يعتبر صحن "الفول النابت" من الأكلات الشعبية الدمشقية التي تنتشر فصل الشتاء عبر بائعين يقومون بتحضيرها وبيعها في الساحات والشوارع على عربات صغيرة أو كبيرة. لكن باتت هذه الأكلة الشعبية مع مهنتها مهددة بسبب الكثير من العوامل.
الباعة يشتكون
يشتكي أبو راتب من تكاليف مهنته التي يعتمد عليها طوال العام، وهي بيع المأكولات الموسمية. واليوم يبيع الفول النابت على عربة يركنها أمام الحدائق العامة، رأسماله عربة وقدر كبير وغاز وبعض الأواني، إضافةً إلى الفول.
يقول أبو راتب لموقع تلفزيون سوريا "لم تعد هذه المهنة كافية لأعيش منها، فقد ارتفعت التكاليف كثيراً ما انعكس بشكل كبير على سعر زبدية الفول التي من المفترض أن تكون أكلة شعبية تقليدية يستطيع تناولها الفقير والغني والكبير والصغير، لكن المبيعات بدأت تنخفض بشكل ملحوظ ومخيف يهدد مصدر رزقي بسبب ارتفاع الأسعار".
يضطر أبو راتب لتبديل جرتي غاز يومياً على حد تعبيره، كان يشتري الواحدة منها بـ150 ألف ليرة، وفي فصل الشتاء هذا ارتفع سعرها إلى 200 – 230 ألف ليرة، يشرح أبو راتب السبب بقوله "سلق الفول بحاجة نحو 3 ساعات على الغاز، وإبقاء الفول ساخناً أكثر من 12 ساعة في اليوم بظل الجو البارد، يحتاج إلى تشغيل النار تحته بشكل دائم دون توقف".
يحاول أبو راتب عدم التجوال خلال اليوم لأن نقل العربة ممتلئة أمر صعب للغاية على حد تعبيره، خاصةً وأن عربته غير مرخصة، وفي حال ضبطته شرطة المحافظة ستصادر مصدر رزقه الوحيد، فهو غير قادر على دفع 500 ألف ليرة فقط في السنة كترخيص على حد تعبيره، ويقول "قد يبدو مبلغ النصف مليون في السنة صغيراً، وقد يقول البعض أنني أستطيع تحصيله في يوم، لكن الرأسمال اليومي قد يصل إلى 500 – 550 ألف ليرة بين سعر الفول ومواد تحضيره ومستلزمات تقديمه من ليمون وكمون وملح وثمن الغاز ومازوت للمولدة الصغيرة التي تنير ساعتين ليلاً.
كان أبو راتب يبيع زبدية الفول بـ10 آلاف ليرة، وقد رفع سعرها مؤخراً مع ارتفاع سعر الغاز إلى 15 ألف ليرة. يحتاج أن يبيع يومياً 35 زبدية حتى يستطيع أن يعيد رأسماله ثم ما يبيعه فوقها يعتبر مربحاً خاصاً به، مشيراً إلى أن مربحه اليومي قد لا يتجاوز الـ150 ألف ليرة في اليوم (10 زبادي).
بسطات ضخمة وأسعار مرتفعة
تعتبر بسطة أبو راتب صغيرة جداً ومردودها ضئيل أمام بسطات باقي بائعي الأكلات الشعبية، التي تحجز قسماً كبيراً من الأرصفة في بعض الأماكن مثل ساحة المالكي والجاحظ والشعلان والمزرعة، ومنهم من يضع كراسي وطاولات وشماسي ويعتمد على سرقة خط كهرباء من أقرب مكان، ويبيع أكثر من صنف في البسطة الواحدة مثل الشمندر والذرة والبطاطا الحلوة.
اعتاد يزن أن يتناول صحن فول يومياً من عربة فول نابت ضخمة وهو ذاهب إلى عمله صباحاً، لكنه عزف عن هذه العادة بعد أن وصل سعر الزبدية مع كأس المرقة إلى 20 ألف ليرة، ويقول "هذا فظيع، فقد وصل الاستغلال إلى الأكلات الشعبية. كيلو الفول يباع في المحلات مسلوقا وجاهزا بـ12 – 13 ألف ليرة، ولا أجد أي مبرر لتباع الزبدية التي لا تحوي ربع كيلو بـ20 ألف ليرة".
