icon
التغطية الحية

علاج بالمورّثات ينقذ حياة طفل سوري لاجئ في اللحظات الأخيرة

2021.12.09 | 14:13 دمشق

cfe-1600x900.jpg
خلايا من جلد صبي كان يعاني من مرض انحلال البشرة الفقاعي بعد تعديلها وراثياً وزراعتها في مختبر إيطالي
ستات نيوز - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

في صيف عام 2015، دخل صبي عمره خمس سنوات واسمه حسان إلى قسم الحروق في مشفى جامعة روهر للأطفال بألمانيا، وذلك بسبب معاناته من جروح حمراء ومتقرحة امتدت من رأسه حتى قدميه.

لم يتعرض ذلك الطفل لحرق بالنار وقتها، بل كان يعاني من عدوى بكتيرية سببها خلل وراثي لا براء منه، ويعرف هذا المرض باسم انحلال البشرة الفقاعي، حيث يمنع هذا المرض وصول بروتين معين إلى البشرة وهذا البروتين ضروري للحفاظ على تماسك طبقات الجلد، مما يؤدي إلى ظهور قروح مؤلمة وكبيرة، وبالطبع يتسبب هذا المرض بالوفاة بالنسبة للأطفال، ولهذا أخبر الأطباء والدي حسان، بأن طفلهما يعاني من سكرات الموت حينها.

بيد أن الأطباء قاموا بمحاولة أخيرة لإنقاذ حياته، حيث استأصلوا قطعة صغيرة من جلد فخذه لم تصب بقروح وأرسلوها إلى مختبر مايكل دو لوكا، وهو خبير إيطالي مختص بالخلايا الجذعية يترأس مركز الطب الترميمي بجامعة مودينا وريجيو إيميليا. استعان ذلك الفريق الإيطالي بفيروس ناقل لينقلوا إلى جلد حسان مورث LAMB3 ليقوم بمهمة محددة، كونه يحمل شفرة اللامينين أي البروتين الذي يربط سطح الجلد بالطبقات الأعمق.

بعد ذلك عمد الأطباء لتكوين خلايا معدلة على مساحات كبيرة يمكن من خلالها لجراحي التجميل في مشفى جامعة روهر أن يزرعوها في جسد حسان الغض في الوقت الذي كان هو فيه طريح الفراش، وهذا ما فعله الأطباء خلال الفترة الواقعة ما بين تشرين الأول وتشرين الثاني، ثم أعادوا الكرة في شهر كانون الثاني في السنة التي بعدها.

وهكذا نجحت العملية بنسبة فاقت توقعات الأطباء، إذ في عام 2017، أورد الفريق الطبي التابع لدي لوكا بأن حسان أصبحت أموره بخير، كما أصبح يعيش كأي فتى طبيعي بجلده الذي تم إنتاجه في مختبر. ولكن في ذلك الوقت بقي سؤال مهم يدور في الأذهان حول المدة التي سيبقى خلالها هذا الوضع على حاله، وهل يمكن للجلد الذي تمت زراعته أن يتسبب بردة فعل تؤدي للإصابة بمرض السرطان؟

ولكن اليوم، خرج الفريق الطبي بتطور جديد، إذ بعد مرور خمس سنوات وخمسة أشهر على التدخل الجراحي الأول، مايزال حسان يتمتع بجلد يقوم بوظائفه المعتادة وقد نما معه بما أنه اليوم أصبح مراهقاً، وصار يرتاد المدرسة ويمارس الرياضة مع أصدقائه وأشقائه، بالرغم من أنه يتجنب السباحة بسبب القروح التي تظهر في مناطق من جسمه لم يتم وضع بدل منها جلد تم تطويره في المختبر. وأحب الأنشطة التي يمارسها إلى نفسه ركوب العربة التي تعمل بالدواسة. واليوم لا توجد أية آثار لتعطل الخلايا الجذعية المعدلة لديه ولا أي مؤشر يدل على وجود كتل أو أورام.

تم اعتماد معلومات متابعة هذه الحالة المشجعة كأداة للمضي قدماً في محاولة سريرية أكبر ضمن النهج ذاته، ما يمنح الأمل لـ 500 ألف مصاب بهذا المرض في مختلف بقاع العالم، يعيشون حالياً دون أن يتوفر أمامهم أي خيار للمعالجة.

