icon
التغطية الحية

عالم موازٍ.. ليلة في منتجعات الساحل السوري بكلفة معيشة شهر في دمشق

2024.07.26 | 06:49 دمشق

آخر تحديث: 26.07.2024 | 08:23 دمشق

2555555555555555
الساحل السوري
دمشق - سارة هاشم
+A
حجم الخط
-A

إن سألت أي سوري يقيم بأي محافظة واقعة تحت سيطرة النظام عن حجم المبلغ الذي يصرفه شهرياً ليؤمن حاجياته الأساسية، سيقول لك إن الحد الأدنى لمعيشته لا يقل عن 200 إلى 300 دولار، في الوقت الذي تعيش فيه سوريا عالماً موازياً يروج له على أن كل شيء بخير وجيد، والمجموعات السياحية تتوافد من خارج البلاد لتملأ المنتجعات السياحية في الساحل والمدن الأخرى.

ويبلغ متوسط سعر الليلة في المنتجعات التي يمتلكها ضباط مخابرات وتجار حرب نافذون في الساحل السوري من 200 إلى 400 دولار لليلة الواحدة، وهو مبلغ يتجاوز مصروف عائلة مكونة من 4 أشخاص لشهر كامل في سوريا على الحد الأدنى في حال كانوا يمتلكون بيتاً، من دون التطرق إلى مصروف وسائل النقل والتدفئة.

ومعظم تلك المنتجعات لا يستطيع معظم السوريين الدخول إليها لارتفاع أسعارها، بالرغم من أن للسوريين أسعاراً خاصة مختلفة عن حملة الجوازات الأجنبية الذين تتم معاملتهم بالدولار.

كم سعر اللية في منتجعات الساحل السوري؟

ولا يقل متوسط الليلة الواحدة للغرفة في منتجعات الساحل السوري بطرطوس أو اللاذقية بالنسبة لحملة الجنسية السورية عن 2.7 إلى 4.5 مليون ليرة سورية (نحو 120 إلى 225 دولاراً تقريباً).

في ذلك العالم الموجود فعلياً في سوريا، توجد أحواض سباحة عملاقة، وغرف نوم مكيفة، وكهرباء موصولة 24 ساعة على 24 ساعة، ومطاعم غربية وعربية وآسيوية، وبارات وحفلات رقص ومهرجانات، وصالات ألعاب، في الوقت الذي يرزح فيه 90 بالمئة من الشعب السوري تحت خط الفقر.

فئة قليلة جداً من أبناء مسؤولي النظام وتجار الحرب ومستحدثي النعمة هم من يتمكنون من زيارة تلك الفنادق والمنتجعات، بينما لا يستطيع بقية الشعب زيارة الشواطئ العادية التي تنعدم بها الخدمات وتخضع لبازار الأسعار المرتفعة من دون وجود أي رقيب عليها.

ويعمل النظام السوري على الترويج المكثف لعودة السياحة إلى سوريا، من خلال مقاطع مصورة ليوتيوبرية وناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر أن الوضع في سوريا مستقر وآمن، والبنية التحتية ممتازة، من دون أي إشارة إلى الوضع المعيشي الخانق الذي يعيشه معظم السكان في مناطق سيطرته، وعدم عودة المهجرين والنازحين واللاجئين إلى بيوتهم، خصوصاً في محافظات ريف دمشق ودرعا والقنيطرة وحلب وحمص ودير الزور والرقة وأجزاء من أرياف اللاذقية وطرطوس وإدلب وحماة.

من يمكنه دفع ذلك؟

وقال حسان رامي، أحد العاملين في منتجع خمس نجوم بطرطوس، لموقع تلفزيون سوريا، إن المنتجعات تعج بالزوار، معظمهم من أبناء الضباط الكبار والمسؤولين والشبيحة إلى جانب بعض المغتربين الذين ليس لديهم أي مشكلات أمنية مع النظام.

وأضاف رامي أن راتبه الشهري هو مليون و200 ألف ليرة، وهو لا يكفي لقضاء ليلة واحدة في غرفة فندق، حيث لا يقل سعر الليلة الواحدة عن مليون و800 ألف ليرة بالحد الأدنى، من دون طعام وشراب.

وأشار رامي الذي اقترب من تخرجه في جامعة تشرين، إلى أن الحياة الباذخة التي يراها في المنتجعات تشعره بأنه في دولة أخرى خارج سوريا، كل ما يفتقده الشعب السوري من أساسيات متوفرة بكل سهولة في تلك المنتجعات.

وأوضح أن عشرات العاملين في تلك الفنادق لا يحصلون إلا على الفتات، رغم أن راتبه يساوي ثلاثة أضعاف راتب أستاذ بجامعة دمشق، كما أن العديد من العاملين يعتمدون على الإكراميات التي يتركها بعض الزبائن.

من جانب آخر، قالت آية شاكر، موظفة تعمل بمكتب سياحي في دمشق، إن القطاع السياحي في سوريا غير نشط على عكس ما يصوره النظام السوري، ومعظم من يظهرون في المناطق السياحية على اليوتيوب هم سكان يشاهدون ولا يشترون، وحركة السياحة في سوريا لم تستعد 5 بالمئة من نشاطها السابق.

