سلوك النظام السوري.. رؤية سيكولوجية

2024.10.04 | 06:04 دمشق

6516455
+A
حجم الخط
-A

تواجهنا في دراسة العلاقات الدولية ثلاثة مستويات من التحليل: مستوى النظام الدولي، ومستوى الدولة، ومستوى الفرد. فهل تتحدد سياسة الدولة بما تتمتع به من قوة أو موقع في النظام الدولي؟ أم أن الخصائص الداخلية للدولة هي العامل الحاسم في سلوكها؟ أم أن بعض الصفات النفسية لقادة معينين هي التي توجه السياسة الخارجية للدولة في نهاية المطاف؟

الاحتياجات السيكولوجية لصناع القرار

من خلال البحث في الأدلة والبراهين التي يسوقها الاختصاصيون في كل مستوى من مستويات التحليل الثلاثة، لا يصعب على الباحث اكتشاف أن هذه العوامل الثلاثة تتضافر فيما بينها لتقديم الشكل الأمثل للتحليل السياسي. إذ لا يمكن الاعتماد على عامل واحد واعتباره المحرك الوحيد لسياسة الدولة، ولكن الملاحظة المهمة التي يجب تسجيلها في هذا السياق هي أن هذه العوامل تختلف من حيث التأثير في سياسة الدولة بين ظرف وآخر.

وعندما يرتبط الأمر بقرارات الحرب والسلم، يعتقد بعض الباحثين أن لشخصية القائد دوراً حاسماً في هذه الحالة. وربطاً لعلاقة القائد باتخاذ قرار الحرب، أشار علماء النفس السياسي إلى حالات مختلفة من الاحتياجات السيكولوجية؛ مثل الحاجة للإعجاب بالذات، والحاجة للتقدير أو الشعور بالاعتزاز، والحاجة لتحقيق الذات أو إثباتها. وتضاف إليها الحاجة للأمان والسلطة والسيطرة. ولعل معظم هذه الاحتياجات تتجسد في الشخصية النرجسية التي تستمتع بالزعامة والأدوار التسلطية، إذ اكتشف علماء النفس علاقة قوية بين النرجسية والعدوان والحاجة إلى السلطة.

الاستعداد لتحمل المخاطر

وحسب "جرج كاشمان" في كتابه "لماذا تنشب الحروب؟"، فإن ثمة نوعاً آخر من صفات الشخصية يستأهل الذكر. إذ يبدو الاستعداد لتحمل المخاطر من الخصال ذات الأهمية الكبرى فيما يتعلق بقرارات الحرب والسلم. ففي مثل هذه المواقف، يظهر بعض صانعي القرار أنهم أكثر استعداداً – نسبياً – لتحمل المخاطر، في حين يبدو بعضهم الآخر أكثر ميلاً لتجنب المخاطرة. فبعض صانعي القرار يخاطرون بالحرب مع إدراكهم أن نسبة النجاح قد تكون حوالي 50%.

وعلى المقلب الآخر، يطالب صناع القرار الذين لا يتصفون بهذه الصفة (الاستعداد لتحمل المخاطر) أن تكون نسبة النجاح المحتملة أكثر من 75%، وربما أكثر من ذلك. فمع اختلاف الطباع الشخصية، تختلف الأولويات، وتختلف الحسابات. فلربما لنفس السبب (الحفاظ على كرسي الحكم مثلاً) يرى الأول أن المغامرة تخدم ذلك الهدف، في حين يرى الثاني أن الإحجام أنجع. وحسب "كاشمان"، قد يضطلع هذا الاختلاف الفردي بدور مهم في إصدار القرار بخوض الحرب.

يبدو الاستعداد لتحمل المخاطر من الخصال ذات الأهمية الكبرى فيما يتعلق بقرارات الحرب والسلم.

