حركت دماء خمسة آلاف طفل فلسطيني قتلوا بالنيران الإسرائيلية ضمائر عشرات الملايين في القارات الخمس، فلأول مرة في تاريخ القضية الفلسطينية، بل في تاريخ قضية شعب عبر العالم، تنطلق ثلاثة آلاف وسبعمئة تظاهرة خلال أقل من شهر واحد تأييدا لفلسطين عبر مدن العالم في قاراته الخمس، وفي بريطانيا انطلقت أضخم تظاهرة في تاريخ البلاد شارك فيها ما يقرب من نصف مليون متظاهر دعما لفلسطين ورفضا للعدوان الإسرائيلي عليها.. وفي باريس انطلقت تظاهرة ضخمة داعمة لغزة ومنددة بقتل الأطفال الفلسطينيين وفي سان فرانسيسكو قطع متظاهرون الجسر الشهير هناك مطالبين بإيقاف الحرب على غزة فورا، وعمت المظاهرات القارة الأوروبية من شمالها إلى جنوبها ابتداء من السويد وصولا إلى أيرلندا واسكتلندا وبريطانيا وفرنسا وهولندا وانتهاء بإيطاليا وألمانيا ..
حركت الدماء الطاهرة ضمير العالم غربا وشرقا وشمالا وجنوبا، لكن ضمائر الحكومات العربية لم تتحرك، لذا هي لم تسمح لمواطنيها بالنزول إلى الشارع للتظاهر، ما عدا تظاهرات محدودة في كل من العراق والمغرب وإن بأعداد ضخمة، فيما غابت التظاهرات عن مناطق النظام السوري وبقية الدول العربية.
ولم يستطع الرئيس الفرنسي ماكرون -الذي دعا في الأسبوع الأول للحرب لتكوين تحالف دولي لمحاربة حماس- تجاهل دماء الفلسطينيين وعدد الضحايا الهائل فدعا إلى هدن إنسانية مؤقتة في غزة.
أما الرئيس أردوغان واحتجاجا على الموقف الأميركي الداعم لإسرائيل والرافض لإيقاف الحرب، فقد رفض لقاء وزير الخارجية بلينكن الذي زار تركيا.
كذلك لم يستطع ترامب نفسه وهو أكثر رئيس أميركي دعم إسرائيل خلال رئاسته خلال لقاء تلفزيوني أن يخفي مفاجأته من قتل آلاف الأطفال الفلسطينيين، وإن كان ذلك طعنا في مقدرة بايدن على إدارة الأمور، ومحاولة منه لجذب المسلمين والعرب الأميركيين للتصويت له في الانتخابات الرئاسية القادمة، لكن موقفه المتعاطف مع الضحايا الفلسطينيين، وإن كان شكليا، فهو سابقة في السياسة والإعلام الأميركيين.
فضائح الأنظمة العربية
من جهة أخرى كشفت غزة النظام العربي على حقيقته، وفضحت بعضا مما كان مستورا حتى الأيام الأولى من طوفان الأقصى.. فقد نشر صحفي عربي عريق يعيش في أميركا خبرا مفاده أن الطيران الإماراتي ساهم في قصف غزة قبل سنوات، وظهر خبر عن السلاح الأميركي الذي يعبر الأردن إلى إسرائيل.
ففي السعودية أعلنت هيئة الترفيه عن يوم للضحك خلال المهرجانات الفنية التي تستقبلها كل عام وكان ثمة حفلات غنائية لمطربين معروفين، في الوقت الذي كانت القنابل الذكية تسقط فوق غزة ومدن القطاع نهارا وليلا... يتابع سقوطها ملايين البشر أمام شاشات التلفزة وفي وقت يشاهد العالم صور الدماء والأشلاء وصور الخراب الهائل لمدن القطاع.
أما الحكومة المصرية فلم تسمح للشاحنات التي تحمل المساعدات إلى قطاع غزة من الدخول عبر معبر رفح باستثناء بضع شاحنات قليلة العدد بعدما كانت تدخل القطاع يوميا أربعمئة شاحنة في وقت دعا فيه الرئيس السيسي لتهجير الفلسطينيين إلى صحراء النقب بدلا عن صحراء سيناء ريثما تقضي على حماس، وذلك خلال مؤتمر صحفي في القاهرة جمعه مع المستشار الألماني شولتز.
