يحتدم الصراع والتنافس بين عدة أطراف ومكونات داخل الائتلاف الوطني السوري للوصول إلى رئاسة المؤسسة، قبيل أسابيع من الانتخابات المزمع عقدها لاختيار رئيس جديد خلفاً للرئيس الحالي سالم المسلط، والتي أُجلت من شهر تموز إلى أيلول بحجج مواجهة التطبيع مع النظام السوري والاستحقاقات المرتبطة بذلك، في حين أكدت المصادر أن التأجيل سببه الوحيد انتظار القرار التركي النهائي.
وانتُخب سالم المسلط، رئيساً للائتلاف في شهر تموز من عام 2021 خلفاً لنصر الحريري، في انتخابات جرت بمقر الائتلاف في إسطنبول، إذ حصل المسلط المنحدر من محافظة الحسكة على 71 صوتاً.
وتتجه الأنظار نحو عدة شخصيات داخل الائتلاف، من المتوقع أن يشغل أحدها منصب رئاسة المؤسسة، مع الأخذ بعين الاعتبار عدة معايير، منها الموقف التركي، والتوافق داخل مكونات الائتلاف على تكليف شخص ما بالرئاسة.
رئاسة الائتلاف السوري.. انتخابات نزيهة أم تعيين؟
— تلفزيون سوريا (@syr_television) August 15, 2023
تقرير: إسماعيل درويش @ismaildarwish_#ما_تبقى #تلفزيون_سوريا pic.twitter.com/a4YsP7ZDS7
انتخابات مؤجلة بقرار تركي
كان من المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية للائتلاف، خلال اجتماع الهيئة السياسية في 21 تموز الماضي، إلا أنها أُجلت إلى وقت لاحق بسبب استمرار حالة الاستقطاب وبناء التحالفات بين مكونات الائتلاف، فضلاً عن الموقف التركي المؤيد لتأجيلها.
مصادر خاصة من داخل الائتلاف، أفادت بأن هناك إقبالا كبيرا على الترشح لمنصب رئاسة الائتلاف، حيث يفكّر 10 أشخاص على الأقل بذلك، مع الإشارة إلى استحالة فوز بعض الأشخاص الراغبين بالترشح.
ولم يحدد الائتلاف الموعد الرسمي للانتخابات الرئاسية بعد تأجيلها، في حين توقعت المصادر إجراء الانتخابات خلال اجتماع الهيئة السياسة بتاريخ 24 أيلول المقبل، وهو موعد غير نهائي.
ويتذرع الائتلاف بأن أسباب تأجيل الانتخابات متعلقة بمساري التطبيع العربي والتركي مع النظام السوري، وتأخر أنقرة في تعيين الفريق المسؤول عن سوريا، إلا أن المصادر تقاطعت عند سبب واحد ألا وهو انتظار الموقف التركي الحاسم، وأكدت المصادر أن قرار الائتلاف "مرتهن بالكامل" للجانب التركي، الذي طلب تأجيل الانتخابات إلى حين اختيار الرئيس القادم، ما يعني أن عملية الانتخابات إجراء شكلي لا حقيقة له في الواقع.
شخصيات تتنافس على الرئاسة
تفيد المصادر داخل الائتلاف، بأن المرشح الأوفر حظاً برئاسة المؤسسة، هو رئيس وفد المعارضة حالياً باللجنة الدستورية السورية، هادي البحرة، لكونه يحظى بقبول لدى الجانب التركي وبعض مكونات الائتلاف، وله علاقات مع بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة.
ويأتي في المرتبة الثانية، هيثم رحمة، الأمين العام للائتلاف حالياً، لكن المصادر تشير إلى أن حظوظه لا تتساوى مع حظوظ "البحرة"، سواء لدى الجانب التركي، أو عدد من مكونات المؤسسة، فضلاً عن التخوف من أن يشكّل قربه سابقاً من الجناح المسلح للإخوان المسلمين، عقبة أمام العلاقات مع الدول الغربية.
