icon
التغطية الحية

دمشق.. الكلاب الشاردة تلاحق الأهالي والمستشفيات خالية من لقاحات الكلب

2023.11.23 | 06:57 دمشق

الكلاب الضالة
"10 لقاحات لكل 100 حالة".. الكلاب الشاردة تلاحق الأهالي في دمشق ونقص حاد في اللقاحات
دمشق - حنين عمران
+A
حجم الخط
-A

شهدت مناطق عديدة في دمشق انتشاراً واسعاً للكلاب بأعداد تتجاوز المئات؛ نتيجة تحول بعض المناطق المدمّرة في دمشق وريفها خلال سنوات الحرب إلى بيئة مناسبة لانتشار الحيوانات من الكلاب والجرذان.

وتنتشر الكلاب الضالة في مناطق ريف دمشق مثل يلدا وببيلا وبيت سحم وغوطة دمشق، التي دمرها القصف وتعرضت للحصار لسنوات طويلة وأصبحت مهجورة، وفي مناطق أخرى ضمن دمشق مثل: مخيم اليرموك، التضامن وامتداد شارع دعبول، شارع 30، شارع فلسطين.

وبعد ما شهدته من هدم وقصف، تحولت أقبية العديد من الأبنية إلى سجون لتعذيب المعتقلين من سكان هذه المناطق نفسها، إلى جانب تحويل الحدائق العامة والأراضي الفارغة إلى مدافن للجثث التي تخلصت منها ميليشيات النظام التي سيطرت على المناطق، ما أدى إلى تحولها إلى مناطق موبوءة ما تزال رائحة الموت تفوح منها حتى الآن بحسب شهادة الأهالي فيها.

ولا تخلو هذه المناطق من انتشار الجرذان والكلاب التي تتغذى بطبيعتها على بقايا اللحم والقمامة. وانتشار الحشرات التي تتغذى على الدم، مثل البعوض وذباب الخيل وذباب الجثث الأزرق وغيرها، والتي بدورها ناقلة للأمراض.

كلاب تهاجم الأهالي العائدين إلى منازلهم

لم يتوقف الأمر على أعباء ترميم المنازل التي عانى منها الأهالي، بل كانت الأمراض المنتشرة بفعل القذارة وهجمات الكلاب هي ضريبة إضافية على حساباتهم، فانتشار أفواج الكلاب التي تجاوز عددها المئات كان أمراً غير محسوب بالنسبة إليهم. وبحسب شهادات الأهالي فإن الكلاب شرسة وإن لم تكن مسعورة؛ إذ يتعرض الأطفال ولا سيما ممن يلعبون في الشارع إلى ملاحقة الكلاب وهجماتهم، وعند خروجهم إلى مدارسهم صباحاً. 

وبلقاء لموقع تلفزيون سوريا مع أحد الأطفال في حارات منطقة بيت سحم، أخبرنا بأنه تعرض لملاحقة الكلاب في المساء لكنه استطاع الهروب والاختباء في أحد الأبنية. أما (محمد.س) وهو من سكان مخيم اليرموك، أخبرنا بأنّه يضطر إلى النزول مع أبنائه صباحاً ليوصلهم إلى المدرسة خوفاً من هجمات الكلاب.

أصوات "جوقة الكلاب" النابحة تقضّ مضاجع الأهالي

تبدأ الكلاب بالخروج مساءً وحتى الصباح، وخلال ساعات الليل لا يهدأ النباح الذي يتعالى من عشرات الكلاب في البيوت المهجورة أو فوق "التلال" كما يسميها الأهالي وهي أكوام التراب والحجارة من الأبنية المدمرة.

بعض الأهالي وصفوا النباح بأنه أقرب لصوت الذئب "الديب" الذي يخيف النساء ويمنع الأطفال من النوم ولا سيما في الحارات التي ما تزال شبه مهجورة وخالية إلا من بضعة بيوت عاد أهلها إليها.

المراكز الصحية مُهملة بصورة شبه تامة

تعاني المراكز الصحية في مدينة دمشق وريفها من نقص في الدواء بشكل عام، إلى جانب عدم تخديم المنطقة طبياً طوال النهار؛ إذ تخلو من الأطباء والممرضين وتغلق أبوابها بعد انتهاء فترة الظهيرة. 

عند سؤالنا عدداً من الصيدليات في المناطق المذكورة عن كيفية علاج من تعرض للعض من كلب شارد، أوضحوا لنا أنه لا علاج في الصيدليات بل يتم توجيه الحالة إلى مشفى أو مركز طبي قريب.

وعند توجهنا إلى أقرب مركز طبي في منطقة التضامن جنوب دمشق (مركز الثورة الصحي) تبين أنه لا يعالج هذه الحالات ولا وجود للقاحات فيه ولا وجود لقسم إسعافي داخل المركز.

