المعابر السورية.. شرايين الحياة تحت قبضة الصراع على النفوذ

2024.09.11 | 07:11 دمشق

258
+A
حجم الخط
-A

تعد المعابر الحدودية في سوريا محوراً أساسياً في النقاشات الإقليمية والدولية حول الصراع السوري، حيث تمثل جسراً حيوياً لإيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين المحاصرين في مختلف المناطق.

ومع مرور السنوات وتغير خريطة السيطرة على الأرض، أصبحت المعابر وسيلة ضغط سياسية في يد الأطراف المتنازعة، فضلاً عن أهميتها الاقتصادية والإنسانية.

المعابر الحدودية في سوريا

تمتد الحدود السورية مع عدة دول مجاورة، مثل تركيا والعراق والأردن ولبنان، وتضم مجموعة من المعابر الرسمية وغير الرسمية التي تلعب دورًا مهمًا في حركة التجارة ونقل الإمدادات. من بين هذه المعابر:

  1. معبر باب الهوى: يقع على الحدود التركية في الشمال الغربي لسوريا، ويُعتبر الشريان الرئيسي للمساعدات الإنسانية المتجهة إلى إدلب والمناطق المحيطة. يعد هذا المعبر اليوم من أهم المعابر المفتوحة، حيث تسيطر عليه فصائل المعارضة، ويمر من خلاله الجزء الأكبر من المساعدات الدولية الموجهة للمناطق الخارجة عن سيطرة النظام.

  2. معبر باب السلامة: معبر حدودي آخر مع تركيا، يقع بالقرب من اعزاز. يُستخدم لنقل البضائع والإمدادات، لكن دوره أقل تأثيرًا من باب الهوى.

  3. معبر اليعربية: على الحدود السورية العراقية، كان هذا المعبر شريانًا حيويًا للمساعدات التي تتدفق إلى المناطق الشرقية في سوريا، وخاصة تلك التي تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية. تعرض للإغلاق عام 2020 بفعل الضغوط الروسية في مجلس الأمن، الأمر الذي تسبب في أزمة إنسانية في المناطق الشرقية.

  4. معبر نصيب: يربط سوريا بالأردن، ويستخدم بشكل رئيسي للتبادل التجاري بين البلدين، خاصة بعد إعادة فتحه عام 2018 إثر استعادة النظام السيطرة على الجنوب السوري. لا يلعب المعبر دورًا في نقل المساعدات الإنسانية، بل هو مخصص بشكل أساسي للتجارة.

  5. معبر القنيطرة: يربط بين سوريا والجولان المحتل. يتم فتحه بين الحين والآخر لأغراض إنسانية أو طبية، لكنه يظل تحت إشراف قوات الأمم المتحدة.

المعابر المفتوحة حالياً

حاليًا، تظل معظم المعابر مغلقة أمام حركة المساعدات الإنسانية باستثناء معبر باب الهوى، الذي يُعتبر المعبر الوحيد المفتوح بإذن من مجلس الأمن لنقل المساعدات إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة. رغم محاولات روسيا والنظام السوري إغلاق المعبر أو تحويل الإمدادات عبر معابر يسيطر عليها النظام، لا يزال هذا المعبر الأساسي في نقل المساعدات الدولية.

يُعتبر فتح معبر أبو الزندين خطوة تمثل اعترافًا ضمنيًا بالنظام من قبل فصائل المعارضة التي تسيطر على الجهة المقابلة. وهو ما يستغله النظام لإظهار سيطرته وشرعيته في التعامل مع الأطراف الأخرى.

معبر أبو الزندين: تداعيات وتحديات

أصبح معبر أبو الزندين، الذي يربط بين مناطق النظام والمناطق التي تسيطر عليها المعارضة في ريف حلب، محور جدل كبير مؤخرًا. هذا المعبر، الذي يقع قرب مدينة الباب في الشمال السوري، يخضع لسيطرة المعارضة من جهة والنظام السوري من جهة أخرى، مما يجعله وسيلةً للتواصل بين الجانبين. ومع أن المعبر يُستخدم بشكل محدود لنقل البضائع، إلا أن دوره السياسي أكبر بكثير.

يُعتبر فتح معبر أبو الزندين خطوة تمثل اعترافًا ضمنيًا بالنظام من قبل فصائل المعارضة التي تسيطر على الجهة المقابلة. وهو ما يستغله النظام لإظهار سيطرته وشرعيته في التعامل مع الأطراف الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، تمثل رسوم العبور والإتاوات التي تفرضها الأطراف المسيطرة على المعبر مصدر دخل لا يُستهان به، مما يعزز المصالح الاقتصادية وراء فتح هذا المعبر.

رغم أن المعبر لا يُستخدم بشكل كبير لنقل المساعدات الإنسانية مثل معبر باب الهوى، إلا أن فتحه يعكس تحولات في ديناميات الصراع ويشير إلى إمكانية استخدامه كورقة ضغط سياسي في المستقبل.

ملف المعابر في سوريا أحد أكثر الملفات تعقيدًا في الصراع السوري، حيث تتداخل فيه الأبعاد الإنسانية مع المصالح السياسية والاقتصادية.

أهمية المعابر وتداعياتها الإنسانية

تُعتبر المعابر الحدودية شريان الحياة للملايين من السوريين، خاصة في المناطق المحاصرة أو الخارجة عن سيطرة النظام. بالنسبة لمعبر باب الهوى، فإن المساعدات التي تمر عبره تؤثر على أكثر من 4 ملايين شخص في شمالي سوريا. تجدد فتح هذا المعبر في مجلس الأمن كل عام يشكل نقطة توتر دولي، حيث تسعى روسيا، حليفة النظام، لإغلاقه أو تقليص دوره. في المقابل، تمثل المعابر التي يسيطر عليها النظام، مثل معابر دمشق وحلب، وسيلة لإحكام السيطرة السياسية والاقتصادية على البلاد.

من جهة أخرى، تمثل المعابر مثل أبو الزندين أداة سياسية واقتصادية للأطراف المحلية والإقليمية. إذ تشير تحليلات عديدة إلى أن فتح المعابر الداخلية بين مناطق النظام والمعارضة، رغم محدوديتها، سيسهم في تخفيف الحصار الاقتصادي والضغط على السكان، لكنه في الوقت ذاته يمنح النظام اعترافًا ضمنيًا من قِبل المعارضة.

يبقى ملف المعابر في سوريا أحد أكثر الملفات تعقيدًا في الصراع السوري، حيث تتداخل فيه الأبعاد الإنسانية مع المصالح السياسية والاقتصادية. وإن فتح معبر أبو الزندين وغيره من المعابر ليس فقط قضية إنسانية تتعلق بتخفيف معاناة المدنيين، بل أيضًا ورقة تفاوضية تُستخدم في صراع النفوذ والسيطرة. وفي ظل استمرار الصراع، ستظل المعابر عاملًا حاسمًا في رسم ملامح مستقبل سوريا، سواء من الناحية الإنسانية أو السياسية.