تلوح أزمة محروقات بالأفق في محافظة إدلب شمال غربي سوريا، بعد سيطرة حركة أحرار الشام على معبر الحمران الفاصل بين مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري شرقي حلب، ومناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) من جراء اشتباكات مع الفيلق الثالث، الذي كان مسؤولاً عن إدارة المعبر واستيراد النفط من خلاله.
وتوجه "هيئة تحرير الشام" اتهامات لـ "الفيلق الثالث" العامل في الجيش الوطني بالتسبب في أزمة المحروقات في منطقة عفرين شمال غربي حلب، ومحافظة إدلب، من خلال منع الصهاريج المحمّلة بالمحروقات من المرور ضمن مدينة اعزاز (المنفذ الوحيد وعقدة الوصل بين ريف حلب الشرقي مع عفرين ثم إدلب) إلا بعد دفع مبالغ مالية يتم فرضها كـ "رسوم" على المحروقات.
ويعد معبر الحمران الواقع في ريف مدينة جرابلس شرقي حلب محط اهتمام معظم التشكيلات العسكرية في الجيش الوطني السوري، إضافة لـ "هيئة تحرير الشام" بسبب عائداته المالية التي تفوق المليون دولار شهرياً كونه الممر الأساسي لاستيراد النفط الخام من مناطق سيطرة "قسد" إلى مناطق سيطرة المعارضة السورية.
وانتزع القطاع الشرقي لأحرار الشام بدعم من "فرقة الحمزة" معبر الحمران من يد الفيلق الثالث منتصف شهر تشرين الأول /أكتوبر الجاري، بالتزامن مع هجوم شنته "هيئة تحرير الشام" وأحرار الشام وفرقة الحمزة وفرقة السلطان سليمان شاه على مواقع للفيلق الثالث في عفرين شمالي حلب، والسيطرة على مقاره العسكرية في كامل منطقة عملية "غصن الزيتون".
كيف بدأت أزمة المحروقات في إدلب؟
لفهم المشهد المتعلق باستيراد المحروقات من ريف حلب إلى إدلب، يجب أولاً كشف تعقيدات الملف، والإشارة إلى أن "الفيلق الثالث" (أبرز فصائله الجبهة الشامية وجيش الإسلام) كان المسؤول الأول عن استيراد النفط الخام من مناطق سيطرة "قسد"، ثم تكريره في "حراقات" بلدة ترحين بريف حلب، ليكون جاهزاً للضخ في الأسواق، وتصديره إلى محافظة إدلب الخاضعة لسيطرة "هيئة تحرير الشام".
يستورد "الفيلق الثالث" النفط بموجب عقد موقّع بين شركة "إمداد" للبترول المرتبطة بالفيلق، مع شركة أخرى متخصصة بتجارة البترول أيضاً في مناطق "قسد"، وعند وصوله إلى ريف حلب، يتم تصديره إلى إدلب، عبر عقود وتفاهمات بين شركة "إمداد"، وشركة "وتد" التابعة لـ "هيئة تحرير الشام".
وأصدرت "حكومة الإنقاذ" التابعة لـ "هيئة تحرير الشام" في إدلب قراراً بإلغاء تراخيص استيراد المحروقات للشركات، وذلك بعد انتزاع معبر الحمران من يد "الفيلق الثالث"، وينص القرار على "أن تتولى المديرية العامة للمشتقات النفطية وضع الأسس والضوابط والشروط الفنية اللازمة لإجراء عملية الترخيص".
ولم تحدد "الإنقاذ" الشركات التي يشملها قرار إلغاء الترخيص، وفيما إذا كانت شركة "وتد" التابعة للهيئة معنية به، في حين ترى مصادر مطلعة في حديث لموقع تلفزيون سوريا أن "حكومة الإنقاذ" أرادت من خلال القرار تهميش دور الفيلق الثالث وشركة "إمداد"، مضيفة أن الحكومة تسرّعت في القرار، وهو مبني على تصور أن الهيئة ستدخل إلى كامل مناطق ريف حلب الشمالي والشرقي، وهو ما لم يحدث، بالتالي بقي لـ "الفيلق الثالث" -الذي يسيطر على مدينة اعزاز- أدوات للضغط في هذا الملف.
