عام استثنائي يمضي على السوريين لا من حيث المعاناة، بل من حيث حجمها، فمع استمرار هجمات النظام وروسيا، التي تسببت بمقتل 162 شخصاً بينهم 46 طفلاً و23 امرأة، وجرح 684 أخرين، جاء زلزال السادس من شباط الذي سلب آلاف الأرواح، وترك عشرات الآلاف من دون مأوى لينضموا إلى أكثر من مليوني سوري مهجر في مخيمات شمال غربي سوريا ليزيد بذلك من المأساة ويفاقم الألم.
نشر الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)، يوم الإثنين، تقريراً مفصلاً يسلط الضوء على الأوضاع الميدانية والعسكرية، والأزمة الإنسانية في شمال غربي سوريا، منذ بداية العام 2023 وحتى تاريخ 17 كانون الأول الجاري.
الاستجابة للهجمات
وقال التقرير أن فرق الدفاع المدني السوري استجابت خلال عام 2023 إلى 1232 هجوماً من قبل النظام السوري وروسيا والميليشيات الموالية لهم إضافة للانفجارات والعبوات الناسفة والألغام.
وسجل التقرير 72 غارة جوية جميعها روسية، و901 هجوماً بالقذائف المدفعية، و184 هجوماً صاروخياً منها 6 هجمات بصواريخ أرض ـ أرض، واستخدمت في هذه الهجمات آلاف الذخائر، وأيضاً استخدم النظام القنابل والأسلحة الحارقة في استهدافه المدنيين والأحياء السكنية.
وكانت الطائرات المسيرة حاضرة واستجابت فرق الدفاع المدني إلى 6 هجمات بالطائرات المسيرة، في حين وثقت 17 انفجاراً من مخلفات الحرب و13 انفجاراً مجهولاً، إلى جانب هجمات وانفجارات أخرى، وأدت هجمات النظام وروسيا إلى مقتل 162 شخصاً بينهم 46 طفلاً و23 امرأة، وجرح 684 أخرين بينهم 260 طفلاً و118 امرأة.
التصعيد الأكبر خلال أربع سنوات
وشهد شهر تشرين الأول الماضي أكبر حملة للتصعيد شنتها قوات النظام وروسيا ضد المدنيين في شمال غربي سوريا منذ أربع سنوات، حيث سجل ما يقارب الـ 300 هجوماً خلال هذا الشهر، وأدى القصف العنيف لقوات النظام وروسيا إلى مقتل 66 شخصاً بينهم 23 طفلاً و13 امرأةً، وأصيب فيه أكثر من 270 شخصاً بينهم 79 طفلاً و47 امرأة، و3 متطوعين في الدفاع المدني السوري.
وارتكبت قوات النظام، خلال تشرين الأول الفائت، ثلاثة مجازر (المجزرة كل هجوم أدى لمقتل 5 أشخاص أو أكثر في نفس الهجوم والمكان) في ريفي حلب وإدلب، وكان أغلب الضحايا من الأطفال والنساء.
مجازر النظام خلال العام
ولم تغب مجازر النظام وروسيا والميليشيات الموالية لهم بحق السوريين خلال أشهر السنة الأخرى، حيث ارتكبت قوات النظام، في الـ 25 من تشرين الثاني، مجزرة راح ضحيتها 10 قتلى مدنيين بينهم 7 أطفال وامرأة وأصيبت امرأة أخرى، بقصف مدفعي استهدفهم في أثناء عملهم بقطاف الزيتون في مزارع قرية قوقفين جنوبي إدلب.
وفي الأول من أيلول قُتل 5 أطفال، وأصيب 6 أطفال وامرأة ورجل بجروح، (جميعهم من عائلة واحدة)، في مجزرة من جراء قصف مدفعي مصدره مناطق سيطرة مشتركة لقوات النظام و"قوات سوريا الديمقراطية"، استهدف قرية المحسنلي في ريف جرابلس شرقي حلب.
كما ارتكبت الطائرات الحربية الروسية مجزرة بغارات جوية على سوق للخضراوات والفواكه على أطراف مدينة جسر الشغور غربي إدلب، في الـ 25 حزيران، قُتل فيها 9 أشخاص بينهم عمال ومزارعون وأصيب 61 آخرون.
المرافق العامة وسياسة تقويض الحياة
وتركزت الهجمات الممنهجة التي شنتها قوات النظام وروسيا على المدن والبلدات في معظم مناطق شمال غربي سوريا، وهدفت لقتل أكبر عدد ممكن من السكان بتعمد استهداف الأماكن المكتظة وتدمير البنية التحتية والمرافق العامة والعمال الإنسانيين، التي تنص كافة المواثيق الدولية على تحييدها، بهدف تهجير المدنيين وتدمير كافة أشكال الحياة التي تدعم استقرارهم.
