تتحدث تقارير إعلامية إسرائيلية عن صفقة دبلوماسية قدمها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، هذا الأسبوع، لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تحاول من خلالها واشنطن إحداث اختراق في العلاقات السياسية في المنطقة.
شهدت المنطقة خلال الأسبوعين الأخيرين، جولات مكوكية لمسؤولين كبار في إدارة البيت الأبيض إلى إسرائيل، في ظل أجواء من التوتر المتصاعد في الأراضي الفلسطينية المحتلة مع صعود اليمين "الفاشي" بقيادة حكومة نتنياهو السادسة.
الصفقة، بحسب تقرير لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، تتضمن مطالب من نتنياهو تتمثل بالتنازل عن إحداث التغييرات "المثيرة للجدل" في النظام القضائي الإسرائيلي وتعزيز السلطة الفلسطينية وتجميد الاستيطان، مقابل تعاون أميركي أوسع في ردع إيران والسعي نحو إنجاز دبلوماسي بالعمل على التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية.
وقال الصحفي الإسرائيلي ناحوم برنيع، اليوم السبت، في عموده الثابت بالمحلق الأسبوعي لــ "يديعوت أحرونوت"، إن كبار المسؤولين في إدارة بايدن طلبوا معرفة ما إذا كان نتنياهو سيوافق على التراجع عن مشروع حكومته في الحد من صلاحيات "المحكمة العليا"، والعمل على تعزيز دور السلطة الفلسطينية وتجميد الاستيطان.
والمقابل، وفق ما أورده برنيع، هو تعاون واسع من قبل واشنطن لمواجهة المشروع النووي الإيراني، والدعم الأميركي لمساعي تل أبيب التطبيعية مع السعودية.
خلال الأيام الماضية، زار ثلاثة من كبار المسؤولين في إدارة بايدن إسرائيل، الواحد تلو الآخر، جاؤوا للتحقق مما إذا كان من الممكن عقد صفقة شاملة مع نتنياهو، بحسب تقرير "يديعوت أحرونوت".
كانت آخرها زيارة بلينكن الإثنين الماضي، وهي أول زيارة له لإسرائيل بعد عودة نتنياهو إلى الحكم.
وسبق بلينكن إلى إسرائيل، زيارة مستشار الأمن القومي جايك سوليفان، ورئيس وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز.
كما اجتمع بلينكن في رام الله، قادماً من إسرائيل، بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، وأكد دعم واشنطن لحل الدولتين لإنهاء الصراع المستمر منذ عقود.
وقال بلينكن إنه قرر إبقاء مساعديه في المنطقة للعمل على تهدئة الوضع في الضفة والقدس.
وبالفعل، بدأ الوفد الأميركي، أمس الخميس، عقد جولات تفاوضية منفصلة مع الإسرائيليين والفلسطينيين لتهدئة الأوضاع في الأراضي المحتلة.
في حين، نقلت "يديعوت أحرونوت" عن مسؤول أميركي كبير في أعقاب زيارة بلينكن، قوله إن نتنياهو سيُدعى قريباً إلى واشنطن.
حلم نتنياهو التطبيع مع السعودية
يمثل التطبيع مع المملكة العربية السعودية أهم الأهداف الاستراتيجية التي يسعى إليها نتنياهو ويضعها في أعلى سلم سياساته الخارجية.
وكان نتنياهو أعلن، مراراً وتكراراً، أنه يسعى لإقامة علاقات ديبلوماسية كاملة مع السعودية، معتبراً أن ذلك سيؤدي إلى حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
في حين، كررت الرياض موقفها غير الرافض، ولكن من دون تجاوز القضية الفلسطينية والتمسك بمبدأ "حل الدولتين".
وتمثل الصفقة المذكورة، الشروط السعودية في إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، كما تحمل رغبة أميركية في إعادة ضخ الحياة في قناة عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين المتوقفة منذ عام 2014.
ويشير التعهد الأميركي بالسعي لإنجاز التطبيع إلى أن واشنطن تحمل مطالب السعودية إلى إسرائيل الساعية لهذا التطبيع.