هل قطع "الفيلق الثالث" المحروقات عن إدلب؟
بدأت حسابات مقربة من "هيئة تحرير الشام" في مطلع الأسبوع الحالي، بالضخ الإعلامي المتركز على اتهام "الفيلق الثالث" بـ "حرمان المدنيين في عفرين وإدلب من المحروقات"، عبر منع صهاريج الوقود من عبور مدينة اعزاز باتجاه عفرين (غرباً) ثم إدلب، ما لم يتم دفع "رسوم".
بالمقابل، تحدث مصدر مطلع على كيفية استيراد المحروقات، عن حيثيات الملف وتفاصيله، إذ أكد أن هناك نظاماً معمولاً به منذ سنوات، يتمثل باستيراد النفط الخام من "معبر الحمران"، ثم تكريره في "حراقات ترحين"، وتصدير كميات من المحروقات إلى إدلب، وفق تفاهمات بين شركتي "إمداد" و"وتد"، فضلاً عن رسوم يتم دفعها في اعزاز وعفرين.
ووفقاً لما كشف المصدر في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، فإن سعر ليتر النفط الخام يبلغ عند دخوله من معبر الحمران، نحو 1.8 ليرة تركية (قرابة 20 دولاراً للبرميل)، وبعد تكريره في "حراقات ترحين"، يصبح سعر ليتر المازوت نحو 5 ليرات تركية.
وفي تفسيره لفارق أسعار المحروقات بين ريف حلب وإدلب، يقول المصدر، إنه يتوجب على صهاريج المحروقات التي تنطلق من ترحين إلى إدلب، مروراً باعزاز ثم عفرين، دفع رسوم قدرها 3 ليرات تركية على كل ليتر، منها ليرة للمجلس المحلي في اعزاز، وليرة للمجلس المحلي في عفرين، وليرة للفيلق الثالث.
وبذلك يصل سعر ليتر المازوت عند وصوله إلى شركة "وتد" في إدلب إلى 8 ليرات، لكن الشركة نفسها ترفع سعر الليتر الواحد 4 ليرات ليصبح 12 ليرة تركية، لضمان الربح، ووفقاً للمصدر، فإن الفيلق الثالث عرض في وقت سابق على الهيئة أن ترفع سعر الليتر 3 ليرات بدلاً من 4، مقابل أن يكون الترسيم في اعزاز وعفرين ليرتان بدلاً من ثلاث، وبذلك يباع الليتر في إدلب بـ 11 ليرة، لكن الهيئة رفضت المقترح وأرادت الإبقاء على سعر 12 ليرة تركية للتر، وبالتالي تربح الليرة التي خفضها الفليق الثالث، وبذلك تربح 5 ليرات بدلاً من 4 في الليتر الواحد، حسب المصدر.
وتابع المصدر: "نستنتج أن هيئة تحرير الشام شنت حملة إعلامية على الفيلق الثالث من خلال اتهامه بحرمان المدنيين في إدلب من المحروقات، بهدف وضعه تحت الأمر الواقع وحرمانه من أي مكاسب تتعلق بالمحروقات بعد انتزاع معبر الحمران منه، ولا يمكن تجاهل أن من ضمن أهداف الهيئة، توفير الرسوم التي يتم دفعها في اعزاز وعفرين وقدرها 3 ليرات على كل ليتر، من أجل تعزيز أرباحها، ووضع هذه الليرات في خزينتها، بدل أن تذهب إلى المجالس المحلية أو الفيلق الثالث"، مستبعداً أن تخفّض الهيئة أسعار المحروقات، حتى لو أُلغيت الرسوم.
وبالرغم من تراشق الاتهامات على وسائل التواصل الاجتماعي حول هذا الملف، إلا أن الفيلق الثالث سمح لأكثر من 20 شاحنة محملة بالمحروقات، بالعبور من مدينة اعزاز باتجاه عفرين وإدلب، وهو ما أكدته حسابات مقربة من الهيئة أيضاً، معتبرة أن ذلك تم نتيجة "الضغط الشعبي".
ما تعليق حكومة الإنقاذ؟
وقال المدير العام للمشتقات النفطية في حكومة الإنقاذ، أكرم حمودة، إنّ الشح في مادتي البنزين المستورد والغاز في إدلب، يعود لتعطل التحميلات من الميناء - لم يحدد مكانه - نتيجة خلل فني حدث أثناء استبدال الباخرة بأخرى، مضيفاً أن الشركة الموردة تعمل على إصلاح هذا الخلل الذي يتوقع أن يستغرق إصلاحه 6 أيام كحد أقصى، كما أشار إلى أن التوريدات التي تدخل حالياً قليلة جداً، ويتم توزيعها بصعوبة على المحطات ولا تكفي للخروج من الشح الحالي.
