بمرور عشر سنوات على انطلاق الثورة السورية، وتعرض السوريين لخسارات هائلة، وانكشاف النظام السوري باعتباره نظاماً شمولياً أمنياً تمييزياً طائفياً، وانكشاف ضعف المجتمع الدولي وهشاشته أمام القضايا الإنسانية، وشبه اليأس من مؤسسات وهيئات المعارضة السورية بواقعها الراهن، من الأفضل الحديث عن الممكنات للمستقبل بدلاً من الحديث عن عشر سنوات عجاف، ثكلى وحزينة، مليئة بالإجرام والانتهاكات والقتل، على أن يصبّ التفكير بالمستقبل في صالح ضحايا الأمس.
وبما أن الأسس النظرية والفلسفية والسياسية للنظام السوري لم تتغير، ومازال نظاماً أمنياً حربياً شمولياً تمييزياً بامتياز، صادر مؤسسات الدولة والمجتمع وتنظيماته، وقبوله بالتغيير أمر معدوم، بل وهو مستعد لتدمير سوريا وإزالتها عن الخارطة عن بكرة أبيها لو لم يبق هو على رأس السلطة، والأجهزة الأمنية مستمرة بغيّها وتغوّلها، بكل ما فيها من فساد واستبداد وهضم لحقوق المواطن والإنسان.
وبما أن سوريا صارت مستقراً لأطراف إقليمية ودولية عديدة، وصار فيها جيوش وقواعد عسكرية أجنبية، وتنشط فيها ميليشيات متشددة ومتطرفة دينياً وقومياً وإثنياً، وفيها مكوّنات تسعى للاستقلال أو الفيدرالية، وتختبئ "داعش" في صحرائها، وانتشرت فيها الفوضى، وانهار الاقتصاد، ودُمِّرت البنى التحتية، وتحولت إلى ما يُشبه الدولة الفاشلة.
وبما أن المعارضة السورية لم تتمكن من أن تثبت أنها قادرة على أن تكون البديل على مدى عشر سنوات، وبقيت مفاهيم الديمقراطية واحترام الرأي الآخر وقيم الدولة ومعاييرها خارج ثقافة غالبية التيارات السياسية المعارضة ومؤسساتها، وانشغل قسم كبير منها بالهم الخاص على حساب الهم العام، ونسي أهداف الثورة وتناسى أصحابها.
أولى هذه الحلول أن تستيقظ المعارضة السورية من سباتها، وتعرف أن أمامها استحقاقات وطنية مصيرية، وتتخلى عن الذاتية لصالح الهم العام
لكل الأسباب سابقة الذكر، ولأن الانتظار والبكاء على الخسائر أمر عبثي، والشكوى للمجتمع الدولي أمر عقيم، ولأن سوريا لن تعود إلى ما قبل 2011، ولأن السوريين يستحقون أن يكون لهم مستقبل أفضل، ولأن إيقاد شمعة أفضل من لعن الظلام، وباستعراض كل الحلول ومشاريع الحلول السياسية الفاشلة التي طُرحت لإنهاء الحرب السورية، بدءاً من مبادرة الجامعة العربية إلى مبادرات الأمم المتحدة العديدة ومؤتمرات جنيف وفيينا وسوتشي وأستانا وغيرها الكثير، وصولاً إلى القرار الأممي 2254، يمكن استقراء ثلاثة حلول ممكنة متاحة يدرسها السوريون، يمكن لها أن توقف الحرب السورية وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من سوريا، ورغم أن هذه الحلول قديمة/ جديدة، إلا أن السوريين لم يضعوا ولا مرة ثقلهم على أي منها، ولم يتوحدوا ويبذلوا كل طاقتهم، ويستثمروا كل صلاتهم، لإنجاح أحدها.
أولى هذه الحلول أن تستيقظ المعارضة السورية من سباتها، وتعرف أن أمامها استحقاقات وطنية مصيرية، وتتخلى عن الذاتية لصالح الهم العام، وتعيد تقييم الأوضاع السياسية والتحالفات والرهانات، والمبادئ والنهج والأساليب، وتقرأ الواقع بإشكالياته وحقيقته، وتعيد صياغة حلول قابلة للتحقق، وتضع عقداً اجتماعياً جديداً، وتجعل عملية تغيير الدستور واقعاً، وبجدول زمني، ويد سورية، وبإلزام دولي صارم، وتُصرّ على توزيع صلاحيات الرئيس لصالح الحكومة والسلطات الأساسية الثلاث، وهو حق لا يمكن أن تعترض عليه الدول الكبرى، ورغم أن الفكرة قد تبدو مُتهاونة، أو أخفض سقفاً من مطلب تنحية رأس النظام قبل بدء المرحلة الانتقالية، إلا أنها خطوة ستضمن بالتأكيد رحيله في نهاية المرحلة الانتقالية.
جميع الحلول سابقة الذكر، يمكن أن تضمن التغيير السياسي، ويمكن أن تُقونن مصالح المتدخلين في القضية السورية
وإلا يبقى هناك خياران أولهما هو أن توضع سوريا تحت وصاية دولية، أي وصاية الأمم المتحدة، مهما كانت محاذيرها، فهذه الوصاية تستطيع تحييد النظام ووضع حد له ولانفلاته، وتضع المعارضة أمام استحقاقات منطقية قابلة للتنفيذ، وتوقف القتل، وتساعد في الإفراج عن المعتقلين، وتُسهّل عودة اللاجئين والنازحين، وتحيل القتلة إلى المحاكم الدولية، وتُنقذ ما يمكن إنقاذه من بقايا الدولة ومؤسساتها، وتُبعد أوحال الطائفية والمحاصصة، وتُنهي احتمال التقسيم، وتُدرب سوريين لتسيير بلدهم وكتابة دستورهم وتٌشرف على الانتخابات حتى إيصال سوريا إلى بر الأمان.
والخيار الثاني قد يكون هو المجلس العسكري المشترك، الذي كثر الحديث عنه، شرط أن يحظى برعاية دولية، والذي يفترض أن يتشكل من ضباط معارضين منشقين ومن ضباط مازالوا يعملون مع النظام، جميعهم ممن لم تتلوث أيديهم بالدماء، يستلم زمام الحكم في سوريا لفترة انتقالية، ويفرض الأمن والأمان، ويجمع السلاح، ويُنهي الميليشيات والتنظيمات المتشددة، من أي جنسية أو أيديولوجية كانت، ويقونن عمل الأجهزة الأمنية والمخابرات، ويُشرف على الانتقال السياسي، ويكون الضامن لتطبيق قرارات الهيئة الحاكمة الانتقالية المفترضة التي أقرتها قرارات الأمم المتحدة.
جميع الحلول سابقة الذكر، يمكن أن تضمن التغيير السياسي، ويمكن أن تُقونن مصالح المتدخلين في القضية السورية، وتُقلّص مخاوفهم الأمنية، ويمكن إقناع الدول الكبرى بها، وتوصل إلى حل يحقق أهداف الثورة تدريجياً، وكلها حلول تحتاج إلى وعي ونضال وإصرار استثنائي لتمرير أي منها، لكن النتائج تستحق من كل المعارضة السورية أن تتوحد وتناضل بكل الطاقات والوسائل لجعل أي منها أمراً واقعاً.