أخلاقياً، وعموده الفقري اقتصادياً، وبتآكل هذه الطبقة ينكمش الاقتصاد ويتراجع الابتكار وتسود الأمية وترتفع نسبة البطالة مما يؤدي لازدياد معدلات الجريمة.

الآثار الاقتصادية

أسعد أبو الزين، تاجر مهجر من ريف دمشق، خريج محاسبة ومالك شركة تجارية صناعية في إدلب، يؤكد أن الركود الاقتصادي الذي خلفه وباء كورونا كان أحد أهم الأسباب.

ويقول أبو الزين، في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا"، إن ارتفاع الأسعار أضعف القدرة الشرائية لدى الناس وتزامن ذلك مع انخفاض قيمة الليرة التركية، وهي عملة الشراء المتداولة بالمفرّق، مقابل الدولار الأميركي وهو عملة الاستيراد والبيع بالجملة.

وبحسب التاجر السوري، أدت هذه الأسباب لكساد في الأسواق وتوقف العشرات من الورشات الصغيرة عن العمل، مما زاد من نسبة الفقراء بشكل كبير.

وفي الوقت نفسه، لا يستطيع أبو الزين تحديد إن كان الانكماش الاقتصادي نتيجة لاختفاء الطبقة الوسطى أو العكس، فكل من الظاهرتين تؤدي للأخرى.

ويؤكد أبو الزين، استناداً إلى سجلات شركته وتداولاتها، تشير إلى أن الجميع يتجه نحو حد الفقر.

 ويقول، لدي بيانات توضح بدقة الفارق في نسبة المبيعات في المؤسسة، ما قبل كورونا وما بعدها، فقد انخفضت نسبة المبيعات في صالات بيع الأدوات الكهربائية المنزلية أكثر من 90% كحاصل وسطي لثلاث سنوات قبل وبعد كورونا.

الطبقة الوسطى هي التي تحرك الاقتصاد

ويضيف التاجر السوري، أن وباء كورونا لم يكن وحده المسبب الرئيس في إفقار الناس، بل هناك عوامل كثيرة لعبت دوراً مهماً، في مقدمتها احتكار الاستيراد لصالح عدد قليل من المتنفذين عسكرياً.

ويوضح في قوله، أنا مثلاً لا أستطيع استيراد بضاعتي من المصدر، بل اشتريها من مستورد محلي يضع نسبة أرباح كبيرة رغم أنني أتسلّم البضاعة منه بعد المعبر مباشرةً، وعندما أضيف هامش ربح لي أنا أيضاً يرتفع سعر السلعة على الزبون، مما تسبب تراكمياً بنفاد مدخرات كثير من الناس.

ويحذر أبو الزين أنه في ظل هذه المعطيات ستندثر حتماً الطبقة الوسطى، وسينهار الاقتصاد بعد ذلك فالطبقة الوسطى هي الزبون الأساسي، باعتبار أن طبقة الأغنياء لا يعتمد على معدل استهلاكها رغم تزايد أعدادها، لكنهم لا يشكلون نسبة ذات تأثير.

أما الفقراء المعدمين فبالكاد يسعون للحصول على حاجاتهم الغذائية، التي يحصلون على معظمها من المساعدات التي تقدمها المنظمات الإغاثية.

الطبقة الوسطى تتلاشى

أحمد الحسن، مهجر من ريف المعرة، ويقيم حاليا في مخيمات دير حسان شمال إدلب، يعمل معلماً لطلاب المرحلة الابتدائية، وأجيراً مياوماً في مكتب عقاري خلال عطلة الصيف.

يقول أحمد لموقع "تلفزيون سوريا"، كنت ميسور الحال اعتمد على راتبي بالتدريس، 110 دولار أميركي، إضافة لافتتاحي محل بقالة في بلدة قاح القريبة، أبيع فيها الغذائيات وما تصنعه زوجتي من مشتقات الحليب.

ويضيف، لكني اليوم أصبحت مديوناً لتجار الجملة، اضطررت لبيع قطعة ذهب من مهر زوجتي لسداد الديون.

ويوضح أحمد الأسباب، بأنه مع انتشار وباء كورونا قبل عامين بدأت ترتفع الأسعار، رويداً رويداً، عند تجار الجملة، وتعطلت مصالح كثير من الناس بسبب الإغلاق.

بحسب أحمد، لا يقبل تجار الجملة الدفع إلا بالدولار الأميركي، بينما الناس يشترون بالليرة التركية التي لا تستقر على سعرها شهراً كاملاً، خلال السنوات الأخيرة.

ويوضح أحمد أنه لا يستطيع رفض البيع بالدين لزبون كان يدفع نقداً في أيام يسره.

وفي هذه الحال، قسم كبير ممن استدانوا لم يستطيعوا الدفع لعدم توافر فرص عمل، والقسم الآخر يسدد بعد وقت طويل، ليأكل فرق سعر الصرف الربح وجزءاً من رأس المال.

كما ترافق ذلك الركود مع رفع أصحاب البيوت والمحال الإيجارات كل ستة أشهر، إضافة لغلاء المعيشة، بعد ارتفاع سعر الماء والخبز والغاز المنزلي، والأمر نفسه بالنسبة لأسعار الخدمات الأساسية كالكهرباء والإنترنت.

وبحسب تقديرات أحمد، باعتباره رب أسرة وصاحب بقالة، فإن الأسرة اليوم في شمالي غربي سوريا تحتاج نحو 2000 ليرة تركية مقابل حصولها على الكهرباء والماء والخبز والإنترنت والغاز المنزلي، وبالانتقال لكلفة الطعام يصبح المبلغ أكثر من 6000 ليرة تركية.

ويقول أحمد، ابني الكبير يعمل في مقلع بحص مقابل 1200 ليرة تركي، رغم أن عمله شاق بدوام طويل، وما زالت زوجتي تصنع اللبن والجبن والسمن، واضطررتُ أنا للعمل في مكتب عقاري خلال عطلة المدارس وبالكاد نستطيع الصمود ضمن طبقة الفقراء، الطبقة المتوسطة حلم شأنه كشأن حلم العودة لبيوتنا وأرزاقنا.