"كنت خائفة أن تصيبها اللغة الجديدة بصدمة أو بعقدة نفسية، لأنها مثلي لاتعرف اللغة التركية، ونحن لا نستخدمها في المنزل أساساً".
بهذه الكلمات روت سناء، 28 عاماً، تجربة دخول ابنتها إلى إحدى رياض الأطفال الخاصة في إسطنبول لموقع تلفزيون سوريا، متحدثةً عن العقبة الأساسية التي واجهت ابنتها وهي "اللغة".
ويواجه السوريون المقيمون في إسطنبول أو في الولايات التركية الأخرى هذه العقبة، خاصةً إن لم يكن الأهل من متقني اللغة التركية ولا يستخدمونها في المنزل بشكل أساسي.
وتعتبر الروضة من المراحل الدراسية المهمة لمساهمتها في بناء شخصية الطفل وانتقاله لتأسيس مجتمعه الخاص وتطوير مهاراته الاجتماعية قبل الدخول إلى المدرسة الابتدائية.
وقالت سناء لموقع تلفزيون سوريا إن ابنتها وعمرها أربع سنوات، كانت في حالة "صمت كامل" في الأيام الأولى للروضة، وبكت كثيراً، قبل أن تحاول استخدام لغتها الإنكليزية للتعامل مع آنستها، في حين لاحظت سناء أنها لم تستخدم اللغة العربية نهائياً.
وأضافت سناء "ربما شعرت بأن الإنكليزية أقرب إلى التركية، أخبروني في الروضة بأنها تحاول التعلم من أصدقائها وتقليدهم بطريقة الحديث، حتى لو لم تفهم معنى الكلمات، بعد ستة أشهر في الروضة تطورت لغتها بشكل كبير، وحاولت أن أتعلم اللغة التركية من خلالها أولاً ثم بدأت بتعلم اللغة التركية لمساعدتها".
جائحة كورونا تؤثر في تعلم الأطفال اللغات
امتدت آثار فيروس كورونا إلى جميع مناحي الحياة، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وأثر الفيروس على لغة بعض الأطفال السوريين في الروضة، مع لجوء تركيا للدراسة عن بعد في الأشهر الأولى التي تلت الجائحة.
وقالت ربا وهي أم لثلاثة أطفال أصغرهم في سن الروضة، لموقع تلفزيون سوريا، إن أزمة "كورونا" وفترات الحجر الطويلة كانت السبب بتفضيلها بقاء ابنها لسنة إضافية في الروضة على أن يدخل المدرسة وهو غير جاهز، بسبب تراجع لغته التركية.
وأضافت "في بداية السنة الأولى كان هناك دوام والتزام وكانت البدايات مبشرة مع اهتمام كبير من الإدارة والمعلمة والتي كانت تبقى على تواصل دائم معي حتى نتقدم بموضوع اللغة بشكل أسرع وبكل حب".
وأضافت ربا أنه في الأيام التي سبقت الجائحة طلبت المعلمة منها التحدث مع طفلها والطلب منه الحديث عن أي شيء قد يسبب له الإزعاج، وخاصةً مع عدم قدرته على التعبير باللغة التركية، إلا أن المشكلة بدأت بالظهور مع بداية الحجر الصحي الذي فرضته الحكومة التركية حينذاك.
ومع بداية الحجر الصحي وإيقاف المدارس بدأت لغة ابنها بالتراجع، إذ إن الدروس عبر الإنترنت (الأونلاين) ليست كافية برأي ربا، مع أن معلمته في المدرسة كانت تتواصل مع ابنها بين الفينة والأخرى، أما في العام التالي فقد أصبح الأمر أكثر سوءا مع سوء الظروف وتغيير المعلمة التي لم تكن بكفاءة الأولى رغم بذلها ما استطاعت من جهد.
وتابعت "مع بداية الحجر وإيقاف المدارس تراجعت لغة ابني ودروس الـ "أون لاين" لم تكن كافية، رغم أن معلمته كانت تتواصل معه بين فترة و أخرى.. لقد كانت معلمة رائعة".
واستطردت "في السنة الثانية من كورونا لم يختلف شيء.. بالعكس لقد كان الحجر أبكر، وحدد الدوام لأسبوع واحد في المدرسة وباقي الأيام كان التعليم فيها عن بعد".
ابن ربا في الصف الأول حالياً، ووفق والدته فإنها منذ بداية السنة الدراسية لاحظت فرقا كبيرا بالنسبة للتواصل واللغة، واكتشفت أن لولدها مخزون كبير من اللغة التركية لم يكن قادراً على استخدامه حتى بداية العام الدراسي الحالي.
ويدرس في المدارس التركية بحسب وزير التعليم التركي السابق، ضياء سلجوق، 432 ألف و956 طفلاً سورياً من حملة بطاقات الحماية المؤقتة "الكيملك"، وذلك في إجابته على أسئلة نواب البرلمان التركي خلال شهر حزيران الماضي.
