icon
التغطية الحية

طارق بيطار.. من هو القاضي الذي اشتعلت على اسمه اشتباكات لبنان؟

2021.10.15 | 16:32 دمشق

طارق بيطار قاضي تحقيقات تفجير مرفأ بيروت
 تلفزيون سوريا ـ عبد الناصر القادري
+A
حجم الخط
-A

كانت الأسابيع الأخيرة في لبنان تسير إلى توتر يضاف إلى أزماته المتنامية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، بعد أكثر من عام على انفجار مرفأ بيروت في آب 2020، والذي ما زالت تداعياته مستمرة داخل لبنان إلى الآن.

ولم يكن يمكن التكهن أن قرارات طارق بيطار قاضي التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت  بعد مجريات التحقيق وخشية أطراف سياسية لبنانية من كشف الحقائق سيجر لبنان المتأزم أصلاً لأزمات تصل إلى المواجهة المسلحة، خصوصاً بعد اعتراض وتهديدات ميليشيا حزب الله اللبناني بشكل مباشر وجهت إلى "بيطار".

تلك الاشتباكات الدامية في منطقة الطيونة خلال مظاهرة تندد بقرارات القاضي طارق بيطار، قتل خلالها 7 أشخاص وأصيب 32 جريحاً، وفق الصليب الأحمر اللبناني.

من هو القاضي الذي اشتعلت على اسمه اشتباكات بيروت؟

طارق بيطار، قاضٍ لبناني، يبلغ من العمر 46 عاماً، من مواليد منطقة عكار شمالي لبنان، عمل في بداية حياته المهنية بمنصب قاضٍ منفرد جزائي بمدينة طرابس بين عامي 2004 - 2010، ثم عين مدعٍ عام استئنافي في محافظة لبنان الشمالية حتى عام 2017 ويشغل حالياً رئيس محكمة جنايات بيروت إضافة إلى مهمته كمحقق عدلي في انفجار مرفأ بيروت.

وخلال توليه رئاسة المحكمة، نظر في عدد من القضايا الجنائية الكبيرة التي شغلت الرأي العام، من بينها جرائم قتل واتجار بالمخدرات واتجار بالبشر، ووصفت بعض القرارات التي صدرت عن محكمته بالمتشددة.

وفي أيار من العام الجاري، تم تداول اسم البيطار بشكل واسع في لبنان بعد إصداره حكماً في قضية طفلة لبنانية بترت أصابعها نتيجة خطأ طبي. إذ أصدر حكماً بدفع الجهات المتسببة بالضرر مبلغ مليار ليرة (نحو 650 ألف دولار) لعائلة الطفلة، إضافة إلى راتب شهري مدى الحياة لها.

بيطار الذي يُشهد له بكفاءته المهنية، لم يكن اسماً معروفاً في الأوساط اللبنانية، خصوصاً أنه كقاضي لا يمكنه الإدلاء بتصريحات صحفية أو إجراء مقابلات إعلامية مباشرة.

انفجار بيروت "قضية مقدسة"

ولكن في مقابلة نادرة لبيطار مع صحيفة "لوريان لوجور" اللبنانية، بعد أيام قليلة من تعيينه رئيساً للتحقيق في قضية انفجار المرفأ في شباط الماضي قال إن "قضية الانفجار المزدوج في مرفأ بيروت مقدسة. هي مهمة بدءاً من اليوم، وأنا ضامن لها، وعلينا واجب تجاه الضحايا للوصول إلى الحقيقة".

وأضاف "سأذهب حيث يقودني القانون والحق، لن يوقفني شيء، لا أعرف إلى أين سيقودني التحقيق، لكنني لن أتركه ينحرف".

ونقلت وكالة فرانس برس عن إحدى ضحايا تفجيرات المرفأ قولها: "لقد التقينا بالقاضي في عدة مناسبات، واستمع إلينا ملياً ووعدنا ببذل أقصى جهد، في إطار القانون، للوصول إلى الحقيقة".

وأردفت: "لدينا ثقة كاملة به وفي العدالة التي يجسدها شخصياً على مستواه، علماً أنه في بلد فاسد مثل لبنان وبعض القضاة موالون للأحزاب السياسية وبعيدون عن مبادئ النزاهة والحياد التي أظهرها طارق بيطار".

وترى عائلات الضحايا التي تبحث عن العدالة، في طارق بيطار قاضياً صارماً حريصاً على كشف الحقيقة في قضية يعتبرها مهمة.

وجاء تعيين بيطار قاضياً للتحقيق في الانفجار في شباط 2021 خلفاً لفادي صوان الذي أمرت محكمة التمييز الجزائية بتنحيته، بعد قبول دعوى تطالب بذلك عقب طلبه استجواب رئيس الوزراء اللبناني السابق حسان دياب وثلاثة وزراء سابقين، الأمر الذي يسعى "حزب الله" وجهات أخرى في لبنان لحصوله مع بيطار.

