من خلال سرد حكاية فرقة مسرحية تعمل على مشروع عرض مسرحي (موت دانتون، جورج بوشنر)، يبني الكاتب المسرحي (مضر الحجي) ثلاثة مستويات للحكاية في نصه المسرحي (عودة دانتون). المستوى الأول: هو حكاية نص بوشنر الذي يسمح بمناقشة موضوعات: الثورة، استبداد الرعب وسيف الفضيلة، النظام الحاكم بعد الثورة، الأخلاق الإنسانية وأنظمة الحكم. المستوى الثاني: هو حكاية العرض المسرحي الذي نتابع على الخشبة التحضيرات المتعلقة به، والتي تشكل بروفاته المتن السردي الأساسي للحدث المسرحي. والمستوى الثالث: هو حكاية الممثلين/ات الذين يشكلون أعضاء الفرقة المسرحية والتي تفتح على موضوعات واقع المسرح السوري في أوروبا، ويوميات اللاجئين والمنفيين، وموضوعات الاندماج الثقافي.
يفتتح العرض بالحوار الذي يجري بين دانتون وزوجته في أحد النوادي، وهو يضيف إلى شخصية دانتون بعداً وجودياً، ذلك أنه يناقش مع زوجته ادعاء معرفة الشريك بشريكه، لكن دانتون يرى استحالة معرفة الإنسان بالآخر، موحياً بصعوبة التواصل الإنساني، خصوصاً أن الحوار يجري مع زوجته:
"جولي: أنت تعرفني يا دانتون.
دانتون: ما يسميه الناس معرفة. ولكن، ماذا يُخفى وراءها، لابد لذلك من أن نفتح جماجمنا ونشد أفكارنا من تلافيف المخ".
أسئلة الفوضى والنظام، الثورة والإبداع ؟
لكن لابد للمتلقي لمتابعة العرض أن يتعرف على مسرحية (موت دانتون) التي تقوم الفرقة المسرحية بالتدريبات لأدائها، وهكذا يخصص المشهد الثاني من العرض لتعريف الجمهور في الصالة على تلك المسرحية. إن مخرج الفرقة المسرحية (إياس، أداء: كنان حميدان) يتدرب على كيفية تقديم المسرحية إلى لجنة التمويل، وعبر هذه التدريبات نعرف أنه في نهاية عام 1834 انكب الكاتب الألماني (جورج بوشنر) على دراسة الثورة الفرنسية لينتهي الأمر بكتابة مسرحيته الأولى (موت دانتون) وتنشرها دار فرانكفورت بداية عام 1835، يعبر فيها عن مأساة الثورة الفرنسية التي تخضبت بأيديها بالدماء، وهي التي جاءت لتحقيق العدالة والحرية والمساواة. وهي تتألف من مشاهد مسرحية تأثر فيها بوشنر بفن شكسبير وجعل موضوعها رجل الثورة الفرنسية المشهور دانتون، بطل حوادث القتل المشهورة في سبتمبر 1792 الذي ساقه زميله روبسبير إلى المقصلة في 15 من أبريل 1794. وتدور أحداثها في يومين اثنين معبرة عن احتقار دانتون لرعب الثورة التي جاءت لتحقق الحرية والمساواة فإذا بها تخضب يديها في بحر من الدماء.
رغم ذلك، فإن مخرج المسرحية (إياس) مازال يتساءل عن السبب وراء اختيار مسرحية (موت دانتون)، هو السوري الثلاثيني الذي وصل إلى ألمانيا، مؤمناً بالمسرح ودوره وقيمته، ويعمل على قيادة الفرقة المسرحية في الأيام الأخيرة قبل التقديم للتمويل. ترتسم معالم شخصية إياس كما هي معالم شخصية بروبسبير، الذي يصفه دانتون بحديث مشهور:
"دانتون: أنت وفضيلتك يا روبسبير، إنك لم تسرق، ولم تستدن، لم تنم مع امرأة. تعودت داماً أن تلبس الثياب المحترمة، لم تسكر أبدا في حياتك. روبسبير إنك مستقيم إلى حد مزعج".