لا لقاحات في مشافي دمشق

وبلقاء لموقع تلفزيون سوريا لأحد الأطباء المقيمين في القسم الإسعافي في مشفى دمشق (مشفى المجتهد) تبين أن المشفى لا يستقبل حالات عض الكلاب أو الجرذ، وأن مشافي دمشق جميعها تخلو من لقاحات داء الكلب أو لقاحات الكزاز، ويتم توجيه جميع الحالات إلى مشفى ابن النفيس في منطقة ركن الدين إذ يحتوي مخبراً مخصصاً لهذه اللقاحات.

مشفى ابن النفيس: عشرة لقاحات لكل مئة حالة

من جانبه، أوضح مصدر طبي خاص (فضل عدم ذكر اسمه) من داخل مشفى ابن النفيس لموقع تلفزيون سوريا، أن عدد الحالات الواردة إلى المخبر في مشفى ابن النفيس وسطياً يتجاوز الـ 45 حالة شهرياً؛ بعضها عضات كلاب وبعضها الآخر عضات قوارض.

وأشار المصدر إلى أن اللقاح المخصص لهذه الحالات هو أربع جرعات تعطى على ثلاث دفعات لضمان عدم إصابة الحالة بداء الكلب؛ الذي يعد مرضاً فيروسياً قاتلاً ولا تظهر أعراضه إلا بعد تأزم الحالة ووصولها إلى مناطق حساسة عصبياً (رأس، عنق) أو بعد وفاة الشخص.

وتأتي معظم الحالات من دمشق وريفها، وبعضها من محافظات أخرى مثل درعا وذلك لعدم توفر اللقاحات في جميع المحافظات.

المصدر الطبي أوضح أن جزءاً كبيراً من اللقاحات الواردة إلى المركز مصدرها منظمة الصحة العالمية ولكنها غير كافية. وعلى لسانه: "عشرة لقاحات لكل مئة حالة وسطياً"؛ ما يجعل المراكز خالية من اللقاحات عند مراجعة المواطنين لها، الأمر الذي يدفع المواطنين إلى شراء هذه اللقاحات على حسابهم الشخصي من صيدليات محددة ضمن دمشق بأسعار لا تتناسب مع وضعهم المعيشي؛ فكل جرعة تكلف نحو 250 ألف ليرة سورية، وبحسبة بسيطة يكون المواطن بحاجة إلى ما يزيد على المليون ليرة للعلاج بعد أن يعضّه الكلب.

الجدير بالذكر أن معظم اللقاحات التي يتم شراؤها تخزن وتُنقل في شروط غير صحيحة فهي بحاجة تبريد لكن ولكونها تنقل بالتهريب من دول مجاورة دون حافظة تبريد، فإنها تصل فاقدة للفعالية؛ وهو ما يجهله أصحاب الصيدليات والمواطنون على حد سواء، ويدفع المصاب مقابل علاج "وهمي" أو غير فعال مبالغ باهظة.

ويلعب الجهل دوره في هذه القضية، فالمواطن لا يدرك مدى خطورة الأمر على حياته، ولا سيما في حالة الفقر السائدة وعدم توفر اللقاح بصورة دائمة في المركز المخصص؛ فيستغني عن العلاج عندما يدرك أنه سيكلفه مليون ليرة سورية.

إنكار متعمد من وزارة الصحة في حكومة النظام

في شكوى سابقة لوزارة الصحة في حكومة النظام عن نقص اللقاحات والأمصال المضادة، تم إنكار الأمر جملةً وتفصيلاً والتصريح بتوفر اللقاحات ضمن "إمكانيات الوزارة" ولم تعالج الوزارة المشكلة بل تجاهلت الشكاوي الواردة إليها بهذا الخصوص.

وينتقل داء الكلب باللعاب أو بتعرض شخص سليم للعضّ من شخص مصاب. أما أعراضه فهي: التعب والإعياء والضيق والاهتياج والحمى ورِهاب الماء، وفي مراحل متقدمة: نوبات الاهتياج العنيفة والانفعالات اللا إرادية والهلوسات.

تجاهل لشكاوي الأهالي

تعاني عدة مناطق في دمشق وريفها من إهمال لموضوع الكلاب، كما أن "اللجان المحلية" التابعة للمحافظة تجاهلت شكوى الأهالي الذين تعرضوا لهجمات منها وأذية مباشرة. 

وتقتصر الحلول على قتل هذه الكلاب بالرصاص من قِبَل الأهالي الذين يملكون أسلحة "مُرخصة"؛ أو من خلال وضع المواد السامة في الأطعمة المرمية أمام مكبات النفايات، إلا أنّ العدد الكبير للكلاب يجعل تنفيذ الحلول الفردية أمراً مستحيلاً.

بسؤال أحد العاملين في بلدية دمشق، أخبرنا (أبو أحمد) بأنّ البلدية تهمل قضايا أكبر وأكثر حساسية؛ مثل طوفان الصرف الصحي وتلوث المياه الذي يحمل معه انتشار الكوليرا ومخالفات البناء التي قد تزهق أرواح عائلات بأكملها، ولا تعدّ قضية الكلاب من اهتماماتهم، بل يقتصر الأمر على تسميم بعض الكلاب في كل مرة تسلط فيها الصحافة الضوء على هذه القضية.