تأخذ الليرة التركية حيزاً واسعاً من متابعة الخبراء الاقتصاديين الأتراك والمهتمين بالاقتصاد التركي، إلى جانب السكان من مواطنين ووافدين، لما تحمله من تأثيرات مباشرة على الحياة اليومية ومستويات التضخم في أسعار السلع.
وتشهد الليرة التركية أزمات متسارعة منذ تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد، حيث تعاني من تقلب شديد في الأسعار، وسط انخفاض حاد في قيمتها بلغت مستويات تاريخية.
وأدخلت الجائحة الاقتصاد العالمي في أزمة غير مسبوقة منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي، وأنهت الاقتصادات في معظم دول العالم عام 2020 على انكماش، باستثناء اقتصادات قليلة أبرزها الصين وتركيا؛ اللتان حققتا ارتفاعاً في معدلات النمو.
وخلال الأعوام الماضية، كان الصراع على خفض سعر الفائدة على أشده في تركيا، باعتباره أحد أدوات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في بناء اقتصاد قوي، وجاذب للاستثمارات الأجنبية، إلى جانب عوامل أخرى مثل انخفاض قيمة الدين العام، والحفاظ على معدلات نمو مرتفعة.
ويعتقد الرئيس أردوغان أن رفع سعر الفائدة هو أحد أسباب ارتفاع معدل التضخم في البلاد، كما يعد رفع سعر الفائدة أيضاً من العوائق أمام المستثمرين، لأن سعر الفائدة المرتفع، يزيد من تكاليف الإنتاج.
ماذا يعني رفع سعر الفائدة؟
سعر الفائدة هو أداة رئيسة للبنوك المركزية لضبط السياسة النقدية للبلاد، حيث يرفع البنك المركزي الفائدة عندما ترتفع نسبة التضخم (زيادة أسعار السلع والخدمات) في الاقتصاد.
ولذا ترتفع الفائدة على الودائع في البنوك فيزداد إقبال الأشخاص على الإيداع، فيتم سحب السيولة من خارج القطاع المصرفي فيتراجع الإنفاق والطلب على الاستهلاك وهكذا ينخفض التضخم، كما يدعم ذلك سعر صرف العملة الوطنية.
كذلك عندما يرتفع سعر الفائدة على القروض يرتفع سعر اقتراض الأموال فيتراجع الاقتراض للأشخاص والأعمال ويقل الإنفاق والطلب على الاستهلاك فينخفض التضخم، والعكس في حالة الركود.
ما هي سلبيات رفع سعر الفائدة؟
ولعل من أبرز سلبيات رفع سعر الفائدة، زيادة حركة الأموال الساخنة التي تدخل في قطاعات غير إنتاجية كالبنوك، وتخوف المستثمرين من الدخول إلى السوق في ظل ارتفاع كلفة الإقراض، ودفع كثير من الشركات إلى تأجيل توسعاتها وعدم القيام بمشاريع جديدة، ومن ثم تراجع معدلات الاقتراض من البنوك.
ومن السلبيات أيضاً رفع العائد على أذون وسندات الخزانة وهو ما يؤدي في النهاية إلى تفاقم الدين المحلي، إضافة إلى حجب أموال المستثمرين عن الإسهام في عمليات التنمية، بسبب زيادة أعباء كلفة الإقراض على القطاع الخاص، فيتجه المستثمر المحلي إلى وضع الأموال في البنوك، لأنها أكثر جدوى وفائدة من استثمارها في أي شكل آخر.
وعادة ما تتأثر أسواق الأسهم سلباً برفع أسعار الفائدة، حيث تتسرب السيولة من الأسهم إلى الودائع البنكية بحثاً عن الملاذ الآمن، إضافة إلى إحجام المستثمرين الذين يقترضون للمتاجرة في الأوراق المالية عن الاقتراض في ظل الفائدة المرتفعة.
