icon
التغطية الحية

سيرته أثارت الجدل.. وفاة زعيم الكلتاوية الشيخ محمود الحوت في مصر

2024.08.06 | 11:52 دمشق

52
الشيخ محمود ناصر الحوت زعيم المدرسة الكلتاوية
إسطنبول - خالد حمزة
+A
حجم الخط
-A

توفي الشيخ محمود الحوت، الشخصية الدينية البارزة ومدير (دار نهضة العلوم الشرعية) أو المدرسة الكلتاوية بحلب، اليوم الإثنين في مصر، عن عمر ناهز 68 عاما.

عرف الحوت بدوره المؤثر في الساحة الدينية السورية وانتمائه إلى المدرسة الصوفية وأسلوبه المميز في الخطابة، وكانت له مواقف مثيرة للجدل تجاه النظام السوري والثورة السورية.

وأعلن حساب "أحباب الكلتاوية" على فيس بوك وفاة الحوت بعد معاناة مع المرض. في حين ذكر حساب الجالية السورية في مصر أن أداء صلاة الجنازة على الشيخ محمود الحوت ستتم في مدينة "مدينتي"، القريبة من العاصمة المصرية القاهرة، ظهر اليوم الإثنين، حيث من المتوقع أن يحضر الجنازة عدد من تلاميذه ومريديه.

من هو الشيخ محمود الحوت؟

الشيخ محمود ناصر الحوت هو شخصية بارزة في الساحة الدينية السورية، يشتهر بانتمائه إلى المدارس الصوفية وبتوليه إدارة المدرسة الكلتاوية في حلب، ويعرف عن نفسه بأنه "مدير دار نهضة العلوم الشرعية النبهانية (1982 - 2012)" في حلب وأنه "خادم للكلتاوية النبهانية".

وُلد الحوت عام 1956 في عائلة متدينة من عشيرة الخضيرات، والتي هاجرت وسكنت في حي باب النيرب في حلب. عائلته لها تاريخ طويل في التعليم الديني، حيث كان عمه الشيخ عبد الرحمن الحوت أول مدير للكلتاوية.

تلقى الحوت تعليمه في المدرسة الكلتاوية، التي أسسها الشيخ محمد النبهان ضمن سياق تأسيس المعاهد الدعوية الإسلامية في دمشق وحلب بعد أحداث الدستور في حماة. وتخرج فيها عام 1975.

وبعد تخرجه من المدرسة الكلتاوية، التحق الحوت بكلية اللغة العربية في الأزهر الشريف بالقاهرة وتخرج عام 1979، وحصل على الماجستير عام 2003، والدكتوراه عام 2011. وكان إماماً في الجامع الأموي في حلب في الفترة الممتدة بين عامي 1985 - 1995.

كان الشيخ محمد النبهان أستاذ الحوت وشيخه، وتأثر الحوت بشدة بتعاليم النبهان ويبرز في خطبه وأسلوبه طريقة شيخه النبهان، التي ركزت على معارضة "السلطات العلمانية والدعوة إلى الالتزام بتعاليم الإسلام الصارمة".

المدرسة الكلتاوية

تشير العديد من المصادر التاريخية إلى أنّ جامع الكلتاوية والمدرسة يقعان على يسار الداخل من باب الحديد، وأنشأهما الأمير طقتمر الكلتاوي المتوفى سنة 787 هــ ودفن في نفس الموقع.

ولاحقاً أقام فيها الشيخ محمد النبهان وهو من أعاد بناءها وأطلق التعليم فيها.

افتتحت المدرسة رسميا عام 1964، وأدارها الشيخ عبد الرحمن عبد الله حوت لفترة قصيرة ثم الشيخ محمد أديب حسون سنة 1964 (والد المفتي السابق أحمد حسون) ثم الشيخ محمد لطفي من 1965 إلى عام 1972 ثم الشيخ منير بشير حداد ثم الأستاذ أحمد مهدي خضر ثم الشيخ علاء الدين علايا ثم الشيخ محمد رشواني، والشيخ محمود الحوت منذ عام 1983. وتحت قيادته، استمرت المدرسة في الحصول على دعم قوي من تجار المدينة ووجهاء الريف، وازداد نفوذه بين تلاميذه ومريديه.

والمدرسة الكلتاوية مدرسة داخلية دينية تستقبل الأطفال بعد المرحلة الابتدائية وتدرسهم مراحل الإعدادية والثانوية بمنهاج شرعي يطغى عليه التقاليد الصوفية. ويرتدي أطفال المدرسة زياً دينياً موحداً. كما تتكفل المدرسة بمصاريف إقامة الطلاب ولباسهم وطعامهم.

تلزم المدرسة طلابها بارتداء اللباس الديني داخل المدرسة وخارجها. ويحصل فيها الطالب على دروس بالعلوم الدينية: علوم القرآن وتفسيره والحديث والفقه والعقيدة والسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي والأخلاق وعلوم اللغة العربية بالإضافة إلى اللغة الإنكليزية والرياضيات والجغرافيا.