إياس يمتلك هذه السمات المستقيمة التي تحاول أن تكون صارمة وبراغماتية في قيادة العمل المسرحي حتى التحقق. لكن يصطدم بمتطلبات، خصوصيات، وآراء الآخرين/ات العاملين في الفرقة. هنا تصبح المقاربة بين الثورة والعرض المسرحي، هل يمكن أن يتحقق عرض مسرحي دون قيادة؟ هل يلتهم العرض المسرحي إرادات وآراء المشاركين فيه ليتحقق كنتيجة نهائية أمام الجمهور؟ تصبح أسئلة العرض المسرحي هي أسئلة الثورة: بين الفوضى والنظام، بين الفردي والجمعي، بين الانضباط والإبداع.
هواجس الإبداع المسرحي السوري
وما يزال سؤال لماذا مسرحية (موت دانتون) تؤرق المخرج. في الحوار الشهير الذي يجري في دانتون وروبسبير وجهاً لوجه، يدافع بروبسبير أنه نقي الضمير:
"روبسبير: ضميري نقي.
دانتون: إن الضمير مرآة يعذب القرد نفسه أمامها، يعذب القرد نفسه أمامه، كل إنسان يتزين بقدر ما يستطيع"
وفعلاً، في العرض المسرحي، وفي مشهد لافت إخراجياً، تظهر مرآة ومقصلة في الفضاء المسرحي الأسود لتحاكمانه، بـ Voice over، على خياره المسرحي. ما هو وجه التقارب بين الثورة السورية والثورة الفرنسية؟ لماذا اخترت هذا النص؟ أليس لأنه مقنع للأوروبيين للحصول على تمويل؟ يعطي الصوت المسجل الصادر من الخشبة والذي يحاور المخرج إياس هذه التهمة بتهمة ازدراء المسرح. بهذه الحبكة السردية يجعل الكاتب من العرض المسرحية مساحة لبوح مخاوفه، وخياراته الفنية والإبداعية.
أسئلة الانتماء السياسي في الصناعة الفنية
حكاية الممثل (رضا، أداء: محمد آل رشي) تعكس لنا جانباً آخر من حكايات الوسط الفني السوري. هو يؤدي شخصية (بروبسبير) صاحب مقولات العنف الثوري:
"روبسبير: إن سلاح الثورة هو الرعب، وقوة الجمهورية هي الفضيلة، الفضيلة لأن الرعب دونها مهلك، والرعب لأن الفضيلة دونه عاجزة. ليس الرعب إلا العدالة الحاسمة الصلبة الصارمة"
لكنه أيضاً صاحب مقولات محاربة الفساد
"روبسبير: إذا كنا نحن المشرعين للشعب نتظاهر بكل رذائل البلاط السابقين وترفهم، إذا كنا نرى ماركيزات الثورة وأمراءها يتزوجون النساء الثريات، ويولمون الولائم ويقامرون ويستخدمون الخدم. لن يكون هناك معاهدة ولا هدنة مع أناس لم يفكروا إلا في نهب الشعب، أناس اطمأنوا إلى أنهم سيستطيعون أن يواصلوا هذا النهب بغير عقاب وحسبوا أن الجمهورية مضاربة".
أما حكايته الشخصية، فهو ممثل سوري محترف تحاول زوجته إقناعه بالمشاركة في عرض تمثيل في مسلسل سوري جديد بإنتاج ضخم، لكن (رضا) يرفض لأن لوكيشن التصوير وكل طاقم عمل المسلسل السوري يؤمن بخطاب الموالاة السياسية للنظام السوري الحاكم. مرة أخرى حكاية جديدة، تجعل من الوسط الفني السوري مرآة أو عينة تعكس الواقع السياسي والاجتماعي. فالميول والآراء السياسية أصبحت جزءاً من شراكات العمل الفنية. يتساءل (رضا) كيف يمكن له العمل مع فريق عمل يؤمن بضرورة قصف المدنيين ويبارك ممارسة القمع والشبيحة. أليس هو سؤال (دانتون) نفسه عن علاقته بثورة بدأت تظلم العامة، أم أنها مقولة روبسبير عن ضرورة الاستمرار في فرض معايير الثورة:
"روبسبير: لن ندع سفينة الثورة تتحطم على تقديرات هؤلاء الناس الضحلة وشواطئهم الموحلة، يجب علينا أن نقطع اليد التي تجرؤ على وقفها، حتى لو تشبثت بها بالأسنان".
