انعكست الأزمة الاقتصادية التي تمر بها تركيا في السنوات الأخيرة على اللاجئين السوريين، وكان لتداعياتها أثر على كافة جوانب حياتهم، وأصبح ارتفاع الأسعار المبالغ فيه يحرم الكثيرين منهم الوصول إلى خدمات أساسية.
أحد هذه الانعكاسات ما تواجهه السوريات في تركيا عموماً وفي إسطنبول على وجه الخصوص من أعباء نتيجة ارتفاع أسعار دور رعاية الأطفال الخاصة (الروضة).
ويميل السوريون إلى تفضيل الروضات الخاصة لأنها توفر الشروط الملبية لاحتياجاتهم ومن ناحية أخرى لم تكن الحكومية ذات الأسعار المخفضة بديلاً سهل الوصول، وغالباً لا تتلاءم خدماتها وشروطها مع ظروف الطفل أو الأم وتحكم عمليات التسجيل فيها بيروقراطية المكاتب ومزاجية الموظفين ما يجبر الأمهات أحياناً على التضحية في مستقبلهن المهني في سبيل رعاية أطفالهن.
على الرغم من أن الأمهات الموظفات قد يكن الأحوج لبيئات مناسبة لاحتضان أطفالهن في ساعات عملهن لا تتناسب أقساط رياض الأطفال الخاصة التي تقدم خدمات مماثلة مع دخل الأم الموظفة ما يضطر البعض منهن لترك عملهن والتفرغ لرعاية الأطفال كما حدث مع هيام.
الروضات الخاصة ليست لأبناء الموظفين
تقول هيام (30 عاماً)، امرأة سورية من مدينة حلب، إنها كانت موظفة في شركة تسويق ذات بيئة إيجابية تسمح لها بالتطور المستمر، وإن حياتها المهنية كانت تسير على ما يرام إلى أن أنجبت طفلها الثاني الذي تزامنت ولادته مع أزمة ارتفاع الأسعار في تركيا.
لم تجد هيام بديلاً من رياض الأطفال الخاصة لمولودها الجديد عمر الذي لم تستقبله أي روضة حكومية بسبب صغر سنه.
تصف الأم، في حديثها لموقع "تلفزيون سوريا"، أسعار رياض الأطفال الخاصة بـ"الصادمة" وتوضح أن مجموع أقل أقساط روضة خاصة لطفليها سيتجاوز راتبها.
وتروي هيام أحد المواقف التي واجهتها في أثناء جولتها على رياض الأطفال الخاصة وتقول إنها بعد أن استنكرت الأسعار الفاحشة في إحدى الروضات وأخبرت المسؤولة بأنها مبالغ غير منطقية ولا تستطيع تغطيتها الأمهات الموظفات ردت عليها المسؤولة بأن رياض الأطفال الخاصة ليست لأبناء الموظفين والموظفات.
في نهاية المطاف، اضطرت هيام إلى ترك عملها والتضحية بالسنوات القادمة من مستقبلها المهني إلى أن يكبر أطفالها ويتمكنوا من الاعتماد على أنفسهم.
التكاليف تعادل 80% من الحد الأدنى للأجور في تركيا
أجرى موقع "تلفزيون سوريا" مسحاً للأسعار في 11 روضة خاصة تقدم خدمة الدوام الكامل (دوام الأم العاملة) في منطقتي الفاتح وإسينيورت، أكبر منطقتين من حيث تعداد السوريين في إسطنبول، وكان متوسط البدل الشهري للروضات المغطاة 3395 ليرة تركية شهرياً للطفل الواحد بالإضافة لبدل سنوي يدفع لمرة واحدة للقرطاسية بمتوسط 3000 ليرة تركية ( ما يعادل 330 ليرة في الشهر الواحد) ولا تشمل الأقساط بدل المواصلات والنقل الذي حدد مركز تنسيق المواصلات التابع لبلدية اسطنبول حده الأدنى ب 660 ليرة شهرياً للمسافات الأقل من كيلو متر واحد وتزيد التعريفة بزيادة المسافة المقطوعة.
وبجمع الأرقام السابقة يبلغ مجموع مصاريف الروضة الشهرية 4385 ليرة تركية للطفل الواحد وسطياً، ويشكل المبلغ المذكور ما يقارب 80 % من الحد الأدنى للأجر الشهري للعامل في تركيا. كما قد يضاف للمبالغ السابقة مصاريف أخرى مثل اللباس وبدل نظافة في بعض دور الرعاية.