مدرسة وجامع الكلتاوية يظهر في يمين الصورة (المهندس محمود سيكت/ فيس بوك)
مدرسة وجامع الكلتاوية يظهر في يمين الصورة (المهندس محمود سيكت/ فيس بوك)

سيرة أثارت الجدل

اتخذ الشيخ محمود الحوت مواقف مثيرة للجدل تجاه السلطة والحكم. على غرار شيخه النبهان، عارض الحوت السلطات التي لا تلتزم بتعاليم الإسلام، خاصة فيما يتعلق بـ"الحجاب والمشروبات الكحولية".

ومع ذلك، كان يعارض بشدة الخروج على الحاكم، بحجة منع سفك الدماء والفوضى. هذا الموقف جعله مقرباً من النظام السوري، حيث لم يدن علانية قمع النظام للثورة السورية في عام 2011، وبرر مواجهة المتظاهرين بحجة أنهم "لا يصلون" و"يسكرون"، وهي مبررات تتشابه مع ما استند إليه الشيخ محمد رمضان البوطي في دعمه للنظام السوري ضد الثورة السورية.

ولم يكتفِ الشيخ محمود الحوت بالابتعاد عن معارضة النظام السوري، بل كان له دور  في توجيه مريديه لدعم النظام بشكل غير مباشر، عبر الإشارة إلى أنّ الخروج على الحاكم "غير جائز شرعاً".

خرج الحوت من حلب عام 2012، متوجها إلى المدينة المنورة ولاحقاً استقر به الحال في العاصمة المصرية القاهرة وقال في مقبلة تلفزيونية خلال فترة إقامته بمصر: "الآن أنا في فترة استراحة في القاهرة.. أرجو الله أن يردني إلى الكلتاوية رداً جميلاً" . ولاحقا عاد إلى حلب عام 2019 فيما قيل إنه نتيجة وساطات إيرانية - روسية.

يذكر أن المفتي السابق لدى النظام أحمد حسون -عمّ حسون كان أحد مديري المدرسة الكلتاوية- رفض في مقابلة التعليق على الأسباب التي دفعت الحوت إلى الخروج من سوريا والعودة إليها لاحقا.

وقال حسون في مقابلة على إذاعة نينار المحلية: "تسأله هذا السؤال له (سبب ابتعاده عن المشهد في سوريا عام 2012 والعودة عام 2019).. ما هي الظروف التي جعلتك تغادر حلب ولماذا عدت إلى حلب". 

وأضاف: "أعتقد أنه كان في ظروف احتاج فيها إلى مغادرة حلب وحينما ذهبت تلك الظروف عاد إلى المدينة"، وأردف: "هو لم يغير منهجه ولا طريقه في الدعوة إلى الله".

زار الحوت خلال السنوات القليلة الماضية دولا مثل العراق وتركيا (عام 2019)، والتقى بشخصيات دينية وسياسية، مما يعكس دوره البارز في المشهد الديني الإقليمي. كانت هذه الزيارات في إطار جهوده لتعزيز علاقاته مع السلطات والمجتمعات الدينية المختلفة.

ظل الشيخ محمود الحوت شخصية مؤثرة في الأوساط الدينية السورية، حيث لعب دوراً كبيراً في الحفاظ على النفوذ الديني في حلب وتوجيه مريديه ومؤيديه وفقاً لتعاليم المدرسة الكلتاوية.

الكلتاوية في التاريخ

تقع مدرسة وجامع الكلتاوية على هضبة مرتفعة تطل على باب الحديد، أحد أهم أحياء مدينة حلب. تتميز الكلتاوية بموقعها المرتفع الذي يطل على محلة البياضة، وطرفها الغربي يقع فوق قبو النجارين الأثري، بينما يطل طرفها الشرقي على حي بانقوسا.

وسميت بهذا الاسم نسبةً إلى الأمير طقتمر الكلتاوي والذي أنشأ إلى جانبها دارا كبيرة واسعة مرخمة تحتوي على إسطبلات واسعة وحوانيت، ووقف العديد من الأوقاف على المدرسة، واشترط أن يكون المدرسون والطلاب على المذهب الحنفي.

بحلول أوائل القرن الرابع عشر الهجري، تغيرت معالم المدرسة بشكل كبير. بحسب الشيخ كامل الغزي في كتابه "نهر الذهب في تاريخ حلب"، فقد انطمست معالم المدرسة ولم يبق منها سوى ساحة محاطة بأربعة جدران.

عندما وصل الشيخ محمد النبهان إلى الكلتاوية، كانت المدرسة عبارة عن مسجد طيني بسيط، لا يتسع إلا للقليل من المصلين ويفتقر إلى مئذنة. كانت نوافذ المسجد تطل على مقبرة مهجورة تعج بالأشقياء والخمّارين، مما جعل الآباء يخشون مرور أبنائهم بها. لكن الشيخ النبهان كان قد اختار هذا المكان القديم فهو منعزل ومناسب لخلوته وتأملاته. 

بحسب موقع "الكلتاوية" على الإنترنت فقد أمل الشيخ النبهان في تحويل الموقع إلى منارة علمية وثقافية. وبدأ العمل بشراء الدور السكنية القديمة المحيطة بالموقع وضمها. ويقال إن النبهان أشرف بنفسه على أعمال البناء، حيث كان يساعد في نقل الحجارة والإسمنت، والذي انتهى ببناء مسجد ومدرسة جديدة.