وتعرض 397 منزلاً للاستهداف بينما كانت الحقول والأراضي الزراعية أكثر من تعرض لاستهداف النظام وروسيا بواقع 653 استهدافاً بغرض حرمان المزارعين من رزقهم وقوت يومهم.
كما كانت المؤسسات والمرافق التعليمية هدفاً للنظام حيث تعرضت 24 مدرسة للاستهداف، كما تعرضت 6 مرافق طبية بينها 3 مستشفيات للاستهداف المباشر مخلفاً فيها أضراراً، واستهدف القصف 12 مسجداً، و16 مخيماً، و13 سوقاً شعبياً ومحطة كهرباء و3 مزارع لتربية الدواجن، و6 محطات لتعبئة المياه، و45 طريقاً رئيسياً.
وكانت مراكز الدفاع المدني السوري أيضاً هدفاً لقصف النظام، فقد تعرضت 4 مراكز للاستهداف.
الاستجابة لكارثة الزلزال
وفي فجر 6 شباط فُتحت صفحة جديدة في المأساة السورية، كان عنوانها كارثة الزلزال، حيث ضرب زلزال مدمر تركيا وسوريا، وبلغت قوته 7.7 درجات، أعقبه آخر بعد ساعات بقوة 7.6 درجات وعشرات الهزات الارتدادية، ولم يقتصر أثره على الخسائر الكبيرة في الأرواح والممتلكات فحسب، بل شكل أيضاً تحديات طويلة الأجل أمام التعافي والصمود في ظل البنية التحتية الهشة وتشريد آلاف العائلات وضعف الاستجابة ومشاريع التعافي واستمرار الهجمات العسكرية والاستنفاد الكبير للقطاع الطبي وتحديات انتشار الأمراض والأوبئة.
ومع اللحظات الأولى من الزلزال أعلن الدفاع المدني السوري شمال غربي سوريا منطقة منكوبة واستنفرت جميع الفرق ضمن حالة الطوارئ القصوى لإنقاذ العالقين تحت الأنقاض في بقعة جغرافية واسعة شملت 182 موقعاً ضمن 60 مجتمعاً فيها أكثر من 580 مبنى مهدم كلياً وأكثر من 1578 مبنى تهدم بشكل جزئي.
واستطاع متطوعو الدفاع المدني السوري إنقاذ 2950 شخصاً من تحت الأنقاض بينما انتشلوا 2172 ضحية للزلزال.
مخلفات الحرب الإرث القاتل
ومع استمرار الحرب وتعمّدت قوات النظام وروسيا القصف بالقنابل العنقودية والأسلحة الحارقة وغيرها من الذخائر، يعيش السوريون خطراً طويل الأمد على حياة الأجيال القادمة وخاصة الأطفال والتي تشكل هذه المخلفات خطراً كبيراً على حياتهم.
ووثق الدفاع المدني السوري منذ بداية العام الحالي 24 انفجاراً لمخلفات الحرب في شمال غربي سوريا بينها 17 انفجاراً من مخلفات قصف سابق و7 انفجارات لألغام أرضية أدت لمقتل 7 أشخاص بينهم 4 أطفال وإصابة 29 آخرين بينهم 19 طفلاً، وامرأتان.
المساعدات وابتزاز روسيا والنظام المستمر
ورغم وجود الإطار القانوني الذي يسمح بدخول المساعدات الإنسانية إلى سوريا من دون طلب موافقة النظام أو قرار من مجلس الأمن الدولي وضمان إبقاء كافة المعابر الحدودية في جميع المناطق السورية مفتوحة للمساعدات الإنسانية ما دام الاحتياج موجوداً، إلّا أن الابتزاز الروسي أولاً ثم ابتزاز النظام لاحقاً واستعمالهما لورقة المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى سوريا كورقة سياسية استمر في العام 2023 أيضاً ودفع السوريون ثمن ذلك.
حيث انقطع دخول المساعدات من معبر باب الهوى شمال غربي سوريا لأكثر من 70 يوماً بين شهري تموز وأيلول الماضي بعد انتقال آلية المساعدات من الابتزاز الروسي في مجلس الأمن، إلى ابتزاز النظام الذي قتل وهجر واستخدم الأسلحة الكيميائية لقتلهم ودمر البنى التحتية وسبل عيش المجتمعات.