icon
التغطية الحية

عقدة الناجي تلازم جراحاً سورياً نجا من الزلزال المدمر في تركيا

2023.03.01 | 17:22 دمشق

الجراح السوري براء الزحيلي برفقة زوجته وأولاده الثلاثة في ميتشيغان الأميركية
الجراح السوري براء الزحيلي برفقة زوجته وأولاده الثلاثة في ميتشيغان الأميركية
Michigan Live - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

كانت نصف الساعة الأشد رعباً في حياة براء الزحيلي، إذ كان قد هرب لتوه من غرفة في فندق أخذ ينهار من دون أن يحمل معه شيئاً من متعلقاته سوى ما ارتداه من ثياب، وهاتفه ومحفظته وجواز سفره. كما كانت درجة الحرارة قريبة من التجمد بما أن الثلج كان يهطل، في حين أخذت المباني تنهار في كل منطقة وزاوية.

فكر براء الزحيلي، 41 عاماً، بأن فرصه بالنجاة ضئيلة إن هرول بين الدمار الذي سببه زلزال بلغت شدته 7.8 درجة وما أعقبه من هزات ارتدادية، بيد أن بقاءه يعني بأنه هو والآلاف غيره من حوله باتوا عرضة لخطر السحق عند انهيار قلعة غازي عنتاب القريبة، حيث كان مركز الزلزال.

وعن تلك التجربة يقول: "بقيت حيث أنا وتبين لي بأن هذا القرار كان صائباً"، فقد سافر هذا الجراح الذي يقيم بمنطقة فلينت بولاية ميتشيغان الأميركية في مشروع عمل إلى تركيا فتصادف وجوده مع وقوع الزلزال المدمر يوم 6 شباط.

بعد مرور ثلاثة أسابيع على الزلزال، عاد الزحيلي إلى دفء بيته لينعم برفقة زوجته وأولاده الصغار الثلاثة، وليجري مزيداً من العمليات الجراحية في مركز ميتشيغان للأوعية الدموية، إلى جانب سعيه لتحصيل شهادة أعلى من جامعة جونز هوبكينز الأميركية.

بيد أنه لم يستطع أن يمنع نفسه من التفكير بالكابوس الذي حصل أمامه عندما كان في تركيا.

أكثر رجل محظوظ في تركيا

قتل بالزلزال أكثر من 47 ألف إنسان، إلى جانب إصابة الآلاف بجراح وتشردهم في المنطقة، فضلاً عن المباني التي تدمرت أو تضررت والتي وصل عددها إلى 164 ألفاً على أقل تقدير، فباتت بحاجة لعمليات إصلاح وترميم بشكل فوري.

يعلق الزحيلي على ذلك بقوله: "من ناحية أولى، كنت أكثر الناس حظاً في تركيا خلال ذلك الأسبوع، إذ لم أصب وقتئذ بأي أذى على الإطلاق، إلا أن الشيء الذي أطلب من الناس أن يفكروا فيه عندما أسرد قصتي هو هؤلاء الناس الذين لم يحالفهم الحظ مثلي، إذ أريدهم أن يفكروا بمأساتهم وما مروا به وكيف نجوا من كل ذلك".

ولد الزحيلي في سوريا وترعرع فيها، حيث درس في كلية الطب قبل انتقاله إلى الولايات المتحدة في عام 2006. عاش هذا الطبيب هو وزوجته في بالتيمور في أثناء استكماله لدراسته في جامعة هارفارد، ثم انتقل بعد ذلك إلى ولاية ميتشيغان في عام 2020.

على الرغم من كل عيوب المنظومة الطبية الأميركية، فإن الزحيلي يرى بأنها منظومة يمكن أن يحتذى بها في دول أخرى تتوافر فيها موارد كثيرة، لكنه يطمح إلى تأسيس منظومات للرقابة والتوازن في البلدان النامية وذلك لتحسين جودة الرعاية الصحية فيها، حيث يقول: "بوسعي أن أنفذ كثيراً من العمليات الجراحية، ثم أثني على نفسي معتقداً بأني فعلت شيئاً جيداً، إلا أني لا أقوم هنا بمراقبة الجودة، لأن بوسعي إلحاق ضرر كبير بالناس، وهنالك طرق عديدة يمكن للناس من خلالها أن يخبروك بأنك أبليت بلاء حسناً هنا في الولايات المتحدة، ولكن ذلك غير موجود خارجها".

إن هذا الشغف بالتحديد هو الذي دفع الزحيلي لدراسة الماجستير في الصحة العامة لدى جامعة جونز هوبكينز، حيث يدرس الزحيلي الصحة العالمية، وهذا ما دفعه أيضاً للسفر إلى تركيا في مطلع هذا الشهر قبل وقوع الزلزال المدمر.

أزمة لغة

كان الزحيلي في غرفته في الفندق يجهز أوراقاً لاجتماع يخص المشروع مع متنفذين لدى منظمة الصحة العالمية عندما بدأ الزلزال، ويتذكر تلك اللحظات بالقول: "اهتزت الغرفة بكاملها وكأني كنت في غسالة، وعندما هرولت إلى الخارج كان قسم من الفندق قد انهار".

بمجرد أن سكنت الهزة الارتدادية، بدأ الزحيلي بالبحث عن المشافي، إما عبر الهاتف أو بالمرور عليها بشكل شخصي، وذلك ليرى إن كان بوسعه المساعدة في تقديم الرعاية الطارئة، لكنه لا يتحدث التركية، وقلة هناك من يتحدثون الإنجليزية أو العربية، فبات من المستحيل بالنسبة له وضع مؤهلاته وقدراته تحت تصرفهم لتقديم المساعدة.

