لم يعد بمقدور كثير من العائلات السورية في مناطق سيطرة النظام شراء زيت الزيتون لارتفاع ثمنه مقارنة مع السنوات السابقة، في ظل ارتفاع جنوني في الأسعار وزيادة كلفة قطافه وعصره.
وتعد سوريا من أبرز الدول العربية في إنتاج الزيتون وزيت الزيتون، خصوصاً مع تصدرها قائمة أكثر الدول استهلاكاً لزيت الزيتون من ناحية الأفراد وفق إحصائيات "المجلس الدولي للزيتون" لعام 2020.
وفي الآونة الأخيرة، بلغ معدل الفقر في سوريا ما نسبته 90 في المئة بين عامي 2020 و2021، بحسب "مكتب الإحصاء المركزي" في سوريا.
وأدى عدم تأمين المحروقات المدعومة للفلاحين ومعاصر الزيتون إلى ارتفاع سعر الزيت في الأسواق بسبب لجوئهم إلى السوق السوداء لشراء المازوت ما انعكس سلباً على أسعار جميع ما يتصل بالزيتون من عناية وسماد وقطاف وسقاية ونقل وعصر وتعبئة.
وبحسب متابعة موقع "تلفزيون سوريا" بلغ متوسط سعر كيلو الزيتون في سوريا بين 2500 ليرة سورية و5000 ليرة سورية، وقد يصل إلى 7 آلاف ليرة بحسب النوع والجودة.
كم يبلغ سعر لتر زيت الزيتون في سوريا؟
ومع بدء الموسم حلّقت أسعار زيت الزيتون إلى أعلى مستوياتها مقارنة مع العام الماضي، حيث يبدأ سعر لتر الزيت من 21 ألف ليرة سورية، ويصل إلى 28 ألف ليرة للنخب الأول.
وفي السياق، قالت ثناء شكري، أن العائلات في سوريا لم يعد بمقدورها، شراء كفايتها من الزيت مثل السابق، اليوم لتر الزيت الواحد لا يكفي لنصف شهر.
وأضافت في حديث مع تلفزيون سوريا، أن سعر صفيحة الزيت (16 لتراً) يصل سعرها إلى ما بين 325 ألف ليرة و350 ألف ليرة، وهذا راتب أكثر من 3 أشهر ونصف، وهي تكفي العائلة المتوسطة لعدة أشهر فقط، خاصة في ظل موسم المكدوس والزيتون والطبخات الصيفية.
ولفتت إلى أننا نضطر إلى شراء زيت الزيتون المغشوش لأنه يحمل نكهة الزيت، رغم أننا نعرف أنه سيئ وقد يكون غير مفيد أيضاً حيث يبدأ سعر اللتر من 15 ألف ليرة.
ارتفاع كلفة عصر الزيتون؟
ويصطف فلاحون بطابور طويل في معصرة زيتون بجديدة عرطوز في ريف دمشق، بانتظار دورهم لعصر محصولهم من الزيتون، في ظل تعطل المعصرة لأكثر من يوم بسبب قلة المحروقات في السوق السوداء.
وقال عمران الجباعي، أحد المزارعين الذين جاؤوا إلى معصرة الزيتون قبل ثلاثة أيام فلم يستطع عصر محصوله فجاء اليوم مجدداً بانتظار دوره.
وأضاف الجباعي لموقع "تلفزيون سوريا"، أن "محصول الزيتون هذا العام وفير جداً الحمد لله، لكن تكاليف العناية بالشجر والسماد وأسعار المازوت والقطاف والنقل إلى المعصرة كانت مرتفعة جداً، وهذا سيضطرنا لبيع زيت الزيتون بأسعار أعلى".
وأردف أن كلفة عصر كيلو الزيتون يبدأ من سعر 350 ليرة سورية للكيلو الواحد، أي يصل سعر عصر طن الزيتون الواحد إلى 350 ألف ليرة سورية تقريباً.
من جانبه، قال أيهم عودة، أحد الواقفين بالطابور ومعه حمل زيتون أيضاً، إن اليوم سيكون شاقاً بالنسبة لعصر الزيتون، فالموسم هذا العام أقل من العام الماضي بالنسبة لحقولنا، ولكن عموماً جيد.
وأوضح لموقع "تلفزيون سوريا" أن سعر العصر ارتفع بشكل كبير عن العام الماضي، حين كان يبلغ سعر العصر للكيلو الواحد 150 ليرة، هذا العام تجاوز الضعف تقريباً، وهذا يقلل من أرباحنا خصوصاً إن كان الزيتون لا يعطي زيتاً بكميات جيدة.
