أكثر من عامين وأزمة الدواء تستفحل يوماً بعد آخر وسط جدل بين معامل الأدوية ووزارة الصحة التابعة للنظام السوري والضحية سكان مناطق سيطرته. إذ لا يزال النظام يتحكم بسعر الدواء وبتمويل استيراد مواده الأولية على سعر 3500 ليرة مقابل تقنين المعامل في إنتاجها للحصول على سعر مبيع أعلى لمنتجاتها الدوائية من السعر المحدد بـ 1630 ليرة للدولار الأميركي الواحد.
وفي وقت سابق، حذر رئيس المجلس العلمي للصناعات الدوائية رشيد الفيصل من غياب كثير من الزمر الدوائية في سوريا، بسبب "ارتفاع تكاليف إنتاج الدواء، وانخفاض أسعار بيعها إثر اختلاف سعر الصرف بين الواقع والسعر الذي حدده المصرف المركزي".
ويرى صيادلة في دمشق أنَّ مشكلة الدواء في سوريا ليست مشكلة إنتاجية أو مشكلة مواد أولية، إنما هي مشكلة تسعير حكومي مفروض على معامل وشركات أدوية فضلت تصدير إنتاجها على بيعه داخلياً بسعر لا يحقق ربحاً لأصحاب تلك الشركات.
ومنذ بداية العام الجاري، يشهد الواقع الدوائي والصيدلي نقصاً، وفي أحيان كثيرة، انقطاعاً لأصناف دوائية عديدة أهمها أدوية الضغط والقلب والسكري وأدوية السرطان.
دواء مفقود محلياً.. لكنه متوفر للتصدير
في جولة لموقع تلفزيون سوريا على عدد من صيدليات دمشق تبين أن أغلب الناس تعاني من عدم توفر الدواء وأن جواب أغلب الصيادلة أصبح "الدواء مقطوع" أو "ارجع بعد يومين".
وتقول سيدة خمسينية للموقع "منذ ثلاثة أيام وأنا أبحث عن هذا الدواء لابني دون جدوى"، إذ يعاني ابنها الوحيد والبالغ من العمر 14 عاماً من مرض في الغدة ويحتاج للدواء يومياً. وتضيف، "ليس بإمكاني فعل شيء أمام هذا الواقع الذي فُرض علينا، إذ أصبحنا نلهث للحصول على دواء ما".
أما سعد الرجل السبعيني فيسعى لعدم حصول انقطاع في الدواء الذي يتناوله يومياً، وقال للموقع "لدي حالة نفسية صعبة وجراء ذلك يجب أن أخذ حبة يومياً، ما زال لدي علبة من الدواء، لكني أبحث عن أخرى احتياط".
في حين لم يحالف الحظ نادين (30 عاماً) بالحصول على دواء ضغط لوالدها، من نفس العيار الذي يستخدمه. وقالت نادين للموقع "تخيل حتى دواء ضغط لم أعثر عليه في أكثر من عشر صيدليات".
وأرجع صيدلي مقيم في دمشق في حديثه للموقع انقطاع بعض الأصناف الدوائية إلى تفضيل معامل الأدوية تصدير إنتاجها لدول مثل اليمن ولبنان والعراق على بيعها في السوق المحلية بسعر حكومة النظام المحدد على سعر صرف 1630 ليرة.
وقال مفضلاً عدم ذكر اسمه "إنَّ شركات ومعامل الأدوية تنتج الدواء محلياً بمواد أولية مستوردة بسعر مدعوم من حكومة النظام وتبيعه لدول أخرى كي تحقق أكبر قدر من الربح"، مضيفاً أن كل الكلام عن خسارة معامل الأدوية هي كلام للاستهلاك الإعلامي ليس أكثر.
معامل تتوقف عن إنتاج أصناف معينة
وفي وقت سابق، كشف مصدر في أحد معامل الأدوية بدمشق للموقع، عن أن المعامل توقفت عن إنتاج بعض الأصناف التي اعتبرت تسعيرتها السابقة الصادرة عن وزارة الصحة غير منصفة، وخاصة أدوية الالتهاب، والتي طالبت المعامل بأن ترفع تسعيرتها 100% بينما جاءت الزيادة بين 40 – 50% فقط وهي لا تفي بالغرض.
وتابع "رغم تحديد وزارة الصحة أسعار الأدوية على سعر الدولار بـ 2500 ليرة مدعوما من حكومة النظام، إلا أن ذلك غير كافٍ لأن سعر المواد الفعالة وأسعار الشحن ارتفعت أضعافاً مؤخراً، وهذه الكلف غير مرصودة ضمن الزيادة الأخيرة على الأسعار التي لم تكن منصفة أساساً".
رفع أسعار الأدوية بشكل نصف سنوي
وفي العشرين من أيار العام الفائت رفعت وزارة الصحة في حكومة النظام أسعار أكثر من 1400 صنف دوائي من أصل 11800 زمرة دوائية، بين 60% و600%، واعتمدت حينها في التسعير الجديد على سعر صرف الدولار التفضيلي، البالغ 704 ليرات آنذاك بدلاً من السعر الرسمي الذي حدده المصرف المركزي، والمقدر بـ 435 ليرة، وذلك للأدوية التي تُستورد موادها الأولية بعد آذار 2020.
وفي منتصف العام الحالي رفعت الوزارة، سعر 12 ألف نوع دوائي بنسبة 50%، بعد مطالب أصحاب المعامل برفع الأسعار "وتهديدات" بالتوقف عن العمل. وتراوحت نسب الارتفاع بين 40 إلى 50 %.
واليوم وفقاً لعدد من أصحاب الصيدليات بدمشق تقوم معامل الأدوية بالضغط من جديد على وزارة صحة النظام لرفع سعر الأدوية مجدداً بحجة ارتفاع تكاليف استيراد المواد الأولية وتوقف بعض شركات الصرافة عن تمويل عمليات الاستيراد بالسعر المدعوم من قبل حكومة النظام.
ويقود المجلس العلمي للصناعات الدوائية ومقره دمشق هذا المسعى كل فترة، إذ دعا مؤخراً إلى ضرورة "التدخّل السريع" من وزارة صحّة النظام لزيادة أسعار العديد من الزمر الدوائية، نتيجة الصعوبات التي تواجه المعامل فيما يتعلق بارتفاع أسعار تكاليف الإنتاج.