تم التعرف إلى هوية الشخص الذي يُعتقد أنه العقل المدبر وراء القصف الروسي المدمر لمدينة ماريوبول الأوكرانية، وهو الكولونيل ميخائيل ميزينتزيف المعروف بتعطشه للدماء، إذ تعرض 90 في المئة من تلك المدينة التي كانت تؤوي 400 ألف نسمة قبل الحرب إلى الخراب والتدمير بعد شهر من القصف العنيف بحسب ما أوردته السلطات الأوكرانية.
يشغل الكولونيل ميزينتزيف المعروف باسم "جزار ماريوبول" منصب مدير المركز الروسي الوطني لإدارة الدفاع بصورة رسمية.
بيد أن أوكرانيا زعمت أن هذا الجنرال الروسي الذي يعمل لدى بوتين هو من كان وراء قصف مشفى التوليد في تلك المدينة، إلى جانب قصف المسرح الذي استخدمه قرابة 100 ألف نسمة كملجأ هرباً من القصف.
الدمار الذي لحق بماريوبول بعد شهر من القصف شبه المتواصل
ولذلك، اتهم سيرغي براتشوك، الناطق الرسمي باسم الإدارة العسكرية الأوكرانية في أوديسا، هذا الضابط الروسي الذي يحمل رتبة رفيعة بإعطاء الأوامر التي تقضي بشن العديد من الغارات المدمرة على ماريوبول، ما أدى إلى مقتل مئات المدنيين، حيث كتب قائلاً: "لقد أمر بقصف مشفى التوليد ومشفى الأطفال، والمسرح، وبيوت المدنيين.. أي إنه الشخص الذي دمر ماريوبول، كما سبق له أن دمر المدن السورية".
قصف مشفى التوليد في ماريوبول
وبالحديث عن الحصار الذي تتعرض له تلك المدينة، كرر الكولونيل مينيتزيف تصريحات الكرملين بحذافيرها، حيث اتهم "النازيين الجدد" من الأوكرانيين ومن سماهم بـ"قطاع الطرق" بالتسبب بحالة الإرهاب الشامل الذي تعيشه المدينة.
وفي إحاطة لوزارة الدفاع الروسية، طالب هذا الكولونيل أهالي ماريوبول المحاصرين "بالتخلي عن أسلحتهم"، وتابع قائلاً: "لقد تطورت الكارثة البشرية المريعة، لذا فإن كل من سيلقي بسلاحه سنضمن له مخرجاً آمناً من ماريوبول".
كبار الضباط الروس لدى بوتين يتهمون "النازيين الجدد" لدى أوكرانيا بتدمير ماريوبول
إلا أن الحكومة الأوكرانية ادعت بأن المحاولات الساعية لإقامة ممرات إنسانية لإخراج أهالي تلك المدينة منها قد توقفت بسبب الهجمات التي شنها الجيش الروسي.
ولذلك أطلق أوليكساندر شيربا، وهو سفير أوكرانيا السابق إلى النمسا، على الكولونيل ميزينتزيف لقب: "جزار ماريوبول"، وذلك عندما نشر مقطعاً صوتياً مسرباً له وهو عبارة عن محادثة بينه وبين أحد الضباط من ذوي الرتب المتدنية لديه، كما نشر شيربا ترجمة لذلك المقطع الصوتي عبر تغريدة على تويتر، وتوضح تلك الترجمة كيف استنكر الكولونيل ميزينتزيف عدم ارتداء ذلك الجندي للباس العسكري، ووصفه بأنه: "حثالة النظام الأعلى"، كما ورد في التسجيل قوله: "لماذا لم يتم التمثيل بوجهه بعد؟ لماذا لم يقطع أحد أذنيه؟ لماذا ما يزال هذا الغبي يعرج؟ عندما يخرج هذا في الليل، يجب أن يهاجمه أشخاص مجهولون، وما عليهم سوى أن يقفزوا عليه وأن يضربوه على وجهه بوساطة قارورة، وبعدها عليهم أن يملؤوها بليتر آخر (من الدم)".
جزار ماريوبول حالياً وجزار حلب سابقاً
سبق للكولونيل ميزينتزيف أن رتب أمور التدخل الروسي في الحرب السورية المدمرة وذلك خلال الفترة الواقعة ما بين 2015-2016، إذ نفذت القوات الروسية في سعيها لدعم الديكتاتور المتوحش في سوريا، بشار الأسد، سلسلة من الغارات الجوية، والتي شملت حصار حلب، ما تسبب بمقتل 1640 مدنياً.
استخدام غاز الكلور ضد المدنيين في أثناء قصف حلب
وبما أن الكولونيل ميزينتزيف كان مديراً للمركز الروسي الوطني للدفاع لذا من المرجح أنه لعب دوراً أساسياً في قصف مدينة حلب. ففي واقعة مفردة حدثت في نيسان 2016، قتل 53 شخصاً في غارة جوية استهدفت أحد المشافي في تلك المدينة.