يقول أحد الأطباء الذين زرعوا لحسان جلده الجديد: "اندهشنا من سرعة استعادته لعافيته". إلا أن تجربة زراعة جلد في ظل ظروف أخرى جعلت هذا الفريق الطبي حذراً تجاه فشل الزراعات بمرور الأشهر والسنين، بيد أن هذه المخاوف لم تتحقق لحسن الحظ بالنسبة لحسان، وحول ذلك يعلق هذا الطبيب فيقول: "إننا نشعر بسعادة غامرة لقدرتنا على إثبات عدم ظهور كل تلك المضاعفات واستقرار الجلد المعدل وراثياً بنسبة 100%، أي أنه فرصه بعيش حياة طبيعية نسبياً باتت كبيرة".

على مدار السنوات الخمس الماضية، عرض فريق الأطباء جلد حسان لسلسلة من الاختبارات، حيث تأكدوا من حساسيته للحرارة والبرودة، ومدى احتفاظه بالماء، ومعدلات التصبغ والهيموغلوبين فيه، وهل تنمو فيه كل الأشكال التي نجدها في البشرة الطبيعية، ويشمل ذلك غدد التعرق، وبصيلات الشعر. عموماً، يبدو الجلد المزروع طبيعياً، دون الحاجة إلى ترطيب أو مراهم طبية. إلا أن العيب الوحيد الذي اكتشفه الأطباء في جلد حسان هو عدم حساسيته لأي لمسة ناعمة، خاصة في الجزء السفلي من ساقه اليمنى. وقد عزا الأطباء ذلك الاعتلال العصبي الطفيف للطريقة التي تم من خلالها تجهيز ذلك الطرف للعملية لا لعملية الزرع بحد ذاتها، إذ استخدم الأطباء أعنف طريقة يعتقد أنها دمرت الأعصاب فيه.

كما استعان الفريق الطبي بتقنيات الجزئيات لتعقب الخلايا التي زرعوها في المختبر ثم قسموها ووزعوها على جسد حسان، حيث اكتشف الأطباء بأن جميع أنواع الخلايا المختلفة التي يتألف منها جلد حسان الجديد قد نتجت عن بركة صغيرة من الخلايا الجذعية التي تجدد نفسها بنفسها والتي تعرف باسم الخلايا المشكلة للهولوكون وهو عنصر التصحيح الوراثي الذي استخدمه الفريق الطبي الإيطالي.

وحول ذلك يعلق دي لوكا بالقول: "كانت تلك فكرة ثاقبة في بيولوجيا الجلد"، وتوقع بأن تترتب نتائج مهمة على الجهود التي تبذل لتطوير معالجات وراثية مماثلة لمعالجة أمراض أخرى تصيب الجلد، حيث تابع بالقول: "يجب أن تتوفر الخلايا التي تشكل الهولوكون في بيئتك إن كنت ترغب بجلد يبقى معك بشكل دائم".

وهذا النهج الذي ابتكره فريق دي لوكا سيركز على أكبر اختبار سريري قريباً، بعد مرور عقد من الزمان تقريباً على بداياته، ولهذا يتوقع العلماء البدء بإجراء المرحلة الثانية والثالثة من هذه المحاولة التي ستعتمد على مراكز متعددة خلال السنة المقبلة.

يذكر أن دي لوكا نجح بمعالجة مريض مصاب بانحلال البشرة الفقاعي في عام 2005، إلا أن التغير الذي طرأ على قوانين الاتحاد الأوروبي الناظمة لعمليات المعالجة باستخدام الخلايا والمورثات أجبرت فريقه على وقف العمل مع البحث عن طرق يمكنهم من خلالها الالتزام بتلك القوانين الجديدة، وقد استلزمت تلك العملية سنوات من المعاملات الرسمية، وبناء مقر لتصنيع الخلايا، وإقامة شركة صغيرة متخصصة بالتقانة الحيوية وذلك استعداداً لإطلاق تلك الأبحاث السريرية من جديد. وهكذا ظهر حسان في الوقت الذي كان فيه ذلك الفريق يعد العدة للمرحلة الأولى من هذه المحاولة، بيد أن المعلومات التي أتت من حالة الطفل، والتي تم منح الموافقة عليها بموجب بند الاستخدام بدافع الرحمة، أقنعت المشرعين بأن عمليات زرع الخلايا يمكن أن تنتقل لمحاولات أكبر وأهم، بحسب ما ذكره دي لوكا، الذي عقب على ذلك بقوله: "إننا لا نبرئ المريض من هذا المرض، بل الجلد هو الذي يتجدد بصورة دائمة، كما أننا لم نلاحظ أي بثرة ظهرت على جلده خلال السنوات الخمس التي مرت، وكان شفاؤه من الجروح طبيعياً، وهكذا أصبح الجلد متيناً، ومن هذا المنطلق، أصبحت حياته لا تقارن بما كانت عليه في السابق".

 المصدر: ستات نيوز