عن أحوال وأوحال الجماعة الأوجلانية

2024.08.20 | 06:20 دمشق

522222222222222224
+A
حجم الخط
-A

تمتلك الجماعة الأوجلانية المسلحة وتفريخاتها السياسية والإعلامية و"الثقافية" قدرةً رهيبةً على إنتاج الخطاب الديماغوجي المضلل.

فمنذ بداية تأسيسها عام 1978 وحتى عام 1989، قدمت نفسها باعتبارها البديل عن كل اليسار المشيد (المزيف) في العالم، وأن التنظيم الأوجلاني هو الممثل الأكبر والتعبير الأبرز للاشتراكية العلمية ولليسار الثوري الحقيقي، بخلاف ما هو موجود في الاتحاد السوفييتي السابق والصين الشعبية، وأنظمة الكتلة الشرقية، وكل الأحزاب اليسارية والشيوعية الدائرة في ذلك الفلك. فعل حزب العمال الكردستاني ذلك في حينه، عندما كان الاتحاد السوفييتي والأنظمة التابعة له تعاني من الموت السريري، وفي حالة تضعضع وعلى شفير الانهيار. واستمرت هذه الجماعة في تكرار واجترار أسطوانتها الصدئة المشروخة تلك، ومن دون حياء أو خجل، حتى بعد عقد مؤتمرها الخامس عام 1995، على أن الحزب هو صفوة الصفوة في الفكر والسلوك اليساري، بالرغم من سقوط جدار برلين، وانهيار الاتحاد السوفييتي وكل ملاحقه من أنظمة أوروبا الشرقية!

من جهة أخرى، عندما كان سقف مطالب المشهور من الأحزاب الكردية العراقية والإيرانية والسورية هو "الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان"، "الديمقراطية لإيران والحكم الذاتي لكردستان إيران"، "الديمقراطية لسوريا والحقوق القومية والوطنية الديمقراطية لكرد سوريا"، أتت الجماعة الأوجلانية وخونت كل تلك الأحزاب، على أنها "إصلاحية"، "انهزامية"، "كومبرادورية"، "انتهازية"، "رجعية"، "قبلية"، "عميلة"، وتابعة للاستعمار... إلخ، وأن الجماعة الأوجلانية هي التنظيم الثوري القومي الكردستاني الأصيل الوحيد الذي يطالب بتحرير واستقلال دولة كردستان الكبرى الموحدة، بل يقاتل ويبذل الدماء من أجلها، وأن هذا الحزب هو التعبير الأصدق عن المقاومة الكردية، بينما الأحزاب الكردية الأخرى تمثل الخيانة والغدر، وأن ذلك هو سر عداء تلك الأحزاب للعمال الكردستاني! ولكن، بعد اعتقال أوجلان في 15 فبراير/شباط 1999، ومحاكمته وما ترتب على ذلك من انهيار المنظومة القيمية العقائدية المبدئية التي تأسس عليها حزب العمال الكردستاني، وتخليه عن شعاراته السابقة التي كان يتبجح ويزايد بها على الأحزاب الكردية الأخرى، صار يطالب بـ"الجمهورية الديمقراطية" و"الأمة الديمقراطية" و"المجتمع الإيكولوجي" ويدافع عن حقوق مجتمع الـ"ميم" ومجتمع "الحاء" ومجتمع "الياء". ويشيطن الدولة القومية، ويزعم أن مشكلة الكرد المصيرية الوجودية ليست في عدم وجود كيان دولتي لهم. إلى آخر تلك المتوالية من التبريرات المتهافتة والتسويفات السمجة.

آخر الإبداعات الهزلية للجماعة الأوجلانية في سوريا هو المؤتمر الخامس لما يُسمى بـ"حركة المجتمع الديمقراطي" (TEV-DEM) في مدينة الحسكة.

ومع ذلك، بقيت الجماعة الأوجلانية على عهدها في عدائها المكين والشديد للأحزاب الكردية، ووصفها بـ"العميلة"، و"الخائنة"...، وأن العمال الكردستاني هو التمثيل الحقيقي للديمقراطية الحقّة!

الأنكى من ذلك، وبكثير من التهافت الوقح، أن هذه الجماعة العسكريتارية المسلحة، المشهورة بالاغتيالات السياسية للمنشقين عنها، صارت تزايد ليس فقط على الأحزاب الكردية بديمقراطيتها "الناجزة" الرهيبة، بل تزايد على الأنظمة الأوروبية أيضًا في الديمقراطية، وتطالبها بالتخلي عن ديمقراطياتها وتبني ديمقراطية حزب العمال الكردستاني!

