icon
التغطية الحية

عمال عاطلون عن العمل.. ما أسباب تراجع حركة البناء والعمران في ريف حلب؟

2023.07.31 | 05:09 دمشق

آخر تحديث: 31.07.2023 | 08:44 دمشق

عمال البناء في الشمال السوري
تراجعت أعمال البناء شمالي سوريا مؤخرا بعد ازدهارها ـ خاص
حلب ـ حسين الخطيب
+A
حجم الخط
-A

تراجعت حركة البناء والعمران في مناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي خلال النصف الأول من العام الحالي، إلى أكثر من 75 في المئة، مقارنة مع العام الماضي بعدما نشطت حركة بناء المنازل الأرضية التي تبنى من قبل سكانها، والمشاريع السكينة الاستثمارية التي ينفذها المستثمرون وشركات الإنشاءات الخاصة.

بينما اقتصر نشاط البناء خلال الفترة ذاتها على ترميم المنازل وإعادة تأهيلها نتيجة تضررها بسبب كارثة زلزال تركيا وسوريا، في السادس من شباط الماضي، أو تعرضها للقصف المدفعي، والحاجة لإكمال بناء المنزل في تجهيز غرفة أو غرفتين ضمن الحد الأقصى، كونها من الحاجات الأساسية التي تسعى العائلات إلى توفيرها في منازلهم.

عاملون في مجال البناء عاطلون عن العمل

يشتكي العاملون في مجال البناء من كساد حركة الإنشاءات والعمران ضمن مناطق عملهم في ريفي حلب الشمالي والشرقي، حيث باتت فرصة العمل في البناء ضئيلة جداً، بعدما كانوا يواصلون النهار والليل في عمل البناء، خلال صيف العام الماضي الذي نشطت فيه حركة البناء.

محمد العادل، نجار باطون في مدينة مارع بريف حلب الشمالي، مضى أكثر من ثلاثة أشهر تقريباً لم يحصل فيها على مشروع للعمل في بنائه، بعدما كان يعمل إلى جانب (10) عمال آخرين خلال الصيف الماضي ضمن المشاريع السكنية الاستثمارية، والمنازل التي كانت تبنى حينذاك.

وقال العادل لموقع تلفزيون سوريا "إن نجارة الباطون متوقفة بشكل كلي منذ شهر آذار الماضي، بعد كارثة الزلزال، حيث شهدت المنطقة إعادة تأهيل للمباني والمنازل السكنية المتضررة فقط، بينما كان العمل شبه نادر خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي".

وتسبب كساد حركة البناء والعمران في تردي الواقع المعيشي لأسرته بعدما كان يوفر العمل في البناء مردوداً مالياً جيداً، يوفر معيشة جيدة لعائلته والعاملين معه، ما اضطره إلى العمل بسيارته المخصصة لنقل خشب الباطون في توصيل طلبيات نقل بين المدن في ريف حلب.

كذلك اقتصر عمل "أبو اصطيف"، وهو عامل بناء (معمار) في مدينة اعزاز، على تصليحات للمنازل والجدران المدمرة، حيث قام ببناء بعض الغرف لدى زبائنه في المدينة، دون وجود مشروع بناء منزل كامل كما كان يعمل سابقاً.

وقال لموقع تلفزيون سوريا "إنني لم أعمل في مشروع بناء منزل سكني منذ رمضان الماضي، حيث يشهد سوق البناء ركوداً غير مسبوق". وأضاف "أنه لا يوجد سبب واضح وراء تراجع حركة البناء التي تسببت في تراكم الديون عليه بسبب الانقطاع عن العمل لأكثر من أربعة أشهر متتالية".

تراجع حركة البناء شمالي سوريا بنسب متفاوتة

رصد موقع تلفزيون سوريا، تراجع حركة البناء في مدن الباب وجرابلس وأخترين ومارع واعزاز والراعي وصوران وعفرين في ريفي حلب الشمالي والشرقي، بنسب متفاوتة من منطقة إلى أخرى، منذ مطلع العام الحالي 2023، حتى نهاية تموز الجاري، لا سيما المشاريع الخاصة، التي لا تقوم ببنائها المنظمات والمؤسسات الرسمية.

ففي مدينة الباب وريفها شرقي حلب، تراجعت حركة بناء المنازل التي يبنيها أصحابها، والمشاريع السكنية الاستثمارية الخاصة، إلى نسبة تفوق الـ 50  في المئة خلال النصف الأول من العام الجاري، مقارنة مع العام الماضي، حيث يشهد سوق العقارات ركوداً حاداً في المدينة.

وفي مدينة اعزاز انخفضت نسبة حركة البناء والعمران الذي يبنى من قبل الأهالي، والتجار المستثمرين في المدينة وريفها إلى أكثر من 60 في المئة بعدما وصلت ذروة الحركة العمرانية بين 2020 و2022، عندما ازداد الطلب على الشقق السكنية الطابقية تزامناً مع حركة النزوح، إلا أن العرض في الوقت الحالي كثير، بينما الطلب قليل، حيث باتت تباع بسعر الكلفة.

المهندس محمد أحمد، مدير شركة المتحدة للإنشاءات في اعزاز قال لموقع تلفزيون سوريا: "إن الطلب على الشقق السكنية انخفض بشكل كبير وبات العرض كبيراً ما يضطر المستثمرين إلى بيع الشقق المبنية خلال العام الماضي، بسعر الكلفة، وتكون قيمة المتر مربع 70 دولاراً أميركياً، بينما يكلف البناء في الوقت الحالي نحو الـ 90 دولاراً أميركياً، ومع ذلك فإن الطلب على شراء الشقق نادر جداً".