اضطراب السادية الضعيفة وصانع القرار السوري

ما نود قوله هو أن صاحب القرار في النظام السوري هو من النوع الثاني؛ أي ذلك النوع من الشخصيات التي ليس لديها الاستعداد لتحمل المخاطر. ولعل هذا ما يفسر الموقف الذي أقل ما يقال فيه إنه متخاذل حيال ما تورط به محور المقاومة، الذي كان النظام السوري حتى الأمس القريب يعد أحد أهم أعمدته. ولكن بمنظور آخر؛ هل يمكن النظر إلى هذا الموقف على أنه دليل تعقل واتزان وتفضيل للمصلحة الوطنية على حساب التحالفات التي قد تمس هذه المصالح بسوء؟

كل الأدلة تشير إلى غير ذلك. وما دمنا في إطار التحليل النفسي، فإن ممارسات النظام حيال الشعب السوري تشير إلى أن القائمين على رأس هذا النظام معظمهم من الشخصيات السادية. والسادية باختصار هي اضطراب يفضي إلى التلذذ بإيقاع الألم على الآخرين سواء كان لفظياً أو جسدياً. فالشخص السادي هو شخص متسلط، عديم الرحمة، وعديم المسامحة لمن أخطأ بحقه بقصد أو من دون قصد. والأهم من ذلك؛ فالسادي الضعيف قد يتصرف بشكل جبان، إذ عند شعوره بالتهديد أو الخطر فإنه يظهر خيالات عدائية قد تدفعه لتصرفات غريبة، وقد يظهر الشخصية الاجتنابية.

رغم أن بعض الخلافات بين النظام السوري وباقي مكونات محور الممانعة قد بدأت تطفو على السطح، إلا أنه ما زال من المبكر الحكم على سلوكه؛ أهو متفق عليه بين مكونات المحور؟ أم أنه شذوذ ومحاولة للقفز من مركب لم يعد آمناً؟

بين الموقف الخطير والموقف الأشد خطراً

لم يعد السلوك الاجتنابي وأعراض الخوف لدى النظام السوري خافيين على أحد، فالمراقب لأنشطة واهتمامات النظام السوري يظن – للوهلة الأولى – أن الدولة التي يتصرف نظامها بهذا الشكل هي دولة تقع في أقاصي الأرض؛ بعيدة جداً عما يدور في هذا العالم من أحداث. ولكن السؤال الملح هو: هل يكون اضطراب السادية الضعيفة الذي يعاني منه صناع القرار في النظام السوري سبباً في نجاة هذا النظام من الإعصار المدمر الذي يجتاح منطقة الشرق الأوسط ويتركز نشاطه في مناطق تموضع محور الممانعة بالتحديد؟ أم أنه سيودي به إلى مصير لطالما كان يخشاه؟

رغم أن بعض الخلافات بين النظام السوري وباقي مكونات محور الممانعة قد بدأت تطفو على السطح، إلا أنه ما زال من المبكر الحكم على سلوكه؛ أهو متفق عليه بين مكونات المحور؟ أم أنه شذوذ ومحاولة للقفز من مركب لم يعد آمناً؟ في مجمل الأحوال يبقى الخيار هو خيار بين موقفين: موقف خطير، وموقف أشد خطراً. فإذا كان الأمر متفقاً عليه لن تجدي تمثيلية الحمل الوديع نفعاً مع الأعداء، أما إن كان شذوذاً وتمرداً فلن يرحمه الأصدقاء. وبالمختصر، منذ انطلاقة الثورة السورية حتى يومنا هذا لم يكن النظام السوري خائفاً ومذعوراً كما هو اليوم.

حتى الأمس القريب لم يكن هذا حال النظام السوري، بل على العكس تماماً، كانت مؤشرات النجاة تأخذ منحى تصاعدياً لدرجة أنه أصبح يشعر أنه قاب قوسين أو أدنى من النجاة. لكن ما يحصل يذكر بالمقولة الأكثر دقة: المستقبل دائماً مجهول. والأهم من ذلك، أن هذه العبارة لا تنتهي مصداقيتها عند حد معين، فرغم ما ورد في هذا المقال، لا بد من التذكير دائماً بأن المستقبل دائماً مجهول.