ووفق المصادر، فإن رئيس وفد المعارضة السورية في محادثات أستانا، أحمد طعمة، يحاول أيضاً الترشح لرئاسة الائتلاف، مشيرة إلى أن الجانب التركي لا يميل للفكرة، كما هو حال عدة مكونات في المؤسسة.
واتهمت المصادر، نصر الحريري، الرئيس السابق للائتلاف، بمحاولة خلط الأوراق، من خلال إرسال رسائل دورية إلى رئاسة الائتلاف عبر الإيميل، ينتقد فيها عمل المؤسسة، ويهاجم عبرها عدة شخصيات من ضمنهم هادي البحرة، في محاولة منه للوصول مرة أخرى إلى الرئاسة، حسب المصادر.
المؤسسة بحاجة لـ "وجه غير مكرر"
قال مصدر آخر لموقع تلفزيون سوريا، إن الشخصيات التي يجري الحديث عن احتمالية تسلمها رئاسة الائتلاف، وطنية، إلا أن معظمها مكررة وحصلت على فرص قيادية، كما أن بعضها شخصيات عسكرية أو محسوبة على تيار الإسلام السياسي، غير مرغوب بتسلّمها رئاسة مؤسسة سياسية في المرحلة الحالية.
ووفق المصدر، هناك حاجة للتفكير خارج الصندوق لتغيير الصورة النمطية عن الائتلاف والمحافظة عليه، عبر اختيار شخص من جمهور الثورة مقبول شعبياً ودولياً، على أن يكون وجها غير مكرر ومستهلك وقادرا على التعامل مع الإعلام، ومن الفئة الشابة، ولديه تجربة وخبرة سياسية بمؤسسات المعارضة.
وأورد المصدر أسماء عدة أشخاص قد يرشّحون أنفسهم للرئاسة، مع سرد بعض الأسباب التي تحول دون فوزهم، ومنهم:
- أحمد طعمة: كان رئيساً سابقاً للحكومة المؤقتة، ورئيس وفد أستانا، وتكمن المشكلة بأنه "مجرّب سابقاً ووجه مكرر ترك الحكومة بضجة كبيرة بسبب سوء الإدارة".
- أنس العبدة: كان رئيس الائتلاف لدورتين، ورئيس هيئة التفاوض لدورتين، ما يعني أنه "مجرّب سابقاً ووجه مكرر".
- هيثم رحمة: أمين عام الائتلاف، وعضو في وفد أستانا، وعضو في لجنة الصياغة باللجنة الدستورية، ويُحسب على الإخوان المسلمين، ما يعني أنه "غير مقبول للولايات المتحدة وعليه إشكالية كبيرة".
- عبد الباسط عبد اللطيف: شخصية عسكرية، وممثل عن فصيل أحرار الشرقية في الائتلاف، وكان أميناً عاماً لدورتين، وحالياً عضو هيئة سياسية، وتكمن المشكلة بأن "أحرار الشرقية مصنفة على اللوائح الأميركية، ووجود شخص عسكري على رأس مؤسسة سياسية غير وارد، خاصة أنه يمثل فصيلاً مصنفاً".
- بهجت الأتاسي: ممثل عن فصيل الجبهة الشامية، وهو عضو هيئة سياسية كان معتقلاً لعشر سنوات بتهمة الإخوان المسلمين، فضلاً عن أن "الشامية لديه إشكاليات متكررة مع تركيا".
- سليم إدريس: كان رئيس أركان الجيش الوطني، ووزير دفاع في الحكومة المؤقتة، وهو "مجرّب ومكرر، كما أن وجود شخصية عسكرية على رأس مؤسسة سياسية يضر بالمؤسسة".
الأمين العام ونوّاب الرئيس
أشارت المصادر إلى أن عضو الائتلاف عبد المجيد بركات، قد يشغل منصب الأمين العام في الائتلاف بنسبة 90 بالمئة، بغض النظر عن الشخص الذي سيتم اختياره للرئاسة.