وبخصوص إلغاء التراخيص الممنوحة لشركات استيراد وتجارة المشتقات النفطية، أوضح "حمودة" في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن القرار يشمل جميع الشركات بما فيها "وتد"، بهدف فتح المجال للعديد من الشركات والتي يتوقع أن يصل عددها لست شركات بشكل إجمالي، مما يحقق التنافس بينها في الخدمات والجودة وما شابه، لافتاً إلى أن أبرز شروط الترخيص، المخزون الاستراتيجي والذي يكون التصرف فيه للمديرية حصراً، مما يخفف من وطأة الأزمات وانقطاع التوريدات.
وحول فارق أسعار المحروقات بين إدلب وريف حلب، وحول حقيقة استلام المازوت بسعر 8 ليرات لليتر، قال حمودة: "من خلال مراقبة كلف الاستيراد والمعالجة والتوزيع لم نجد توريدات بسعر 8 ليرات، وللحديث عن فرق الأسعار لا بد من المقارنة بين قناة تدفق المواد لمنطقة إدلب ومنطقة ريف حلب الشمالي وتفاوت الكلفة بينها على الشكل الآتي:
1- تدفق المواد في ريف حلب الشمالي: بعد أن يتم إنتاج المشتقات النفطية في الحراقات البدائية بمنطقة ترحين يتم بيعها للمحطات في مناطق الريف الشمالي مباشرة ومن ثم للمستهلك.
2- تدفق المواد لمنطقة إدلب: بعد أن يتم إنتاج المشتقات النفطية في الحراقات البدائية بمنطقة ترحين يتم بيعها من خلال سماسرة للتجار المختصين بإدلب، ومن ثم يقوم التجار بدفع الرسوم في منطقة (ترحين - اعزاز - عفرين) بالإضافة لمبالغ غير رسمية يتم دفعها للحواجز، وهذه المبالغ متفاوتة لا يمكن أن تقدر بمبلغ ثابت، وبعد وصولها لإدلب تشتريها الشركات لتقوم بمعالجتها وتحسينها، حسب وصفه.
معبر الحمران مكسب اقتصادي
يعتبر معبر الحمران شرقي حلب، من أبرز المكاسب الاقتصادية للفصائل العسكرية، نظراً لكونه المنفذ الأساسي لدخول البترول من مناطق سيطرة "قسد" إلى مناطق سيطرة المعارضة السورية، عبر عقود كانت توقّع بين الفيلق الثالث، وشركة توريد في مناطق "قسد"، وكان من المقرر تجديد العقد خلال الفترة القريبة القادمة، ولهذا حاولت "هيئة ثائرون للتحرير" سحب هذا الامتياز من الفيلق الثالث، عبر إقناع شركة التوريد بتوقيع العقد الجديد معها بدلاً من الفيلق، ذلك قبل أن تسيطر أحرار الشام بدعم من هيئة تحرير الشام على المعبر.
وقال المحامي عصام الخطيب، المنشق عن هيئة تحرير الشام، إن مدير مكتب قائد الهيئة "الجولاني"، ومسؤول المعابر في الهيئة "مغيرة بنش" كلّف الأمني رجب التح (أبو عبد الرحمن) بإدارة معبر الحمران بعد سيطرة أحرار الشام عليه، مضيفاً أن "مغيرة" اتفق مع حسن صوفان على تبعية المعبر كاملاً للهيئة، وإرسال 20 عنصراً من "تحرير الشام" كقوة تنفيذية في المعبر، وتزويدهم بهويات ومهام عسكرية لأحرار الشام تسمح لهم بالتنقل بحرية في المنطقة.
يذكر أن الفيلق الثالث يتهم "هيئة تحرير الشام" بسرقة محتويات معمل للغاز في بلدة كفرجنة بريف حلب الشمالي، تعود ملكيته لمستثمر تركي بالشراكة مع الفيلق، إضافة لتفكيك كازيات تعود لشركة "إمداد" ونقلها إلى إدلب، وقد حصل موقع تلفزيون سوريا على صور حديثة لكازية "إمداد" في قرية قطمة غرب اعزاز، تؤكد تفكيكها ووضع قوات عسكرية داخلها.