وقبل أيام سرب يوتيوبر مصري معروف معلومة عن وعد أوروبي بدفع عشرة مليارات دولار للنظام المصري يقول البعض إنها مقابل توطين أهالي غزة في سيناء، ولم تستجب شركة الاتصالات المصرية لطلب الفلسطينيين السماح لغزة بالاستفادة من الشبكة بعد قطع إسرائيل للإنترنت والاتصالات.
وبينما قطعت دول في أميركا الجنوبية ودولة جنوب إفريقيا علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، لم يفعل ذلك أي نظام عربي مطبع مع إسرائيل، فلم يطرد السفراء الإسرائيليون ولم تغلق سفارات الكيان في عواصمهم.
أكثر من ذلك فقد كشف الإعلام الإسرائيلي أن تحالفا رباعيا مكونا من السعودية مصر الأردن الإمارات في القمة العربية الإسلامية التي انعقدت في الحادي عشر من الشهر الجاري تشرين الثاني أحبط إجراءات عملية لإيقاف القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، ومن بين تلك الإجراءات وقف تدفق النفط إلى أميركا، وتجميد العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل.
لأول مرة بيان العلاقة العضوية بين ألمانيا وإسرائيل
فاجأت الحكومة الألمانية العالم -العالم العربي خصوصا- بموقفها المنحاز بقوة إلى جانب إسرائيل ليصبح يوما بعد آخر خلال الحرب أكثر دعما واقترابا من إسرائيل، وبعد حرق متظاهرين لعلم إسرائيلي في برلين أعلن وزير ألماني في بيان شديد اللهجة موجه للمسلمين واليسار أن إسرائيل بالنسبة لألمانيا مسألة أمن قومي.
وتحدثت صحيفة بيلد اليمينية عن احتمال تجريم فلسطينية ألمانية شابة لأنها نشرت صورة على حسابها على إنستغرام كتب تحتها "فلسطين من النهر إلى البحر"، فهذا الشعار بحسب الصحيفة دعوة لعدم الاعتراف بإسرائيل، وعلى ذلك ربما تخسر الشابة إقامتها في ألمانيا.
مواجهة الإعلام الغربي بطرق ذكية
ما فعله باسم يوسف في لقائيه مع الإعلامي بيرس مورغان الداعم لإسرائيل كان فتحا إعلاميا لناحية الأسلوب الساخر المؤثر والحجة القوية ولناحية عدد المتابعات المليوني، وهو نجاح في توجيه خطاب مقنع للمواطن الأميركي أو الأوروبي ولكل إنسان غير عربي اعتاد على مقولات الإعلام الغربي الداعم لإسرائيل.
يقول باسم إن الدعاية الصهيونية ضخت في كل وسائل الإعلام العالمية بشكل لا رحمة فيه أكاذيب عن اغتصاب مقاتلين فلسطينيين لنساء وأطفال إسرائيليين وهو ما سهّل اتخاذ قرار إبادة غزة وأنه حالما تم التشكيك بهذه الكذبة الخطيرة، وبدأ التراجع عنها ببطء ظهرت خطابات التهدئة ومن ثم راح من كان منحازا إلى إسرائيل يعلن عن إدانته لإسرائيل.
وما فعله باسم يوسف صار نموذجا احتذاه أكثر من يوتيوبر ومؤثر إعلامي غربي راح بعضهم يسخر من ادعاءات الجيش الإسرائيلي الكاذبة وذهب البعض الآخر لتفنيد أدلة وحجج الجيش الإسرائيلي التي يسوقها ضد حماس.
لأول مرة نقاش سبب الدعم الغربي لإسرائيل
في عدد من البرلمانات الأوروبية تعالت أصوات تتساءل عن سبب الدعم غير المشروط لإسرائيل، فعل ذلك عدد من سياسيين أميركيين ومسؤولين سابقين وكذلك برلمانيين بريطانيين وهذه سابقة لا مثيل لها في تاريخ الغرب منذ تأسيس إسرائيل.
بكل تأكيد لن تذهب دماء أطفال غزة ومدنييها القتلى هباء.. فهذه الدماء البريئة ستسقط مزيدا من الأقنعة وستغير العالم.