كم نسبة الزيت التي تستخرج من كل كيلو زيتون؟
وبيّن أن كمية الزيت التي يعطيها الزيتون يختلف من منطقة إلى أخرى، بحسب كمية الأمطار، ونوعية الشجر وحجم الحبة، وتوقيت العصر، هذا كله يعتمد على خبرة المزارع.
وأكمل أن "كل 100 كيلو غرام من الزيتون قد ينتج عنها ما بين 16 إلى 20 كيلو زيت زيتون يكون نخباً أول وثانياً، ويختلف طبعاً بحسب نوع شجرة الزيتون إن كانت من النوع التفاحي أو المصعبي أو الدان أو الزيتي أو الدعبيلي أو غيره".
وقال أبو حسان، صاحب معصرة زيتون بريف دمشق، إن ارتفاع الكلفة ليس بيدنا، حيث إن كلفة بناء معصرة في سوريا يتجاوز النصف مليار ليرة سورية اليوم، وهذا المبلغ يحتاج جمعه إلى عصر عشرات الآلاف من الأطنان.
وأضاف لموقع "تلفزيون سوريا" أن المشروع موسمي، وهذا يعني أن العمل فيه يجب أن يحقق أرباحاً سنوية، ولكن في ظل غياب الدعم بالنسبة للمحروقات ليس باليد حيلة نشتري المازوت من السوق السوداء وبأسعار مرتفعة وأحياناً لا تكفي لتشغيل المعصرة فنضطر إلى الإغلاق.
ولفت إلى أن حصول المعصرة على الكهرباء بشكل دائم يؤدي إلى تخفيف أسعار العصر بما لا يقل عن 30 إلى 40 في المئة، خاصة أن الناس بوضع حرج في ظل غلاء كل شيء.
كيف يُعصر الزيتون؟
وتعد عملية عصر الزيتون عملية معقدة وتحتاج إلى جهد ووقت من المزارعين والعاملين في المعاصر بسبب زيادة الطلب على العصر في الموسم، ما يجعل المعصرة تفتح أبوابها لأكثر من 12 إلى 14 ساعة في اليوم.
وقال أبو حسان، إن المرحلة الأولى تبدأ بجمع الثمار ووضعها على آلة الفرز، ثم تبدأ بسحب كميات منها لتنظيفها من السيقان والأغصان والأوراق وغيرها من المخلفات التي تحيط بحبات الزيتون.
وأضاف في حديث لموقع تلفزيون سوريا، ثم تبدأ عملية التنظيف عبر هواء كثيف يضخ من منفاخ قوي، تتجه بعدها الثمار إلى مرحلة الغسيل لتغسل جيداً بالماء، وتتم هذه العملية باستخدام غسالة خاصة يستمر فيها تدفق الماء على ثمار الزيتون بغزارة.
وبعد غسل الزيتون وتمريره ليذهب منه الماء، تأتي مرحلة الضغط، حيث توضع الثمار بعد غسلها في مطاحن حديثة لضغطها من خلال دفعها بعنف في شبكة معدنية، والهدف من هذه المرحلة هو تسهيل إطلاق الزيت من الفجوات.
وأشار إلى أن مرحلة العجن تبدأ بعملية خلط مستمرة وبطيئة لمدة 20 - 50 دقيقة، لاستخراج الزيت من معجون الزيت، وفي تلك المرحلة يصل الزيت إلى درجة حرارة مثالية، وقد تزيد مدة الخلط لزيادة كمية الزيت ولكن ذلك يعطيها فترة أكسدة أطول فتقل مدة صلاحية الزيت.
وتابع إلى أنه في النهاية يتم استخلاص الزيت وفصله عن الماء وعجينة الزيتون باستخدام جهاز الطرد المركزي، وأحياناً تحتاج بعض أنواع الزيوت إلى التكرير بهدف تقليل حموضته وتحسين النكهة.
ويعد الزيتون من أبرز المؤن التي تمونها العائلات السورية في كل المدن لأجل طعام الإفطار والعشاء، وتختلف من مدينة إلى أخرى في طريقة إعدادها، ومن أبرزها "المجرح والطعون والمحلى والفقش"، حيث يوضع بأوعية زجاجية ويضاف إليه زيت الزيتون والليمون وبعض الأعشاب.
ويعتبر زيت الزيتون من المواد الرئيسية الأولى التي تدخل في الطبخ السوري بشكل عام، كما يعد وجبة أساسية يستخدمها السوريون في معظم مؤنهم وأكلاتهم اليومية.