يواجه طلاب الجامعات في سوريا مجموعة كبيرة من الصعوبات والمشكلات اليومية التي تعترضهم، من أجل إكمال تعليمهم الجامعي والحصول على شهادة، في ظل ظروف شبه مستحيلة تتمثل في غلاء الأسعار وأزمة المواصلات اليومية وقوانين الجامعة المعرقلة وغيرها من المشكلات والمعاناة التي باتت تسبب لهم أزمات نفسية متتالية.
يتحدث داني، وهو طالب في كلية الهندسة المعلوماتية بجامعة دمشق عن اضطراره للعمل من أجل إتمام دراسته. ويقول لموقع تلفزيون سوريا: "أعمل في فندق من الساعة الرابعة مساءً حتى الواحدة ليلاً براتب مئة وخمسين ألف ليرة، في حين يبدأ دوامي في الجامعة عند التاسعة صباحاً، راتبي لا يكفيني لدفع أجرة المواصلات التي أصبحت شبه غائبة في دمشق مع الازدحام وانقطاع البنزين والمازوت".
وتقول لمى وهي طالبة في كلية الهندسة المعمارية بدمشق: "أضطر يومياً للقدوم صباحاً من محافظة السويداء إلى الجامعة والعودة مساءً بعد إنهاء المحاضرات، أحاول تدبر أجرة طريقي من أخوتي وأبي، ويشكل هذا عبئاً كبيراً عليَّ ويؤثر على تحصيلي العلمي، ولكنني لا أستطيع تجميع مبلغ من المال يكفيني لدفع أجرة منزل".
بينما يضطر ثائر إلى المشي يومياً من منطقة الدويلعة إلى المزة حيث يدرس في كلية الصيدلة، أو الاستعانة بسيارات "السوزوكي" الذاهبة إلى "سوق الهال" لنقل الخضار لعلها توصله إلى أقرب نقطة، هذا إن حالفه الحظ بإيجادها، وهو يقوم بذلك لتوفير أجرة المواصلات لمصاريف جامعته ومحاضراته.
ارتفاع تكاليف الجامعة
وتأتي أسعار الكتب والمحاضرات كمشكلة أخرى أمام الطلبة، فلم يعد بإمكانهم الحصول عليها بأسعار معقولة ضمن موجة الغلاء التي تجتاح البلاد.
يوضح علي وهو طالب في كلية الاقتصاد الحالة قائلا "إن المصاريف اليومية في الجامعة تتراوح بين 10 آلاف إلى 15 ألف ليرة سورية، وهذا مبلغ كبير إذا ما جمعناه في جميع أيام الشهر، فشراء المحاضرات مكلف أيضاً، والكتب ارتفعت أسعارها ضعفين منذ العام الفائت، وألجأ إلى تحميل الملفات عبر الإنترنت ودراستها رغم أن هذه الطريقة لا تضمن النجاح في معظم الأحيان".
وتختلف الصعوبة في تحمل تكاليف التعليم بحسب الكلية ودوامها والمواد التي تتطلبها الدراسة فيها، وقد تصل تكاليف بعض الجامعات في الشهر الواحد إلى مليون ليرة سورية، وهذا رقم غير مقبول ضمن ظروف البلاد والعائلات التي تعتمد على رواتب متدنية أو أعمال حرة.
أما غيث وهو طالب بالسنة الخامسة في كلية طب الأسنان، فيحتاج يومياً لعدد من "أمبولات" التخدير والتي يبلغ سعر الواحدة منها ألفي ليرة، بالإضافة لرأس الإبرة بألف ليرة سورية، وغالباً ما يستهلك المريض أكثر من "أمبولة"، قد تصل إلى خمس أو ست "أمبولات". ويضيف: "غالباً ما أتدبر أمري بالذهاب إلى الجامعة مشياً، من دون الحاجة إلى مواصلات، ولكن تبقى التكاليف اليومية كبيرة عدا عن مصاريفي الشخصية من طعام وغيرها".
سوية التعليم والقوانين الجامعية
وبالإضافة إلى الغلاء وصعوبة إمكانية متابعة الطلاب لتعليمهم، تأتي القوانين الجامعية كعراقيل في وجه الطلبة، فتوقيع ورقة واحدة تسمى "حياة جامعية" تستغرق شهراً ليحصل الطالب عليها، وهي تستخدم عند النقل من جامعة لأخرى.
طالب انتقل من كلية "الهندسة الميكانيكية والكهربائية" إلى كلية الاقتصاد، يقول لموقع تلفزيون سوريا: "بدأت دوامي في الجامعة مع بداية الفصل الأول، لم أستطع المتابعة في الجامعة، فأعداد الطلاب هائلة وليس هناك أي تنظيم أو اهتمام، لا يخبرونك مع أي فئة عليك الحضور، أو إلى أي محاضرة عليك الدخول، شهران كاملان وأنا ضائع بين رؤساء الأقسام والشؤون دون أن أفهم ما عليّ فعله، سبب لي ذلك حالة كره للجامعة وقررت الانتقال إلى كلية الاقتصاد، فهي ليست بحاجة للالتزام بدوام ويمكنني العمل والدراسة معاً"
وتعتبر عمليات النقل بين الجامعات أو التسجيل وكل ما يخص الأوراق الرسمية واحدة من أصعب المهام التي على الطالب القيام بها، فلا يوجد موظفون يلتزمون بعملهم أو يحترمون حاجة الطالب لاستثمار وقته وتقليل الجهد المبذول على هذه الأوراق، عمليات من التأجيل المستمرة لأسباب غير مهنية، وطوابير من الانتظار تقف يومياً أمام الشؤون للحصول على ختم أو توقيع، فضلا عن تكاليف هذه الأوراق والطوابع المرافقة لها.
طرق جديدة للدراسة
إحدى الطرق التي يتبعها الطلبة السوريون اليوم هي الدراسة عبر تطبيق على الموبايل وذلك بهدف تجنب الدوام في الجامعة وتوفير المال والعمل ضمن وقت الدوام.
وتتمثل هذه الطريقة بالتسجيل ضمن تطبيق، كلفة المادة الواحدة ما يقارب 25 ألف ليرة، بالإضافة للجلسات الامتحانية قبل يوم من الامتحان والتي توزع فيها أوراق للدراسة، وكلفة النوطة الواحدة بين 7 إلى 10 آلاف ليرة للمادة، بالإضافة إلى 15 ألف ليرة رسم تسجيل، حيث أصبح معظم الطلبة يتبعون هذه الطريقة نظراً لأن كلفتها مساوية لمصاريف الدوام ومتابعة المحاضرات في الجامعة، وتمكنهم من استغلال وقتهم بأعمال أخرى.
من جهة أخرى، يشكو الطلاب الجامعيون هذه الأيام من المواد الدراسية والشرخ الذي يفصل بينها وبين الحياة العملية فيما بعد، وخاصة الكليات النظرية، وأصبحت الأعمال المصنفة كـ "فري لانس" ملاذاً للكثيرين، حيث يخضع معظم الشباب لدورات تدريبية في أي مجال يريدون ويمتهنون مهنة اختاروها بأنفسهم دون الحاجة للدراسة الجامعية، في حين تُعتبر الشهادة الجامعية إثباتاً يحتاجونه في حال السفر أو كداعم لهم في سوق العمل، ومعظم الشباب يتابعون دراستهم دون رغبة في دراسة الفروع التي يدرسونها، ويفاضلون على الكليات التي بإمكانهم دراستها فقط من أجل تأجيل الخدمة العسكرية حتى تدبر أمرهم والسفر خارج البلاد.