هذا السلوك السياسي الإيديولوجي الهزلي المثير للضحك والشفقة أيضًا، لن يجد له جمهورًا في العالم إلا المدمنين على الديماغوجية الأوجلانية والمهووسين بذهنيّة التخوين والتضليل الذي لطالما يتحفنا به العمال الكردستاني، بل يحطم الأرقام القياسية في التزييف السياسي والقدرة على قلب الحق باطلًا، والباطل حقًّا! بالتالي، الجماعة الأوجلانية في تركيا وسوريا والمهجر، مشهود لها في توريط الموالين لها في شرك وأحابيل أكاذيبها وخرافاتها وزيفها، وتمريغهم في أوحالها السياسية والعسكرية، بل تتقن هذه اللعبة الإيديولوجية الوسخة بجدارة ومهارة! ذلك أن الكثير ممن صدقوا أكاذيب هذه الجماعة عن ثوريتها وتمثيلها لليسار الحقيقي والاشتراكية، وشعار وخيار استقلال كردستان الكبرى، أو أن العمال الكردستاني هو صفوة الفكر القومي الكردي، ومشروعه الواحد الأوحد، لا شريك له، هم أنفسهم الآن الذين يصدقون أكاذيب هذه الجماعة وتخوينها للأحزاب الكردية، ويلوكون الفذلكات الطوباوية التي ينادي بها الحزب كـ"الجمهورية الديمقراطية" و"الأمة الديمقراطية"، و"البطاطا الديمقراطية"، و"القهوة والشاي الديمقراطي"، "والسكاكين والبنادق الديمقراطية"! والإضافات الثلاث الأخيرة هي من عند كاتب هذه الأسطر.

آخر الإبداعات الهزلية للجماعة الأوجلانية في سوريا هو المؤتمر الخامس لما يُسمى بـ"حركة المجتمع الديمقراطي" (TEV-DEM) في مدينة الحسكة، تحت شعار "تنظيمات المجتمع الديمقراطي ضمان الحرية والعدالة والمساواة"، وذلك يوم 11 أغسطس/آب الجاري. وبحسب ما نشره القسم العربي في وكالة "فرات" للأنباء التابعة للعمال الكردستاني: "تعهدت الرئاسة المشتركة للحركة وأعضاء المجلس العام أمام أعضاء المؤتمر بالمضي قدمًا في درب النضال الذي خطته دماء الشهداء من أبناء وبنات مكونات روج آفا وإقليم شمال وشرق سوريا حتى تحقيق الأهداف التي استشهدوا من أجلها مع أدائهم للقسم". وبحسب نفس الخبر المذكور: "اختتم المؤتمر أعماله بجملة من التوصيات وكانت كالآتي:

  • اعتبار الحرية الجسدية للقائد عبد الله أوجلان على رأس أولويات ومسؤوليات الحركة.
  • دعم ومساندة الحملة العالمية المطالبة بالحرية الجسدية للقائد عبد الله أوجلان، وحل القضية الكردية.
  • دعم المجال التدريبي لكل الاتحادات وتنظيمات المجتمع الديمقراطي ضمن إطار الحماية الجوهرية.
  • العمل على تقوية بنية تنظيمات المجتمع الديمقراطي، وإقامة علاقات دبلوماسية مع منظمات ومؤسسات المجتمع المدني على المستوى الإقليمي والدولي.
  • إنشاء مجلس للمرأة ضمن الهيكلية التنظيمية للحركة.
  • التأكيد على أهمية دور الشبيبة ضمن تنظيمات المجتمع الديمقراطي من خلال التنظيم والتدريب.
  • توجيه كل الاتحادات إلى الانضمام إلى الكومينات بهدف رفع سوية الأداء التنظيمي والخدمي للكومين.
  • ضرورة انعقاد المؤتمر القومي الكردستاني في هذه المرحلة الحساسة.
  • العمل على تحرير جميع المناطق المحتلة وتأمين عودة آمنة لجميع النازحين والمهجرين إلى ديارهم". انتهى الخبر - المقتبس.

قياسًا على هذه التوصيات، ووفق فقه الأولويات لدى الجماعة الأوجلانية في سوريا، واستنادًا إلى التوصيتين الأولى والثانية، فإن هؤلاء الذين يُفترض أنهم كرد سوريون، نجدهم معنيين بالإفراج عن أوجلان أكثر بكثير من الإفراج عن الكرد السوريين المغيبين والمفقودين في سجون نظام الأسد الابن!