ويأتي مسعى واشنطن في ظل الفتور الذي يكتنف علاقاتها مع الرياض على خلفية الحرب الأوكرانية ورفض ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مطالب بايدن بضخ مزيد من النفط لسد نقص الإمدادات العالمية من الطاقة.
في 2020 عندما وقعت إسرائيل اتفاقيات التطبيع مع الإمارات والبحرين والمغرب ولاحقاً السودان، في حين كانت أنظار نتنياهو بالدرجة الأولى نحو السعودية.
وكانت التقارير والتحليلات الإسرائيلية، حينذاك، تشير إلى أن الرياض ستنضم إلى الاتفاقيات خلال أسبوع.
بدورها، لم تغلق الرياض الباب تماماً أمام إسرائيل وتشير السياسات إلى قبول السعوديين بالانفتاح الاقتصادي، ولكن التطبيع الشامل لن يكون من دون سلام شامل في المنطقة وفقا لقرارات الشرعية الدولية واتفاقيات أوسلو والمبادرة العربية.
وسبق للسعودية أن سمحت لحركة الطائرات بين إسرائيل والإمارات والبحرين بالمرور في أجوائها.
ردع إيران
الإثنين الماضي، أكد بلينكن ونتنياهو، خلال مؤتمر صحفي مشترك، على ضرورة تعميق التعاون الأميركي الإسرائيلي ضد إيران.
وربط وزير الخارجية الأميركي مواجهة إيران بالحرب التي تشنها روسيا في أوكرانيا، مشيراً إلى أن طهران تزود موسكو بطائرات من دون طيار يستخدمها الروس لقتل المدنيين في أوكرانيا.
وتشير المعطيات إلى اندفاع أميركي نحو سياسة "أكثر صرامة" تجاه إيران بعد نحو عامين من تمسكها بالطرق الدبلوماسية، لا سيما بعد فشل "مفاوضات فيينا"، وانخراط إيران العسكري بالحرب الأوكرانية إلى جانب الروس.
وتزامن الإعلان الأميركي الإسرائيلي لمواجهة إيران، مع وقوع ثلاث هجمات نُسبت إلى إسرائيل ضد أهداف إيرانية، منها هجوم أصفهان وهجومان خلال ساعات على شحنات السلاح الإيرانية في البوكمال شرقي سوريا.
وفي 26 كانون الثاني/يناير الماضي، اختتم الجيشان الأميركي والإسرائيلي مناورة مشتركة، أطلق عليها اسم "سنديان البازلت"، استعداداً لسيناريو الهجوم على إيران.
وكان من الواضح الاحتفاء الأميركي بمناورة "سنديان البازلت"، التي شارك فيها عشرات آلاف الجنود الأميركيين، استمرت أسبوعاً في المنطقة، وشملت القوات البرية والبحرية والجوية.
عودة أميركا
اللافت في تحركات مسؤولي البيت الأبيض، هو زيادة الاهتمام الأميركي بمنطقة الشرق الأوسط وتعزيز وجودها فيها، الأمر الذي يعد "تراجعاً" عن سياسة "الانسحاب" من المنطقة بعدما كان تركيز واشنطن على الصين.
ويبدو أن الولايات المتحدة تحاول إعادة ترتيب أوراق حلفائها المصابين بخيبة أمل من انسحابها من المنطقة، على وقع الارتدادات التي خلقتها الحرب الأوكرانية في الساحة الدولية.
وتحاول الدخول من باب تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب، وإحداث اختراق سياسي متعدد الاتجاهات، منها كبح جماح سياسة اليمين المتطرف في إسرائيل الذي يهدد القيم الليبرالية والديمقراطية غير المتوافقة مع إدارة بايدن.
وكذلك، الوفاء بتعهدات بالحفاظ على أمن إسرائيل وتفوقها عبر دمجها في المحيط العربي، وتوسيع نطاق التطبيع مع الدول العربية.
إضافة لإرضاء حلفائها من دول الاعتدال العربي، وعلى رأسهم السعودية، بمواجهة الخطر الإيراني وتحقيق شروط الرياض في إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي.