icon
التغطية الحية

سوريون في أوروبا.. صدمات بلا علاج تنتهي بالإدمان وتفكك الأسرة

2024.09.30 | 17:46 دمشق

سبس
سوريون في أوروبا.. صدمات بلا علاج تنتهي بالإدمان وتفكك الأسرة
+A
حجم الخط
-A

تشير الدراسات والوقائع إلى أن الصحة النفسية للاجئين السوريين في أوروبا على المحكّ، وأنهم يواجهون مخاطر كبيرة لتطوير اضطرابات عقلية شائعة مثل الاكتئاب، والقلق، واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD). ووفقًا للأمم المتحدة، فإن اللاجئين بشكل عام يحتاجون إلى دعم أكبر في مجال الرعاية النفسية والاجتماعية.

ومع ذلك، تبيّن الأبحاث إلى وجود فجوة كبيرة في العلاج بين الحاجة إلى الخدمات الصحية النفسية واستخدام هذه الخدمات من قبل اللاجئين السوريين، فالعديد من اللاجئين لا يحصلون على الدعم الكافي للتعامل مع هذه الاضطرابات النفسية بسبب محدودية الخدمات المتاحة، والحواجز اللغوية، ونقص الوعي بالإضافة إلى وصمة العار المرتبطة بالصحة العقلية.

وتؤكد الدراسات على الحاجة الملحة لتعزيز أنظمة الصحة النفسية لتلبية احتياجات اللاجئين السوريين بفعالية أكبر، من خلال توفير خدمات متخصصة تتغلب على الحواجز اللغوية والثقافية، وزيادة الوعي بالصحة النفسية والتجاوب الإيجابي مع قصص اللاجئين وتجاربهم السابقة.

لماذا يتعاطون الماريغوانا؟

غادر لؤي (من أهالي دمشق) الإمارات العربية المتحدة منذ نحو 9 سنوات متجهاً نحو بريطانيا التي طالما حلم بنيل جنسيتها، ذهب عبر مؤتمر علمي دعي إليه من خلال عمله في شركة مهمة بالإمارات.

لؤي البالغ من العمر (38) عاماً، وخريج علوم إدارة في دمشق ويتحدث اللغة الإنكليزية بطلاقة، ولكنه في بريطانيا واجه مصاعب نفسية، أودت به في نهاية الأمر إلى إدمان الماريغوانا، والبقاء عاطلاً عن العمل والنشاط لسنوات، وهو الآن مجهول المصير، حتى أهله لا يعرفون عنه شيئاًـ تقول والدته لـ "تلفزيون سوريا": لقد كان مفعماً بالحياة والنشاط، كان في الإمارات يعمل وينتج، ويخرج مع أصدقائه، لكن عندما  وصل إلى بريطانيا وبدأ برحلة الأوراق واللجوء دخل بحالة اكتئاب غريبة، وبعثر كل المال الذي ادّخره خلال عمله في الإمارات، وبات يطلب المساعدة.

تابعت: الآن لا نعلم شيئا عنه، لا يردّ على الهاتف، ولا ندري بمكان سكنه، ربما أضحى مشرّداً، علمتُ من أصدقائه أنه صرف كل أمواله على "الماريغوانا"، لكنه الآن لا يتواصل معهم أيضاً.

حالة لؤي ليست نادرة في الأوساط السورية في أوروبا، فقد تودي الصدمة بالعديد من اللاجئين إلى ممارسات مشابهة، ففي هولندا على سبيل المثال، يتعاطى العديد من الشباب السوري "الماريغوانا"، إما خلال رحلة اللجوء القاسية والانتظار الطويل، أو بعد ذلك، تقول سيدة هولندية في مقتبل العمر: لأن تدخين الماريغوانا مسموح به في هولندا يظن الكثير أن الهولنديين يدخنونه بكثرة إلا أن الواقع قد يكون عكس ذلك، برأيي الغرباء هم الذين يستهلكونه أكثر.

ملاحظة السيدة الهولندية قد تكون بمكانها وتستند إلى معطيات كثيرة، أبرزها أن عدم الاستقرار النفسي والاجتماعي قد يدفع أطيافا من اللاجئين الشباب إلى الاعتياد على تدخين هذه المادة المخدرة أكثر من أهالي البلد الذين يملكون حرية التفكير والاختيار.

يسار وهو شاب سوري (40 عاماً) يعيش في هولندا منذ نحو 3 سنوات صار مدمناً على تدخين "الماريغوانا" أيضاً، لكنه لا يحب الاعتراف دوماً بهذه الحقيقة، يقول لـ "تلفزيون سوريا": لم يكن لديّ خيار آخر، الضغط النفسي الذي عايشته يفوق قدرتي على التحمّل، ابنتاي وزوجتي في تركيا، لم أكن أعلم أن الانتظار الطويل قد يكون له ثمن باهظ، كان لدي في البداية بصمة في إيطاليا، وتأخرتُ في الحصول على الإقامة بسبب القوانين الجديدة، وحالياً أنتظر لم الشمل الذي أصبحت مدته أيضاً غير منطقية.

"لا بد من تغييب العقل للمحافظة على الذات" يقول يسار، مردفاً: كنتُ أتمتع بجسد رياضي وعضلات مكتنزة، حالياً وبسبب الماريغوانا، خسرتُ الكثير من وزني ومن كتلتي العضلية، وأشعر بالتعب دوماً لكن لا يمكنني التخلّي عنها في هذه الأوقات العصيبة، ومتأكدٌ أنني سأقلع عن تدخينها بعد قدوم عائلتي إلى هولندا.

مردفاً "نجتمع يومياً أنا والشباب في الكامب في بيت أحدهم وندخن لننسى همومنا ونضحك!".

طلاق ومشاجرات وعدم استقرار نفسي

يكاد لا يمرّ يوم دون أن نقرأ عبر صفحات السوريين في أوروبا عن حالات طلاق أو رغبات في الانفصال، وكأن الحياة الخالية من الصعوبات أصبحت بعيدة المنال للسوريين. فبعد وصول العائلة وتحقيق حلم الأمان والاستقرار، تظهر تحديات جديدة لم تكن في الحسبان. التغييرات الثقافية والاجتماعية، بالإضافة إلى الضغوط الاقتصادية والنفسية، تؤثر بشكل كبير على العلاقات الأسرية.

وتشير الدراسات إلى أن نسبة الطلاق بين اللاجئين السوريين في بعض الدول الأوروبية قد ارتفعت بشكل كبير خلال السنوات الخمس الماضية. يعود ذلك إلى عدة عوامل، منها اختلاف الأدوار الاجتماعية بين الزوجين، حيث تشعر النساء بمزيد من الاستقلالية والحقوق التي تكفلها القوانين الأوروبية، مما قد يؤدي إلى تصاعد الخلافات مع الأزواج الذين قد يجدون صعوبة في التكيف مع هذه التغييرات.

من ناحية أخرى، يعاني العديد من اللاجئين صعوبة الاندماج في سوق العمل، حيث تشير بيانات منظمة العمل الدولية إلى أن معدل البطالة بين اللاجئين السوريين في أوروبا يصل إلى 40%، مما يزيد من الضغوط المالية والأسرية. هذا الواقع يدفع البعض إلى الشعور بالإحباط والعجز، وقد يؤدي إلى تفاقم المشكلات النفسية والسلوكية.

تقول "مريم"، لاجئة سورية في السويد: "وصلنا إلى هنا بحثاً عن حياة أفضل، لكننا وجدنا تحديات لم نتوقعها. زوجي لم يستطع العثور على عمل، وأصبحت أنا المعيل الرئيسي للأسرة بعد أن حصلت على وظيفة في رعاية الأطفال. أدى هذا الأمر إلى توتر في علاقتنا، وانتهى بنا المطاف إلى الطلاق".

وفي بحث أجراه مركز دراسات اللاجئين في هولندا كشف أن 26 % من اللاجئين السوريين في البلاد دخلوا في دوامة العنف الأسري أو طلب الطلاق خلال 8 سنوات من الحصول على الإقامة. وتعود هذه النسبة العالية إلى التحديات التي يواجهها الأزواج، مثل اللغة، والبطالة، والضغوط الاقتصادية، وصعوبة الحصول على سكن ملائم.