وأضاف: "أن سوق العقارات في مدينة اعزاز يعتمد على ثلاثة مصادر لاستمرار الحركة العمرانية، موظفي المنظمات، والعاملين في القطاع التجاري، والمغتربين الذين يشترون شققاً سكنية بهدف استثمارها، من خلال تأجيرها، وفي الوقت الحالي كلها متوقفة".

بينما في مدينة عفرين وريفها شمال غربي حلب، فقد تراجعت حركة البناء والعمران إلى أكثر من 80 % منذ مطلع العام الحالي، في حين اقتصر نشاط البناء على استكمال المراحل البنائية لكن لم يبدأ المتعهدون والمقاولون بأي مشروع جديد حتى الآن، ولا يختلف كساد البناء في المنازل الصغيرة التي يبنيها أصحابها، حسب ما أوضح المتعهد أحمد مواس.

وقال المتعهد والمقاول في بناء المشاريع السكنية في مدينة عفرين لموقع تلفزيون سوريا: "إن ديون تاجر حديد الباطون والإسمنت كانت تصل إلى حدود الـ 200 ألف دولار أميركي، خلال العام الماضي، لكنها خلال العام الحالي انخفضت إلى 50 ألف دولار، ما يعني أن هناك تراجعا في البناء".

وأوضح، أن العملية تكون عبارة عن ديون تباع الشقق السكنية بالتقسيط وتكون الدفعة الأولى خمسة آلاف دولار من قبل المشتري، ومن جهته يدفع مالك المشروع فواتير البناء بشكل تدريجي، للتجار الذين تعامل معهم في أثناء التنفيذ.

أما في مدن مارع وصوران وأخترين والراعي، فقد تراجعت نسبة البناء بشكل كبير، حيث بلغت أكثر من 80 في المئة، ما أدى إلى فقدان عاملوا البناء إلى مصادر رزقهم، بحسب ما رصد موقع تلفزيون سوريا، كون تلك المناطق لا تعتمد على بناء المشاريع السكنية بشكل كلي وإنما تبنى المنازل من قبل الأهالي وتكون حسب الحاجة فقط، بينما ينشط بناء بعض المشاريع السكنية التي تنفذها المنظمات والمؤسسات المحلية.

ما أسباب تراجع حركة البناء؟

تتعدد الأسباب وراء تراجع حركة البناء والعمران في الريف الحلبي، مرتبطةً بواقع انعدام الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي والمعيشي، ما تسبب في عزوف الأهالي عن بناء منازلهم من جهة واستثمار رؤوس الأموال من جهة أخرى في المشاريع السكنية.

وأوضح صاحب مؤسسة السويد للإنشاءات في مدينة الباب شرقي حلب، عبد القادر السويد، خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أن أسباب كساد سوق العقارات والبناء في مدينة الباب ترتبط بالواقع الأمني في المدينة وانتشار السلاح، وغياب الاستقرار.

وقال: "إن الواقع المعيشي والاقتصادي الذي يواجه العائلات السورية المقيمة والمهجرة صعب للغاية، لا سيما انخفاض دخل الموظفين، وارتفاع الأسعار، ووجود شرخ بين مستوى الدخل والمصروف، ما أدى إلى عزوف الأهالي عن شراء وبناء المنازل".

ويتفق جميع من التقيناهم في تأثير الأوضاع الاقتصادية على سوق العقارات، لكن المهندس محمد أحمد، يشير إلى "أن الاعتماد بشكل كلي في مدينة اعزاز على التجار وموظفي المنظمات الذين يتقاضون دخلا جيدا لأن الموظفين في المؤسسات العامة غير قادرين على شراء وبناء منزل"، معتبراً، أن الأوضاع الأمنية في اعزاز هي ذاتها منذ ثلاث سنوات، وسوق العقارات كان مستقرا دون تخبطات، لكن ما حصل كثرة العرض وقلة الطلب في المنطقة".

أحمد برهاوي، مقاول وتاجر بناء في مدينة جرابلس شرقي حلب، أكد أن عدم استقرار أسعار مواد البناء، وتعرضها لتأرجح بين ارتفاع وهبوط، خلال الفترة الماضية، أدى إلى اقتصار الأهالي على ترميم المنازل، وتخديمها وفق حاجتهم.

ويبلغ سعر طن الإسمنت في السوق المحلية من نوع نارلي تركي، 85 دولاراً، بينما كان بداية العام الحالي نحو 110 دولارات، أما الحديد المسلح المخصص للبناء يبلغ سعر الطن 650 دولارا أميركيا بعدما كان مطلع العام الحالي 750 دولاراً.

وأشار برهاوي إلى أن "عدم وضوح مستقبل المنطقة من الناحية السياسية أكثر ما يعقد الموضوع حيث تسبب في تراجع حركة البناء، في ظل التقارب الذي طرأ بين النظام وتركيا، والتصريحات التركية بهدف إعادة اللاجئين إلى سوريا".

وأضاف: "أن عدم توافر الاستقرار على الصعيدين السياسي والاقتصادي، أدى إلى عزوف التجار ورؤوس الأموال عن الاستثمار في المشاريع السكنية التي باتت مهددة بفقدانها في أي وقت بعدما أصبح لدى الأهالي والمستثمرين مخاوف من مستقبل المنطقة المجهول".

وشهدت مناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي بين عامي 2020 و2022، حركة بناء غير مسبوقة، لا سيما في مدن اعزاز وعفرين والباب، حيث تميزت ببناء الأبنية السكنية الطابقية والأسواق، مع ارتفاع أعداد السكان بسبب حملات التهجير والنزوح التي شهدتها البلاد خلال الأعوام الماضية، التي جعلت من ريف حلب مقصداً لهؤلاء الهاربين من بطش النظام، لكنها اليوم تراجعت بشكل غير معهود.