"حرب الاستقلال الاقتصادية"
يدافع الرئيس التركي عن خطته في الاقتصاد ويطلق عليها "حرب الاستقلال الاقتصادي"، مؤكداً أنه مستمر في نضاله لتطبيقها مهما كلف الأمر، مع مقارنته سعر الفائدة في بلاده بباقي دول مجموعة العشرين، وخاصة تلك الدول التي تنتمي للاتحاد الأوروبي أو أميركا، ففي تلك الدول تنخفض الفائدة إلى ما بين صفر و1%، وفي بلاده ترتفع إلى 19%.
وفي أيلول عام 2018 لجأ البنك المركزي التركي إلى رفع سعر الفائدة إلى 24%، وهو معدل غير مسبوق، وتكرر الأمر في آذار 2021، حيث تم رفع سعر الفائدة إلى 19%، ولكن بقيت مشكلات الاقتصاد التركي على الصعيدين المالي والنقدي كما هي، مما أدى إلى بقاء البطالة عند معدلات مرتفعة 12.7%، وكذلك وصول التضخم إلى 19.7%.
ولعل عدم نجاح رفع سعر الفائدة في احتواء التضخم والتقليل من خسارة العملة لقيمتها دفع الحكومة التركية لتخفيض سعر الفائدة على عدة مراحل إلى 15%، ما أدى إلى انخفاض متسارع لقيمة الليرة أمام الدولار لتسجل أقل مستوى يوم الثلاثاء الماضي عند 13.50 ليرة قبل أن يحقق تحسناً طفيفاً إلى ما بين 11 و 12 ليرة.
وفي الخط البياني الآتي تسلسل انخفاض الليرة التركية منذ عام 2011 حتى عام 2021:
ما هي أسعار الفائدة والناتج المحلي والتضخم في أبرز دول العالم؟
تعد تركيا من دول العشرين القوية اقتصادياً، لكن لماذا هناك فروق كبيرة في نسب الفائدة بينها وبين تلك الدول أو الدول القريبة منها بحجم الإنتاج المحلي لعام 2021، والتي تأثرت كذلك بجائحة كورونا على جميع المستويات؟
يوضح الجدول الآتي نسبة الفائدة ونمو الناتج المحلي الإجمالي، إلى جانب معدلات التضخم في عدد من أبرز دول العالم والمنطقة، وفق الأرقام الرسمية.
متى تلجأ الحكومات إلى خفض سعر الفائدة أو إلى الفائدة السلبية؟
في حالات الانكماش أو الركود الاقتصادي وانكماش التضخم "الأسعار"، يقوم الأفراد والشركات بتكديس الأموال في البنوك عوضاً عن الإنفاق والاستثمار، وهنا تلجأ الحكومات إلى خفض الفائدة على ودائع البنوك لديها إلى مستويات متدنية أو إلى ما دون الصفر أحياناً، لدفع هذه البنوك إلى إقراض هذه الأموال للأفراد والشركات، ما يترتب عليه دفع عجلة الإنفاق فترتفع الأسعار "التضخم" إلى مستويات مفيدة اقتصادياً، وكذلك يزداد الاستثمار فينتعش الاقتصاد بشكل عام.
كما أن أسعار الفائدة السلبية والمنخفضة تسهم في تخفيض سعر العملة وهو ما يعطي ميزة سعرية تنافسية للمصدرين في الأسواق الأجنبية.
وعادة ما يكون خفض أسعار الفائدة مفيداً للمقترضين من أفراد أو شركات في الدول كونه يخفض كلفة الاقتراض، كما أنه يسهم في ارتفاع أسواق الأسهم لتحقيق عائد أعلى من الإيداع في البنوك، كذلك تجذب أسعار الفائدة المنخفضة الاستثمارات الأجنبية لأنها ستحصل على التمويل بفوائد منخفضة.
ومن سلبياتها على الجانب الآخر، أن الفائدة المنخفضة تقلل عوائد المودعين وقد تقلص هوامش الربحية للقطاع المصرفي في ظل انخفاض عوائده من الإقراض، في حين يعوض القطاع ذلك جزئياً من خلال زيادة الطلب على القروض من قبل الأفراد والشركات، مستفيدين من انخفاض كلفة الاقتراض.