الالتحاق بالروضات الحكومية حق صعب الوصول
على الرغم من حق الأطفال السوريين بالالتحاق بالروضات الحكومية ذات الأسعار الرمزية إلا أن شروطها وساعات عملها لا تكون دائماً على قدر الحاجة إليها.
تروي إيمان، امرأة عشرينية سورية من ريف إدلب، لموقع "تلفزيون سوريا"، تجربتها مع دور الرعاية الحكومية وتتحدث عن الصعوبات التي واجهتها.
تقيم إيمان في إسطنبول مع زوجها وأهل زوجها وطفليها ذوي الـ 4 والـ 5 سنوات في بيت واحد تضطر للخروج من المنزل يومياً لإعطاء دروس خاصة في اللغة التركية لبعض الأطفال لتدعم أسرتها في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة على حد قولها.
بعد بلوغ أطفالها سن الروضة وجدت إيمان روضة حكومية تعتبر من القلائل التي تقدم نظام الدوام الكامل بسعر مناسب وبيئة آمنة مع كوادر مختصة. قامت إيمان بتسجيل طفليها في الروضة المرجوة لتتفاجأ فيما بعد برفض قيد طفليها ما اضطرها إلى البحث عن بديل.
يوفر القطاع العام في تركيا رياض أطفال في مختلف المناطق تكون بأسعار مناسبة وتتفاوت أسعارها من روضة لأخرى بحسب التجهيزات والخدمات المتوفرة وساعات العمل ويحق للاجئين السوريين الاستفادة من هذه الخدمات حيث يضمن نظام الحماية المؤقتة مجموعة من الحقوق والخدمات منها الحصول على الخدمات التعليمية بكافة مراحلها.
مزاجية الموظفين تتحكم بالقبول
بعد رحلة بحث طويلة واستبعاد الروضات الخاصة لغلائها الفاحش على حد وصفها كان خيار إيمان الوحيد هو الروضة التابعة للمدرسة الحكومية المجاورة لها، وهنا بدأت تواجه مشكلات من نوع آخر.
وتقول إيمان إن إدارة الروضة طلبت منها اختيار طفل واحد لتسجيله على الرغم من بلوغ طفلها الثاني لسن الروضة وكانت ذريعة الموظفة هي وجود شاغر واحد فقط، كما اشترطت عليها الإدارة ساعات الدوام الصباحي رافضين التحاق ابنها بالدوام المسائي الذي كانت قد اختارته بما يتلاءم مع ساعات عملها.
علمت إيمان فيما بعد بتسجيل أطفال آخرين وفي الساعات المسائية على الرغم من رفض الموطفة لقيد ابنها بحجة عدم قدرة الروضة على استيعاب أي طفل إضافي.
وتلخص إيمان تجربتها بأن الروضة الحكومية وسعرها المناسب يكون مقابل الرضوخ لبيروقراطية الإدارات ومزاجية الموظفين والخضوع لشروط وساعات دوام غير مرنة قد لا تناسب ظروف الأم المضطرة للحصول على هذه الخدمة.
تتعدى أهمية رياض الأطفال حاجة الأم لدور رعاية تحتضن أبناءها لما له من دور في بناء شخصية الطفل.
وتقول الاختصاصية في تطوير الطفل مروة أبو حبلة، إن البيئة المادية والاجتماعية والتعليمية التي يعيش فيها الطفل في السنوات الأولى من عمره تلعب دوراً مهماً للغاية في نموه وتشكل هذه الفترة أساس حياة الإنسان وما يتم تقديمه للطفل أو يحرم منه في هذه السنوات هو الذي يحدد شكل مستقبله.
وتضيف أبو حبلة، في حديثها لموقع "تلفزيون سوريا"، أما بالنسبة للسوريين فتزداد أهمية دخول الأطفال إلى الروضة لأن الأسرة السورية تفرقت نتيجة ظروف الهجرة والنزوح وبذلك فقد الطفل جزءاً مهماً من العائلة.
وبحسب الاختصاصية في تطوير الأطفال، فإن العلاقة بين أهمية الروضة والعلاقات الاجتماعية في محيط الطفل هي علاقة عكسية كلما نقصت العلاقات زادت أهمية الروضة.