الإبداع الذي يسائل الثورة
تتداخل في الحدث الشخصيات التي يؤديها الممثلون/ات، يستعمل (رضا) خطاباً من (روبسبير) يحاول فيه إقناع الفرقة بضرورة مغادرته للبروفة لأمور عائلية، كذلك يستعمل (ستيف مصطفى) جملةً مأثورة من (دانتون) في خضم الجدل الدائر حول سلوكه بين أعضاء الفرقة. (ستيف مصطفى، أداء: محمد ديبو) يحمل حكاية أيضاً تتعلق بين الشخصي والفني، هو الذي يدفن حلمه بالتمثيل منذ عشرة سنوات، ما يعبر عن حال الفنان السوري منذ العام 2011، وتحول إلى الدمج الموسيقي مبتكراً شخصية (ستيف): "بين الممثل والدي جي أنا بفضل الدي جي،ـ لا نص، ولا مخرج، ولا دراماتوج، نصي هو قلبي"، لكنه بهذا الوقت يعبر عن الأثر العميق للعودة إلى تجربة التمثيل عليه، حين يقول في خلاف مع المخرج (إياس): "إنك تعيد لي تجربة عميقة خضتها عبر عشرات السنوات، هل تعلم ما الذي يعني أن تفشل؟".
(ستيف) أيضاً يؤدي دور (دانتون) في المسرحية. نص بوشنر يحمل في مقولات دانتون، مونولوجاته وحواراته العديد من الصور الشعرية، المُثل الفكرية، والحوارات الجدلية الفلسفية، ونادراً ما تمت الإضاءة على مقدار ما تحضر الموسيقا في أحاديث دانتون: "نحن في الحقيقة موسيقيون مساكين، وأجسامنا هي الآلات التي نعزف عليها أنغامنا المملة المتشابهة. ولا حقيقة لشيء خلف هذا كله إلا الألم والعذاب. فلنصرخ إذن ولنبك كما ينبغي لنا". وفعلاً، يحمل (ستيف) إلى الحكاية الأفكار التمردية الثورية مثل تدخين الحشيش أثناء البروفات، وإلى العرض المسرحي الأفكار الإخراجية المستمدة من العنصر الموسيقي. فيختار المخرج تجسيد مشهد مركزي في المسرحية، وهو مشهد محاكمة دانتون وقلته، بطريقة أداء المغني مع الميكسر لموسيقا التكنو وبأداء هزلي من الممثلين على إيقاعات موسيقية سريعة.
ومن المفارقات بين الممثلين والشخصيات التي تؤديها في النص الأصلي، يظهر (مصطفى) الذي يؤدي دور دانتون، برأي براغماتي حيال ماضي الثورة السورية، فينصح (رضا) بالتخلي عن الالتزام الثوري، والنظر أكثر بطريقة المعيشة اليومية وتأمين استمرارية العائلة. بوابة سردية أخرى يفتحها الكاتب لمعالجة موضوعات فشل الثورة؟ استمراريتها؟ اليأس والاستمرارية؟ النضال أو الاندماج في المجتمعات الجديدة. يتوقف العرض جيداً عن موضوعة تعلم اللاجئين/ات السوريات للغة الألمانية، وتحتل مساحة واسعة من حوارات المسرحية كيفية كتابة الكلمات والمفاهيم، والتعبير عن العمل المسرحي، وبأي لغة يجب أن يتم إخراجه على المسرح؟ مجموعة أسئلة تعبر أيضاً عن هواجس المبدع المسرحي السوري في الآونة الراهنة.
الأسئلة الفلسفية بين الموت، العدم، والفاعلية
الشخصية الرابعة في الفرقة المسرحية (رهف، أداء: أمل عمران) تحاول أن تحمل الأسئلة الأعمق على مسرحية بوشنر، وكذلك على مشروع العرض المسرحي، وذلك بحكم مهنتها كدراماتورج في العرض، تدمج بين أسئلتها الذاتية وبين أسئلة الدراماتورجيا لنص مسرحي عن الحياة، الثورة، والمعنى. كانت قد كتبت نصاً سابقاً، لكن المخرج إياس حول المشروع إلى الحالي، فوجدت نفسها بلا مكان محدد، تحمل الأسئلة التي تتوجه إلى العرض: ما وجه التشابه بين الثورة الفرنسية والسورية؟ لماذ مسرحية بوشنر موت دانتون؟ أما حكايتها مع الاندماج الألماني، فتأتي رسالة من مركز التوظيف تعتد أنها فرصة لتمارس التدريب المسرحي مع اللاجئين، لتكتشف أن مركز التوظيف لم يهتم لخبرتها المسرحية، وأنها مدعوة كمتدربة.