وآخر مسؤوليات واهتمامات هذه الجماعة ما ورد في التوصية الأخيرة: "العمل على تحرير جميع المناطق المحتلة وتأمين عودة آمنة لجميع النازحين والمهجرين إلى ديارهم"، والتي يفترض أن تكون في رأس سلم الأولويات، تؤكد أن الجماعة الأوجلانية في سوريا مستعدة للتضحية بكل الكرد السوريين كرمى عيني عبد الله أوجلان، زعيم ومؤسس العمال الكردستاني!

بهذا القدر من الوضوح والبجاحة والتحدي والاستفزاز، يمكن القول: إن "الإدارة الذاتية" مضافًا إليها "قسد" و"مسد" و"PYD" و"حركة المجتمع الديمقراطي"... إلى آخر هذه التشكيلات الوهمية، لم يعد هناك مجال للشك والشبهة في تبعيتها العمياء والصارمة لحزب العمال الكردستاني. ثم يأتي مسؤول أو إعلامي تابع لهذه الكيانات ويحصر علاقتها بالتبعية الفكرية وحسب!

بعض الكرد من سوريا، ممن ينتقدون العمال الكردستاني وتفريخاته السورية، والإرث الدموي المهول الذي كان وما يزال الحزب ينتجه في سوريا، هؤلاء يتحفظون على انتقاد هذه الجماعة على منابر تابعة للمعارضة السورية أو قطرية أو عربية، بحجة أن ذلك سيخدم الأطراف الأخرى.

يبدو أنه هناك ما يشبه التسابق بين هذه الكيانات والتعبيرات السياسية الوهمية الأوجلانية (السورية) على تأكيد ارتباطها الوثيق والوجودي بالعمال الكردستاني! والحال هذه، ومع هذا الكم المهول من الوثائق التي تقدمها هذه الدكاكين السورية الأوجلانية، كيف يمكن إقناع تركيا والعالم بأن "الإدارة الذاتية" في الشمال السوري، هي حقًّا، قولًا وفعلًا، إدارة ذاتية، لا تأتمر بأوامر العمال الكردستاني ولا تتبع تعليمات الكوادر التركية في الجماعة الأوجلانية!

بعض الكرد من سوريا، ممن ينتقدون العمال الكردستاني وتفريخاته السورية، والإرث الدموي المهول الذي كان وما يزال الحزب ينتجه في سوريا، هؤلاء يتحفظون على انتقاد هذه الجماعة على منابر تابعة للمعارضة السورية أو قطرية أو عربية، بحجة أن ذلك سيخدم الأطراف الأخرى، ويقصدون تركيا والجماعات الإسلامية الموالية لها! وأن هذه الأطراف ستستفيد من هذه الانتقادات. وهؤلاء الأفاضل، بنظرة عابرة لتفاصيل مجريات الأحداث ونتائجها من 2011 وحتى 2024، سيجدون أن كل سلوكيات وممارسات وخطابات الجماعة الأوجلانية في سوريا، خدمت وتخدم مصالح تركيا، وتقدم لأنقرة الكثير من المبررات والذرائع القوية لما فعلته في عفرين ورأس العين وتل أبيض، وما تود فعله في مناطق شرق الفرات! هؤلاء لا يرون أفعال العمال الكردستاني، بل يرون الانتقادات الموجهة لتلك الأفعال وفضحها، على أن الفضح يخدم مصالح الأطراف الأخرى، وكأن سلوكيات وممارسات وسياسات ومشاريع هذا الحزب هي حقًّا بالضد من تركيا ومصالحها بالنسبة لهم!

خلاصة القول: كانت أحوال الجماعة الأوجلانية، ولم تزل، سواء في تركيا أم سوريا أم العراق...، تزداد سوءًا وإيغالًا في استهداف الهوية والقضية الكردية، وكل منتقدي العمال الكردستاني، يتعرضون للتخوين والتشويه والشيطنة، عبر بث الفاشية والسلوك العدواني المريض والموتور بين أنصار الجماعة ضد أي مسعى نقدي معارض أو مناهض لها. وبذلك، يتحول المؤيدون والموالون للحزب الأوجلاني في سوريا، كردًا وعربًا، إلى حشود من المطبّلين والمزمّرين والغوغاء الذين يتمرّغون في الأوحال الإيديولوجية العطنة والعفنة للجماعة الأوجلانية المسلحة.