وهناك إشكاليات حتى الآن باختيار نواب رئيس الائتلاف الوطني، لكن المصادر لفتت إلى إمكانية أن يكون عبد الباسط عبد اللطيف أحد النواب.
يتزامن ذلك مع تنافس بين مكونات الائتلاف على حصد مقاعد في الهيئة السياسية للائتلاف، بسبب الراتب المرتفع الذي يتقاضاه العضو فيها مقارنة بأعضاء الهيئة العامة.
خلافات تخرج للعلن
بدأت الانتقادات تخرج للعلن من قبل أعضاء في الائتلاف، من بينهم نصر الحريري، ونائب رئيس الائتلاف ربا حبوش، شملت الطريقة التي تتم فيها الانتخابات، والإشارة بشكل مباشر إلى أن منصب الرئاسة سيكون من نصيب هادي البحرة.
August 15, 2023
وحصل موقع تلفزيون سوريا على عدة رسائل وجهها "الحريري"، لرئاسة الائتلاف والأعضاء بأوقات مختلفة، قال في إحداها: "فليعذرني الزميل المهندس هادي البحرة، رئيس الائتلاف الوطني السوري سابقاً، والعضو الدائم في الهيئة السياسية بدون انتخابات، إذا اخترته مثالاً ليس للتشبيه بالأنظمة الدكتاتورية (حاشا لله)، وإنما للتذكير، تذكير أنفسنا، خشية السقوط لا قدر الله فيما نحذر منه من سلوك الأنظمة الدكتاتورية".
وأضاف أن "الزميل هادي عضو دائم في الهيئة السياسية لا يمكن أن تخلو القوائم الثابتة الجاهزة في كل دورة من اسمه، ويذكره الكثير في الائتلاف أنه يأتي ضمن قائمة الجبهة الوطنية التقدمية مع مجموعة الأعضاء الثابتين، علما أن الكثير من أعضاء الهيئة العامة لم تتح لهم فرصة الدخول في الهيئة السياسية ذات الـ 19 مقعداً".
وتابع: "لم أكتب ذلك إلا بعد أن تأكدت يقينا من ترشيح الأستاذ هادي نفسه لدى صناع القرار في المؤسسات، وصادق فعله على السمعة المتعلقة بترشيحه إذ أصبح دائم الحضور في الهيئة السياسية بعد انقطاع طويل لم يُرَ فيه وجهه، في وقت كان الائتلاف والثورة بحاجة إلى جهد الجميع، ودائم المداخلات كما لو أنه قد تسلم مقاليد الحكم من الآن".
من جهتها طالبت ربا حبوش، بعملية انتخابية ديمقراطية شفافة داخل الائتلاف، تُمنع فيها "التفويضات ويُمنع إدخال الهاتف المحمول لغرفة التصويت ويحفظ لكل عضو حقه في التصويت السري والعلني ويسمح للزميل أو الزميلة أن يكون بحوزته تفويض واحد فقط لا غير من شخص غير حاضر وبسبب معلل ومقنع".
وألمحت حبوش إلى أن نتائج الانتخابات دائماً ما كانت معلومة مسبقاً، حيث قالت: "إن موضوع التفويض وأن يحمل عضواً 15 أو 20 ورقة يضعها في صندوق الاقتراع نيابة عن الآخرين، لعمري إنه مخجل وبرأيي له تفسيران، وهما: انعدام الثقة بيننا، وجمع التفويضات مع أشخاص محددين لضمان النتائج التي هي أصلاً معروفة مسبقاً، ومنع الزملاء/ الزميلات المُفوِّضين من أن يدلوا بصوتهم بحرية وهذا يُفسَّر بأنه تحسب لحدوث خروقات لا سمح الله وتغيير في قائمة الفائزين".
تعيين وليس انتخاباً
لم تحسم وزارة الخارجية التركية قرارها بعد بتعيين رئيس للائتلاف إلا أن هادي البحرة هو الأكثر حظوظاً حتى الآن، وأكدت مصادر مطلعة لموقع تلفزيون سوريا أن أنقرة أبلغت المسلط بقرار عدم التمديد له.