مرت ساعات قبل أن يتمكن من وضع نفسه تحت الخدمة، ففكر بعبور الحدود إلى سوريا حتى يقدم المساعدة هناك، بيد أن الشرطة التركية حذرته من ذلك وأخبرته بأنه إن ذهب فلن يتمكن من العودة، وبعد أن انتهى شحن بطارية هاتفه، وتبللت منامته، وزاد قلقه على أمنه ونجاته، بحث عن المساعدة وهكذا تم إجلاؤه إلى مدينة تركية أخرى حيث تمكن من ترتيب أمور العودة إلى ميتشيغان.

عقدة وخوف

ما تزال تلك الحادثة تلقي بظلالها الثقيلة على الزحيلي الذي صار يعاني حتى ينام في الأسابيع التي أعقبت الزلزال، كما صار يخاف من الأشياء التي تهتز من حوله، إلى جانب إحساسه بعقدة الناجي، إذ يقول: "ولدت وترعرعت في سوريا، بيد أن الأشخاص الذين ماتوا هناك كبرت بينهم، وهم أناس يشبهونني وأشبههم وأجد نفسي منهم، ولهذا أنزعج عندما أتذكر بأني كنت محظوظاً حيث خرجت من الزالزال وأنا على قيد الحياة، بيد أن أتعس الناس حظاً هم من نجوا وصاروا اليوم يتعاملون مع عواقب ما حدث، بعدما تدمرت بيوتهم ولم يعد لديهم أي مستقبل، إذ خسروا كل شيء كانوا يملكونه".

تم إيقاف الرحلات الخارجية بعد الزلزال في الوقت الذي كان الزحيلي فيه يحاول أن يستوعب صدمته، لكنه وجد عزاءه في الرجوع إلى غرفة العمليات التي تحولت إلى ملاذه الآمن حيث يمكنه أن يركز على المرضى وأن يبتعد عن الأفكار التي تحدثه عن مدى التعاسة التي يعيشها الناس في سوريا وتركيا، ولو مؤقتاً.

يخبرنا الزحيلي بأن متوسط مرات النزوح بين أهالي شمال غربي سوريا البالغ عددهم 4 ملايين هو ست مرات، أي أنهم نزحوا ست مرات خلال سنوات النزاع العشرة، كما أنه يعرف أشخاصاً نزحوا 20 مرة.

تقدر منظمة الصحة العالمية بأن هنالك 26 مليون نسمة في تركيا وسوريا، بينهم أكثر من سبعة ملايين طفل، باتوا بحاجة للمساعدات بحسب ما أورده الصندوق الدولي لطوارئ الأطفال التابع للأمم المتحدة.

ويعلق الزحيلي على ذلك بقوله: "لست أدري كيف يعيشون بيد أن هذا كل ما يشغل تفكيري، حيث أسأل نفسي: كيف يتدبرون أمور حياتهم؟ في الوقت الذي عدت فيه أنا إلى بيتي لأنعم برفقة زوجتي وأولادي الثلاثة، إذ لدي بيت وسيارة وعمل وراتب ثابت، في الوقت الذي لا يملك أحد منهم أي شيء، وهذا أكثر ما يزعجني".

يتواصل الزحيلي مع المشافي السورية التي تقوم بجمع بيانات حول المرضى الذين يعانون من إصابات بسبب الزلزال وما أعقبه، ويخطط هو وفريقه لمتابعة حالات هؤلاء المرضى، الواحدة تلو الأخرى، وذلك للتعرف إلى مشاعرهم والمساعدات التي يحتاجون إليها، وعن ذلك يقول: "إن هذا لا يكفي، بيد أنه الشيء الذي بوسعه أن أقدمه".

ماذا بوسع الآخرين أن يقدموا؟ ينقل لنا الزحيلي في رسالة ميدانية من تركيا وسوريا بأن الناس هناك ليسوا بحاجة لمزيد من الأحذية، ولديهم كوادر هناك، ولكنهم بحاجة لمزيد من الموارد.

وهنا ينصح الزحيلي بالتعاون مع منظمات مثل الصليب الأحمر الأميركي ومنظمة GlobalGiving غير الربحية التي تأسست قبل 21 عاماً، إلى جانب ترشيحه لعدد من المنظمات السورية، التي لا تربطه بها أي صلة شخصية، لكنه ينصح بها بناء على خبرتها والعلاقات التي يتمتع بها من يديرونها على الأرض، وتشمل المنظمات الآتية:

  • منظمة  NuDay Syria تملكها أم لديها ثمانية أولاد تقوم بجمع تبرعات لتوزع سلالاً غذائية وتجهيزات شتوية وتهيئ مراكز إيواء طارئة، وتوزع مياهاً وغيرها.
  • الخوذ البيضاء: منظمة تطوعية تعمل في أجزاء من سوريا وتركيا، لديها ثلاثة آلاف متطوع يساعدون في عمليات الإنقاذ والانتشال وفحص المباني وإزالة الأنقاض.
  • الجمعية الطبية السورية الأميركية: منظمة إغاثية طبية عالمية تعمل في سوريا وغير سوريا، وتنشر مراجعة سنوية تشمل سبع سنوات على الأقل.
  • سوريا للإغاثة والتنمية: منظمة غير ربحية تقدم المساعدات الإنسانية للسوريين وللاجئين السوريين المتضررين بسبب العنف أو الجوع أو الفقر أو الإصابة أو النزوح.

 

المصدر: Michigan Live