في حين يبلغ عدد السوريين المقيمين في تركيا، وفق أرقام مديرية الهجرة التركية، ثلاثة ملايين و645 ألفاً و140 سورياً.
كيف يجب على الأهل التعامل مع هذه الحالات؟
لدى الطفل في هذا العمر حب الاطلاع ولديه سيل من الأسئلة واحتياجات للتواصل، وعندما يدخل إلى مدرسة تتحدث بلغة مختلفة عن لغته الأم أو اللغة المستخدمة في المنزل سيكون لديه عدد من المشكلات، أولها هي مشكلة التعبير، إذ لا يمكنه التعبير عن نفسه أو الشكوى من أي شيء مع المعلمة أو التواصل مع الأطفال الآخرين، وهو ما قد يسبب العزلة ويتأثر نفسياً.
وقالت الباحثة في علم الاجتماع، كبرياء الساعور، لموقع تلفزيون سوريا إنها لاحظت من بعض التجارب التي شاهدتها للأمهات ممن أدخلوا أطفالهن إلى رياض الأطفال، أن بعض الأطفال "يتقوقعون مع الأطفال السوريين الآخرين لعدم معرفتهم اللغة التركية وهي لغة جديدة بالنسبة لهم".
وأضافت الساعور "ونعلم أن مرحلة رياض الأطفال مرحلة حساسة في عمر الطفل الذي يحتاج للتواصل مع الآخرين وتكوين الصداقات وتعد اللغة أحد العوامل المهمة للتعبير عن احتياجاته".
وأشارت الساعور إلى أن علماء الاجتماع يشيرون إلى أن الأطفال في هذه المرحلة العمرية لديهم القدرة على اكتساب اللغة بشكل أكبر من الكبار والتحدث باللغة الأجنبية كأنها لغتهم الأم، وذلك بسبب قدرتهم على التقاط الأصوات والإشارات بشكل أوضح، والتكيف مع هذه اللغة لكن هذا الأمر يحتاج إلى الوقت لتعلم اللغة الجديدة.
ولا تعد مشكلة التأقلم مع لغة غريبة تماماً مشكلة تخص الطفل وحده، إذ إن كثيرا من الأهالي يقفون عاجزين عن حل المشكلة، خاصةً إن تأخروا في التحرك ووصل الطفل إلى مرحلة يرفض خلالها الذهاب إلى الروضة، وهنا ترى الساعور أنه يتوجب على الأهل امتلاك أساس جيد في مهارات التواصل مع طفلهم، والاستماع لهم والاهتمام بيومياتهم وأخذ أي شكوى على محمل الجد، والتواصل الدائم مع المدرسين والقائمين على الروضة لمتابعة أي مشكلة يواجهها الطفل، وأن يكون هناك تفهم واحتضان وعدم التقليل من هذه المشكلات التي قد يواجهها الطفل، النقطة الثانية أفضل لو أنهم استطاعوا اكتساب اللغة الأجنبية لمساعدة طفلهم في هذا المجال.
ويلعب اختيار روضة تطبق المعايير المطلوبة لتلبية احتياجات الأطفال وأن تكون "مرحبة بالأطفال الأجانب" ولديها مساحات آمنة وامتلاك المعلمات لمهارات التواصل مع الأطفال وبناء الصداقات معهم واحترام احتياجاتهم، ولديهم القدرة على حل أي مشكلة، دوراً كبيراً في مواجهة هذا النوع من المشكلات.
وقالت الساعور لموقع تلفزيون سوريا إنه عندما تكون الروضة جيدة ولدى معلماتها القدرات المعرفية والمهارات التربوية والقدرة على التواصل، تساعد من التقليل من عقبة اللغة الأجنبية لدى الأطفال، وإلا سنواجه مشكلة كبيرة، إذ إن الروضة إن لم تكن مهيأة بشكل مناسب ستؤثر بشكل سلبي على الأطفال والتسبب بالعزوف عن التعلم والمدرسة بشكل عام.
وأشارت الساعور إلى مسألة مهمة بالنسبة لتعليم الأطفال اللغة الأجنبية على اعتبار إشارات علماء الاجتماع حول قدرة الأطفال على تعلم اللغة الأجنبية بسهولة، على الأهل الحرص على تعلم لغته الأم وفهمها بعمق والتعامل من خلالها بشكل دائم، لأن اكتساب الطفل للغته الأم وفهمها العميق، يؤثر على اكتسابه للغات الثانية حتى لو الأهل تحدثوا بلغة أخرى مع أطفالهم لا يجب المزج بين اللغتين لتسببه بالتشويش في ذهن الطفل والتأثير حتى على لغته الأم ولديه مشكلات في اللغة والنطق.