بدوره قال نصر الحريري، في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، إن الانتخابات داخل الائتلاف لم تكن مثالية في السابق، لكنها أفضل مما هي عليه الآن، مضيفاً أن ما يجري الآن يمكن تسميته تعييناً وليس انتخابات، حيث إن هناك مجموعة سيطرت على قرار ومفاصل الائتلاف، واستبعدت عدداً كبيراً من الأعضاء وهمّشت آخرين.
وفي الوقت الحالي، يرى الحريري أن الجميع يعرف مسبقاً من سيكون رئيس الائتلاف، إضافة لمعرفة النوّاب والأمين العام، وأعضاء الهيئة السياسية، دون أن يكون هناك داع للنقاش بهذا الخصوص.
وفي الغالب يجري الائتلاف انتخاباته بمرشح أو اثنين، ويضيف الحريري: "هذا المرشح الواحد غالباً هو الفائز، ونسبة النجاح تتجاوز عادة 95 بالمئة، وهذا لا يليق بمؤسسات الثورة والمعارضة".
الحريري: لا أنوي الترشح للرئاسة
نفى نصر الحريري، أن يكون انتقاده لأداء الائتلاف عبر الرسائل المرسلة في الإيميل، محاولة لخلط الأوراق بهدف ترشيح نفسه لرئاسة الائتلاف، حيث أشار إلى أن الإيميلات تأتي في سياق إبداء الرأي حول العديد من القضايا، وليس ملف الائتلاف فقط.
وتابع الحريري: "لست مرشحاً، ولن أكون مرشحاً، فأنا أمارس عملي السياسي داخل المؤسسة وخارجها، وكذلك أمارس عملي الطبي، ولست بوارد أن أكون رئيساً للائتلاف مجدداً، وبالطبع، عندما أقول إن ترشيح هادي البحرة للرئاسة خطوة غير موفقة، لا يعني أنني أرى نفسي خياراً مناسباً لذلك".
النظام الداخلي للائتلاف
في العام الماضي، أقر الائتلاف الوطني السوري تعديلات على النظام الأساسي له، بعد قرابة ثلاثة أشهر من المداولات والنقاشات، التي خلصت إلى نظام مختلف ببعض مواده، ومغاير من ناحية عدد المكونات العاملة في الائتلاف، ومدة الولاية الرئاسية.
لكن الحريري، والذي شغل منصب رئاسة الائتلاف في وقت سابق، قال إن "نظاماً أساسياً غير شرعي، تم طبخه في ليل مظلم خلال خمس دقائق على يد المجموعة المهيمنة على ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية، كان أكبر عملية تزوير قانوني تماثلت فيه مؤسساتنا مع باقي مؤسسات الدكتاتورية والقمع، فُصل فيه أعضاء بدعوى الإصلاح وعدم فاعلية هؤلاء الأعضاء فيما تم الإبقاء على مكونات وأعضاء غير فاعلين بنفس الحجة".
واعتبر أن "الائتلاف قام قديماً بخطوات سوّق لها البعض على أنها خطوات إصلاحية، وتبين أنها خطوات كيدية وتصفية حسابات أثرت على الائتلاف وقسمته بشكل عمودي وأفقي وعشوائي مائل، وأدت إلى تراجع كبير في أدائه ووظيفته".
ماذا عن الحكومة المؤقتة؟
أكدت المصادر أن هناك حراكاً من قبل الجاليات السورية ومنظمات المجتمع المدني، وتنسيقاً مع الجانب التركي، للضغط من أجل تغيير الرئيس الحالي للحكومة المؤقتة عبد الرحمن مصطفى.
وبحسب المصادر، فإن عدداً من رجال الأعمال السوريين يقودون حراكاً مع الأتراك، إذ يعرضون الاستثمار في شمالي سوريا، بشرط وجود حكومة محلية صلبة قادرة على حمايتهم وتنشيط الحالة الاقتصادية.