تعتقد الدراماتورج (رهف) أن نص بوشنر هو عن العدم. وكذلك يركز (عبد الغفار مكاوي) أبرز مترجمي نص بوشنر إلى العربية، على أن نص بوشنر يحمل الكثير من الإحالات إلى مفهوم العدم. فيقارب بوشنر حين يقترب موته بين الموت، الله، والعدم، ويجيب حين يدرك اقتراب موعد موته: "دانتون: ومع ذلك، ماذا يهمني منكم ومن حكمكم؟ لقد سبق أن قلت لكم إن العدم سيكون عما قريب ملجئي. لقد أصبحت الحياة عبئاً علي، فلتنزعوها عني إن شئتم لأني في شوق أن أنفضها عن نفسي".
وإن كان العدم حاضراً، فإن المترجم (عبد الغفار مكاوي) يرى أن نص بوشنر لا يتوقف عند حدود مفهوم العدم، بل هو اختار لحظة تاريخية ليعالج مفاهيم الثورة والالتزام والقمع والحرية، يكتب (مكاوي): "لقد رأى بوشنر أن من أهم واجبات الكاتب المسرحي أن يقترب من واقع التاريخ ما أمكنه ذلك، بحيث لا تكون كتاباته عنه أقل أو أكثر أخلاقية مما هو عليه في الحقيقة. وإذا لام أحد الكاتب لاختياره هذه المادة التاريخية، فلابد عندئذ أن نلقى بأعظم نفائس الأدب في البحر".
كما دانتون يتحدث باستمرار عن أهمية فاعلية الجماهير والنضال: "إن صوت الإنسان يدافع عن شرفه وحياته لابد أن يعلو على صوت جرسك. إن صوتي هو الذي صنع الأسلحة للشعب من ذهب الأرستقراطيين والأغنياء. وصوتي هو العاصفة التي دفنت أتباع الطغيان تحت عباب البنادق"، وكذلك على المستوى الشخصي في رؤية دانتون لنفسه باعتباره مناضلاً في وجه التيار الذي يقمعه: "لقد وضعتم أيديكم على حياتي كلها، فمن حقها أن تشد عزيمتها وتقف في وجهكم، وسأعرف كيف أدفن هذه الأيدي تحت أثقال الأعمال التي أديتها"، وهو مهما بدا متقبلاً للموت، فإنه يبقي حتى العبارة الأخيرة متمسكاً بالحياة: "لا يمكنني أن أموت، لا، لا يمكنني أن أموت، عليهم أن ينتزعوا كل قطرة حياة من أعضائي انتزاعاً". كل هذه المستويات موجودة بتراكب في نص جورج بوشنر.
تؤدي (أمل عمران) بالإضافة إلى شخصية الدرماتورج (رهف)، شخصية زوجة دانتون، ولوسيل شريكة حبيبها كاميل ورفيه دانتون في النضال السياسي، والتي يزكل إليها المونولوج الأخير الذي يختم المسرحية، وذلك بعد إعدام دانتون وكاميل، فتناجي موضوعات الموت والحياة، مما يفتح على الحكاية السورية التي يحضر الموت واحداً من موضوعاتها، بأداء متميز أيضاً من الممثلة (أمل عمران) يحيل إلى المعاناة والألم في التراجيديات الإغريقية، في نصوص مثل الطرواديات المتفجعات بموت أقاربهم. وينتهي نص بوشنر المسرحي حين تكفر (لوسيل) بالثورة، وتصيح عالياً باستمرارية الملكية لندرك أنها تقاد إلى مقصلتها.
"لوسيل: كل شيء من حقه أن يعيش، كل شيء، البعوضة والعصفور، ولماذا لا يعيش هو أيضاً؟ كان يجب أن يتوقف تيار الحياة لو انسكبت قطرة دم واحدة، كان يجب أن تجرح الأرض من طعنة واحدة. سأجلس على الأرض وأصرخ حتى يتوقف كل شيء من الرعب. يتوقف كل شيء، لا يتحرك.
لوسيل (تفكر قليلاً وكأنها تصمم على قرار ثم تهتف فجأة): عاش الملك.
مواطن: باسم الجمهورية (يحيط بها الحرس ويقتادونها)".