روضات من دون رقابة وأمان ضريبة للأسعار المنخفضة
في المقابل، لا تنحصر الخيارات بين الروضات الخاصة "باهظة التكاليف" والحكومية "صعبة المنال"، وهناك رياض أطفال خاصة وتقدم شروطا مناسبة، ولكن على حساب الجودة.
تقول سمر(32 عاماً) المقيمة في منطقة الفاتح إن هناك الكثير من رياض الأطفال السورية ذات الأسعار المناسبة والتي تؤمن ساعات دوام للطفل تلائم الأم العاملة في منطقة الفاتح.
وتضيف سمر، إلا أن انخفاض أسعارها ليس إلا بدلاً لمستوى الأمان المنخفض وتدني جودة الخدمات.
وتشير سمر إلى أن هناك الكثير من رياض الأطفال السورية ذات السعر المنخفض ولكن معظمها هي دور رعاية غير مرخصة ولا تخضع لأي نوع من أنواع الرقابة.
وبحسب سمر فإن معظم الروضات السورية ذات السعر المناسب لا توفر مساحات لعب آمنة للطفل ولا توظف مدرسات أو اختصاصيات تربويات مؤهلات.
وأحياناً، تكون المشكلة في مكان الروضات الخاصة "الرخيصة" لا سيما بعد انتشار ظاهرة قيام نساء غير مختصات بفصل غرفة من منازلهن وتحويلها إلى مكان لاحتضان الأطفال.
وتضيف سمر إن واحدة من أبرز مشكلات هذا النوع من الروضات هو عدم تعاقدهم مع شركات نقل متخصصة فيلجؤون للتعاقد مع سائقين لسيارات خاصة غير مرخصة للنقل وينقل فيها يومياً عدد من الأطفال مع السائق حتى دون وجود مشرفة.
القانون التركي
تنتشر على موقع الجريدة الرسمية التابعة للحكومة التركية “لائحة التأسيس والمبادئ الوظيفية للحضانات الخاصة ودور الرعاية النهارية ونوادي الأطفال الخاصة" وتتضمن اللائحة 8 أقسام تشمل 53 مادة 21 مادة منها تتعلق بخصائص البناء ومؤهلات ومسؤوليات العاملين في المنشأة.
وفي حديثه إلى موقع تلفزيون سوريا يوضح المحاسب القانوني والخبير في قانون العمل التركي سوآت ألتان أن الحضانات غير المرخصة تتعرض لغرامة إدارية قدرها 20 ضعفاً للحد الأدنى الإجمالي للأجور إضافة للقيام بإغلاقها مباشرة.
وبحسب المحامي، يجب على جميع أنواع الأنشطة التعليمية والتدريبية أن تخضع لإشراف وزارة التربية وأن تمارس عملها بعد تحقيق الشروط والتصاريح اللازمة.
منح مالية للاجئين
كنوع من الدعم في مجال التعليم بشكل عام يحق لجميع اللاجئين المقيمين في تركيا خارج المخيمات، بغض النظر عن جنسيتهم، الاستفادة من برنامج “التحويلات النقدية المشروطة للتعليم” للاجئين في حال استيفائهم لمعايير الأهلية وفقاً لموقع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
توفر هذه التحويلات مدفوعات نقدية للأسر المؤهلة مشروطاً بحضور أطفالها بانتظام (من رياض الأطفال حتى الصف الثاني عشر) الذي تقوم وزارة الأسرة والسياسات الاجتماعية ووزارة التعليم الوطني والهلال الأحمر التركي ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) بتنفيذه.
مع عدم توازن الكفة بين الأسعار المناسبة والخدمات الملبية للاحتياجات في رياض الاطفال يطرأ مطلب الدعم لسد هذه الحاجة، فتؤكد المادة 25 من الإعلان العامي لحقوق الإنسان في بندها الأول على حق جميع الأفراد في الاستفادة من الخدمات الاجتماعية الضرورية وتخص في بندها الثاني حق الأمومة والطفولة بالحظي برعاية ومساعدة خاصة، مع ذلك تفتقر خدمات منظمات المجتمع المدني للدعم في إلحاق الأطفال بالحضانات أو تقديم المساعدة للأمهات الموظفات الأكثر احتياجاً لهذه الخدمة، فلم يرصد موقع تلفزيون سوريا أي نشاط للمنظمات في تركيا في هذا الجانب ما يوجب إعادة النظر في توجهات العمل وتقييم الاحتياجات.
تم إنتاج هذا التقرير بدعم من "JHR" صحفيون من أجل حقوق الإنسان"