اختلاق التهم 

عمل بيطار خلال أول خمسة أشهر من تعيينه في دراسة ملف قضية انفجار مرفأ بيروت، والاستماع للشهود، كما أصدر قرارات بإخلاء سبيل بعض الأشخاص الذين كان قد تم حجزهم على ذمة القضية.

وخلال الأشهر الثلاثة الماضية، بدأ مواجهاته مع الأحزاب السياسية اللبنانية بعد أن طلب رفع الحصانة النيابية عن الوزير السابق والنائب نهاد المشنوق إضافة إلى النائب غازي زعيتر تمهيداً للادعاء عليهما، في الوقت الذي طالب باستجواب عدد من المسؤولين بينهم قادة أمن حاليون وسابقون.

وفي آب 2021 بعد نحو عام من التفجير أصدر مذكرة إحضار بحق رئيس حكومة تصريف الأعمال آنذاك حسان دياب قبل موعد جلسة استجوابه التي حددها حينذاك في 20 من أيلول الماضي.

واجه القاضي اللبناني معوقات بعضها يحمل مظهرا قانونيا ودستوريا وآخر يتمحور حول الحصانة التي يتمتع بها سياسيون والمواد الدستورية التي تحصر النظر في أي اتهامات يواجهونها فيما يسمى مجلس محاكمة الرؤساء والوزراء، بينما يرى كثيرون أنها ليست سوى التفاف على العدالة وإمكانية المحاسبة.

وبينما لم يتمكن بيطار من استجواب أي من الأشخاص الذين قام باستدعائهم، بدأ يواجه حملات تتهمه بتسييس ملف القضية واستهداف شخصيات تنتمي إلى تيارات سياسية معينة دون غيرها وتطالب بتنحيته.

التهديد المباشر

ولم يتوقف الأمر عند دائرة الاتهامات، بل انتقل إلى التهديد المباشر من قبل أحد المسؤولين في "حزب الله"، "لقد سئمنا منك، سنمضي على طول الطريق بالوسائل القانونية، وإذا لم يفلح ذلك فسوف نقتلعك"، كانت تلك هي الرسالة التي يُزعم أنه بعث بها، بحسب عدة وسائل إعلام لبنانية، رئيس جهاز الأمن في حزب الله وفيق صفا، ونقلها إلى القاضي عبر صحفي بقيت هويته سرية، كما تقول وكالة فرانس برس.

وفي 23 من أيلول الماضي، أكّد القاضي بيطار تعرضه لهذه التهديدات في رسالة وجهها إلى النائب العام في محكمة النقض، القاضي غسان عويدات، حسب وسائل إعلام لبنانية. وطلب عويدات من بيطار تحرير تقرير عن هذه التهديدات، التي كشف عنها لأول مرة على تويتر الصحفي إدمون ساسين، الذي يعمل في قناة LBC اللبنانية.

وفي نهاية الشهر نفسه، كان بيطار بانتظار البدء بجلسات الاستجواب لعدد من المدعى عليهم. وبالفعل قام باستدعاء النائب والوزرير السابق نهاد المشنوق والنائبين والوزيرين السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر وذلك لاستجوابهم كمدعى عليهم بجرم الإهمال والقصد الاحتمالي الذي أدى إلى جريمة القتل.

تعليق التحقيق 

لكن الشهر المنتظر تحول إلى موعد لتعليق التحقيق في القضية، للمرة الأولى منذ تسلم بيطار الملف والثانية منذ بدء التحقيقات، وذلك بعد قيام الوزير السابق المشنوق برفع دعوى قضائية تطالب بإعفاء بيطار.

وقد رفضت محكمة الاستئناف الدعوى في 4 من تشرين الأول ليعود سير التحقيقات من جديد وتعود معها الضغوط السياسية.

وخلال الأيام القليلة الماضية تصاعدت الضغوط التي يتعرض لها بيطار، وتعمقت الانقسامات السياسية حول مصيره.

وبالرغم من أن التحقيق لم يشمل أحداً من أعضائه، صعّد حزب الله من انتقاداته للمحقق العدلي على لسان أمينه العام حسن نصر الله الذي وجه نقداً شديداً لبيطار، واتهمه مجدداً بأنه متحيز ومسيس.

أما التحقيق فعلّق مرة أخرى في 12 من تشرين الأول بعد أن قام الوزيران السابقان علي حسن خليل وغازي زعيتر برفع دعوى جديدة تطالب بتنحية بيطار. لترد بعدها بيوم تقارير تحدثت عن تلويح حزب الله وحلفائه في حركة أمل وتيار المردة بالانسحاب من الحكومة في حال عدم تنحية بيطار.

وفي 14 من تشرين الأول وبعد الدعوى ومظاهرات حزب الله وحركة أمل والاشتباكات التي جرت بعدها، لا يزال طارق بيطار في موقعه، فهل سينجح في استكمال القضية التي أزهقت أرواح 218 شخصاً وإصابة نحو 7 آلاف آخرين، فضلاً عن أضرار مادية هائلة في أبنية سكنية وتجارية هائلة؟