رعب الفضيلة، واستبداد الحرية
يبقى سؤال لماذا نص موت دانتون هو الخاتمة التي تنتهي عليها المسرحية. وكل المستويات التي ذكرناها سابقاً توضح الإمكانيات الفنية المحتملة لاستعادة نص بوشنر من تاريخ المسرح وربطه سردياً وموضوعياً مع موضوعات الثورة والفن السوري. وغنى المستويات التي يحملها نص (موت دانتون) بين السياسي، والاجتماعي وبين الفلسفي والتاريخي، تبقيه وضح المعالم كنص عن الديكتاتورية بشكل أساسي، عن أي نظام حكم بدأ يستبد بقناعة المبادئ، واحتكار صوت الشعب ليفرض بالسلاح بالعنف المبادئ التي يؤمن بها، وهو سؤال متكرر عبر تاريخ العلاقة بين الأنظمة الحاكمة والاستبداد وضرورة قيادة الجماهير. ولذلك فمن المهم تفكيك السلطوية في خطابات (روبسبير) الذي يصبح مفكراً وناطقاً باسم الشعب، والذي يعمل على تخوين المختلفين معه في الرأي، والذي يدعو إلى استعمال الرعب لفرض القيموة في نظريته الشهيرة عن "استبداد الحرية، ورعب الفضيلة":
"روبسبير: إن سلاح الثورة هو الرعب، وقوة الجمهورية هي الفضيلة، الفضيلة لأن الرعب دونها مهلك، والرعب لأن الفضيلة دونه عاجزة. ليس الرعب إلا العدالة الحاسمة الصلبة الصارمة. يقولون إن الرعب هو سلاح الحكومة المستبدة، ويريدون بذلك أن يشبهوا حكمنا بالحكم المسبتد. هذا صحيح، ولكن بقدر ما يشبه السيف في يد بطل الحرية ذلك السيف الذي يحمله أتباع الطاغية. اسحقوا بالرعب أعداء الحرية وسيكون ذلك من حقكم كمؤسسين للجمهورية. إن حكومة الثورة هي استبداد الحرية ضد الطغيان".
كذلك يحمل نص بوشنر أسئلة عن استبداد الجماهير، حين تتحرك بلا مبادئ، وهي موضوعة حساسة في مسارات الثورات:
"المواطن 1: اقتلوا كل من يقرأ ويكتب.
المواطن 2: اقتلوا كل من يغادر بيته.
الجميع يصرخون: اقتلوا، اقتلوا.
البعض يغنون: أجدى من الرقاد في التراب
فريسة للدود والفساد
أن تسلموه ليد الجلاد
فيرفع الجثة في العراء
لكي تشم نسمة الهواء.
الجميع: اقتلوه، اقتلوه.
روبسبير: باسم القانون.
المواطن 1 : ما هو القانون ؟
روبسبير: إرادة الشعب.
المواطن 1 : نحن الشعب ونريد ألا يكون هناك قانون، إذن فهذه الإرادة هي القانون، إذن فباسم القانون لم يعد هناك قانون، إذن فاقتلوا".
خاتمة
بتابع الكاتب (مضر الحجي) تقنية مسرحية تحضر في الإنتاج المسرحي السوري الراهن وهي الاعتماد على نص من تاريخ المسرحي ليسقط مقارباته على الواقع السوري، والتجديد الذي يحمله نصه الحالي هو الربط بين أسئلة القيام بثورة وتحقيق عرض عمل مسرحي. وكذلك الرؤية الإخراجية تبتكر تنويعات متعددة في المشهدية البصرية والسمعية للعرض المسرحي، فتوسع من خيارات المقطوعات الموسيقية، إلى شكل السينوغرافيا المسرحية، إلى استعمال التقنيات السمعية البصرية في السرد المسرحي، أو الركون إلى تقنيات المسرح التقليدي من مونولوجات وحوارات بين الشخصيات. ولا تحتاج خصوصيات الممثل (محمد آل رشي) المسرحية إلى الكتابة عنها، والخبرة العميقة للمثلة (أمل عمران)، وكذلك (كنان حميدان) الذي ينظر باهتمام إلى خياراته كممثل مسرحي في الفترة الأخيرة، وكذلك الجهود الاستثنائية التي قدمها الممثل (محمد ديبو) في المقاربة بين حياته الشخصية والموضوع والدور المسرحي.
العرض
كتابة: مضر الحجي.
إخراج: عمر العريان.
أداء: أمل عمران، محمد آل رشي، كنان حميدان، محمد ديبو.