انتقادات لأصحاب البسطات الكبيرة
يرى يزن أن باعة الأكلات الشعبية يصنعون ثروة من رأسمال صغير، وكل مبررات الحديث عن ارتفاع التكاليف وما إلى ذلك مجرد لحن اعتادوا على عزفه، ويتابع "لو افترضنا أن صاحب البسطة باع في اليوم 100 زبدية، هذا يعني أنه سيجني يومياً 2 مليون ليرة، ولو حذفنا مليون ليرة تكاليف ولو تشددنا أكثر وحذفنا 1.2 مليون ليرة، فسيبقى لجيبه مربح صافٍ 800 ألف ليرة، وهذا المبلغ ضخم جداً ولك أن تتخيل كم يجني هؤلاء في حال كانت البسطة تبيع أكثر من أكلة شعبية واحدة.
ينفي يزن كلام باعة البسطات فيما يتعلق باستهلاك الغاز قائلاً "أنا معتاد على تناول هذه الأكلة في الشتاء وأفتح الأحاديث بشكل دائم مع البائعين، وأنا أعلم تماماً أن استهلاك الغاز لا يتجاوز الجرة إلى جرة ونصف في اليوم، فهم يقومون بإطفاء النار بين الحين والآخر، ولا يقومون بتشغيلها طوال الوقت، لكن بيعهم لأصناف أخرى مثل الذرة والبليلة لزيادة الربح، يسهم بزيادة استهلاكهم للغاز وهذا شيء طبيعي".
ما مبررات أصحاب البسطات؟
يبرر أصحاب البسطات حديثهم عن عدم وجود ربح كبير، بأنهم لا يصلون إلى حجم مبيع يومي كافٍ، ففي أغلب الأيام (وفقاً لحديث 3 منهم) لا تصل المبيعات إلى أكثر من 30 زبدية (30*20= 600 ألف ليرة) وخاصة بعد رفع الأسعار نتيجة ارتفاع التكاليف، ورغم البيع القليل، يضطرون لتشغيل الغاز طوال الوقت وهدره للحفاظ على سخونة الفول أو الذرة، ما يسبب لهم الخسائر، فالربح بالنسبة إليهم ليس يوميا كما يعتقد البعض، على حد تعبيرهم.
يقول صاحب بسطة فضل عدم الإشارة إلى مكان عمله، كونه لا توجد بسطة سوى بسطته هناك، أنه سيضطر لإلغاء البطاطا المسلوقة (الصحن بـ10 آلاف) والذرة (العرنوس بـ6 آلاف) لأنها تستهلك غازا دون وجود حجم إقبال كافٍ، وسيبقى على الفول بكميات أقل ويقلل ساعات العمل نتيجة ضعف الإقبال وارتفاع التكاليف".
ويضيف "لدي الكثير من النفقات، فأنا مضطر لوضع عامل معي بأجرة شهرية تصل إلى 1.5 مليون ليرة، هذا الشخص يبقى للحراسة ليلاً لأن البسطة ضخمة ولا يمكن تحريكها بسهولة يومياً، ويساعدني خلال النهار في التحضير والبيع، ويضاف إلى النفقات زبادي الفول وعرانيس الذرة المجانية لدوريات الشرطة والأمن، وثمن مازوت المولدة للإنارة، عدا عن تعرضنا للسرقة بين الحين والآخر، فرغم وجود من يحرس البسطة ليلاً، إلا أنني تعرضت لسرقة اسطوانتي غاز خلال شهرين مع بداية فصل الشتاء".
في أيار الماضي، كشف مدير الأملاك العامة في محافظة دمشق، حسام الدين سفور أن المحافظة أصدرت قراراً بمنح رخص موسمية بقيمة 500 ألف ليرة في السنة للعربات المتحركة (كبيع الذرة-العوجا-الفستق الحلبي-الفول النابت-العرقسوس-التمر الهندي) شريطة أن يتقيد صاحب الترخيص بالزي الفلكلوري والعربة المتحركة؛ وخلافا لذلك سيتم مخالفته ومصادرة بسطته وسحب الرخصة.