يذكر أن القوات الروسية استخدمت الذخائر العنقودية والبراميل المتفجرة في قصف المناطق المدنية في سوريا وذلك لتقتل أكبر عدد ممكن من المدنيين. كما وردت أخبار وتقارير كثيرة عن قيام قوات النظام السوري بضرب حلب بغاز الكلور ضمن سلسلة من الهجمات الكيماوية القاتلة.
وفي السابع من نيسان عام 2018، تم تنفيذ هجمة كيماوية على مدينة دوما السورية ما أدى إلى مقتل 50 شخصا تقريباً وإصابة ما يزيد على مئة شخص، وقد اتُهم الجيش السوري المدعوم من قبل روسيا بتنفيذ تلك الهجمة، بالرغم من أن كلاً من سوريا وروسيا وجهتا أصابع الاتهام للغرب وذكرتا أنه لفق تلك الهجمة بهدف التضليل.
أطفال سوريون يتلقون العلاج بعد الهجوم الكيماوي الذي تعرضت له مدينة دوما
ماريوبول... "رماد لأرض الموتى"
تعرضت مدينة ماريوبول وهي مدينة ساحلية مهمة من الناحية الاستراتيجية تقع في جنوب شرقي أوكرانيا، لقصف شبه متواصل منذ بداية الغزو الروسي في 24 شباط الماضي، حيث أظهر مقطع فيديو التقطته طائرة مسيرة حجم الدمار الذي لحق بتلك المدينة، في الوقت الذي وصفها أحد المسؤولين بأنها استحالت إلى "رماد لأرض الموتى"
ويظهر مقطع آخر انتشر على تويتر مشهد الخراب لأرض خلت من أهلها، في حين نشرت وكالة فايزغراد الإخبارية في أوروبا الشرقية أن "ماريوبول تبدو كمدينة أشباح".
أما منظمة هيومن رايتس ووتش فقد وصفت المدينة بأنها: "قطعة متجمدة من الجحيم ممتلئة بالجثث والأبنية المدمرة"، وفي منشور ظهر على تطبيق تيليغرام، أعلن مجلس مدينة ماريوبول عن تدمير خمسة مشاف من أصل ستة في تلك المدينة، وأن 100 مريض جديد يحتاجون للمعالجة كل يوم. كما أن الأطباء يمارسون عملهم على ضوء الشموع في قبو ذلك المشفى، ويسعون جاهدين للتوفير في استخدام المولدات التي تعمل على الديزل لأنهم يعتمدون عليها في العمليات الجراحية المعقدة حالياً.
ولذلك دعت أولكساندرا ماتفيتشوك وهي رئيسة مركز الحريات المدنية في أوكرانيا، لمواجهة الكولونيل ميزينتزيف في محكمة العدل الدولية بلاهاي وذلك لارتكابه جرائم حرب، حيث كتبت تغريدة يوم الأربعاء الماضي جاء فيها: "تذكروه، إنه ميخائيل ميزينتزيف قائد حصار ماريوبول.. إنه من أعطى الأوامر بقصف مشفى الأطفال والمسرح وغير ذلك، إذ لديه خبرة كبيرة في تدمير المدن بسوريا".
"أوكرانيا ستنتصر"
ما يزال نحو 100 ألف نسمة من أهالي ماريوبول محاصرين بين خرائب مدينتهم وأطلالها بحسب ما أورده الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إذ في خطاب وجهه لشعبه يوم الأربعاء الماضي، اتهم الرئيس الأوكراني القوات الروسية باحتجاز 15 عاملا في المجال الإنساني وذلك عندما كانوا في طريقهم لتقديم المساعدات لأهالي تلك المدينة المقصوفة، حيث قال: "من المؤسف أن يدمر المحتلون الروس كل الجهود التي نبذلها تقريباً عبر القصف أو الإرهاب المتعمد.. فاليوم، احتجز المحتلون إحدى القوافل الإنسانية عندما كانت تعبر الطريق المخصص لها بالقرب من مانغوش".
تتحدث إحدى الطبيبات عن "الظروف الصعبة للغاية" التي تعاني منها المدينة، لكنها تؤكد بأنها ما تزال متفائلة، إذ كتبت الدكتورة لاريسا عبر تطبيق تيليغرام على حساب مجلس المدينة: "إنني على يقين بأن أوكرانيا ستنتصر وبأننا سنعيد السلام إلى مدينتنا ماريوبول، وبأننا سنبدأ معاً بعملية إعادة بناء مدينتنا ومشفانا، أي إننا سنعيد كل شيء سيرته الأولى".
المصدر: ذا صن