السياحة في سوريا تعتمد على السيران

وأوضحت آية أنها لا تمتلك أي إحصائيات، لكنها تعمل في مجال السياحة منذ 22 عاماً ولديها خبرة عالية فيه، مؤكدة أن القطاع السياحي في سوريا كان متضرراً للغاية حتى من قبل عام 2011، إذ كان النظام يروج للسياحة في تركيا ضمن اتفاقيات وقعتها الحكومة حينئذ مع نظيرتها التركية تزامناً مع حركة دبلجة المسلسلات التركية الطويلة، والإعلانات الطرقية.

ولفتت إلى أن البنية التحتية للسياحة في سوريا ضعيفة جداً، فنحن نتحدث عن ضعف في المطارات بشكل كامل، إلى جانب انعدام الحركة في الموانئ البحرية.

وأشارت إلى أن السوريين معظم نشاطاتهم السياحية قائمة على "فكرة السيران" الأسبوعي، وهذا النوع من النشاط السياحي لا يقدم مدخولاً سياحياً كافياً بالنسبة لقطاع الفنادق والمطاعم والمكاتب السياحية.

وأكدت أن ما يدل على ضعف النشاط السياحي الداخلي هو أعداد الحجوزات التي تتم عبر مكتبهم والتي هي بنسبة تراجع وليس زيادة، خصوصاً مع نسب التضخم المرتفعة.

هاني الرنكوسي، مدرس بإحدى ثانويات دمشق، قال إنه لا يستطيع تحمل أعباء سفر إلى الساحل السوري لقضاء عطلة يومين أو ثلاثة أيام، بسبب الوضع المادي وغلاء الأسعار.

السوري ليس لديه خطط سياحية

وبين الرنكوسي لموقع "تلفزيون سوريا"، أنه قبل 13 سنة لم يكن ذلك ممكناً، فكيف الآن؟ نحن نعيش خارج التاريخ والجغرافيا والمستقبل في سوريا، يعني لا يمكن أن تسأل سورياً ما هي خطتك السياحية هذا العام؟ لا بد أنه سيضحك عليك. اسأله عن خطة تأمين الخبز والطعام والمازوت وشحن بطارية الكهرباء ودفع فاتورة الموبايل ثم حدثه عن مصاريف الأولاد، أما ما يتعلق بالسياحة فالناس ليست لديها القدرة المادية لذلك.

وأشار الرنكوسي إلى أن منتجعات الساحل السوري لم تكن يوماً لعموم السوريين، ولا يوجد أي منتجع رخيص بكل الأحوال، كل تلك الفنادق والمنتجعات على البحر أسعارها في أسبوع تفوق ما نصرفه في سنة كاملة.

وعن الترويج للسياحة قال الرنكوسي: لا أظن أنها تفيد بشيء، الكل يعلم أن الوضع في سوريا لا يسمح بالسياحة حتى الآن، أتمنى أن نتجاوز الأزمة الاقتصادية وأن تفرج على الناس، ولكن المسبب الأساسي في كل ذلك ما زال هو نفسه، لم يتغير شيء حتى يتحسن الوضع.

سياحة دينية

وأضاف أن من رفع الدعم عن فئات الشعب لن يدعمهم في الترويح عن أنفسهم من خلال برامج سياحية أو فنادق رخيصة أو شاليهات أو شواطئ مجانية.

ولفت إلى أن ابنه يقيم في أوروبا ويرسل إليه المصروف شهرياً، ويحدثه دائماً عما تفعله البلدية للمواطنين مجاناً، من حدائق وملاعب ونواد رياضية وشواطئ شبه مجانية. في سوريا قبل 2011، ما هي الخدمات التي كنا نحصل عليها؟ كانت الكهرباء تنقطع 3 ساعات في اليوم وأحياناً أكثر، خصوصاً في الصيف، والآن تنقطع 20 ساعة.

ونصح الرنكوسي السوريين المغتربين بعدم المجيء للسياحة في سوريا وتوفير المال الذي لديهم، لأن المستفيد الأساسي في تلك المنتجعات هم رؤوس كبيرة في النظام، تجار حرب وليس مستثمرين عاديين.

ورغم أن وزارة السياحة تزعم أن هناك نمواً ملحوظاً في أعداد السائحين وصل إلى مليون زائر خلال النصف الأول من عام 2024، فإن النسبة الكبرى من السياح هم من لبنان والعراق والبحرين وإيران ضمن ما يعرف بالسياحة الدينية والثقافية لـ "العتبات المقدسة" الشيعية، والتي تعمل إيران على دعمها والترويج لها.

كما أن معظم السوريين الذين يزورون سوريا سنوياً لا يقومون بنشاطات سياحية حقيقية، حيث يقيم معظمهم في منازلهم أو منازل ذويهم لتخفيف المصاريف في ظل الغلاء الكبير بالأسعار.