رغم اعتراف الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالمساهمة الإيجابية للاجئين والمهاجرين في النمو الشامل والتنمية المستدامة، فإن رفض المجتمعات المضيفة طالما كان مرافقاً لموجات الهجرة واللجوء ما عرض اللاجئين في أرجاء العالم لخطابات تمييزية وممارسات إقصائية استدعت تحركات ومساعي أممية للحد منها.
وفي حالة اللجوء السوري في تركيا، ومع الهروب من ظروف أمنية - هي أعقد من أن يفهمها متفرج خارجي - فإن ما زاد حدة الأزمة، أحكام مسبقة ومعلومات مضللة بحق اللاجئين، بررت خطاب الكراهية لممارسيه حتى وصل إلى حياة السوريين اليومية.
عنصرية في وسائل النقل العامة والخاصة
ريم طالبة جامعية في جامعة غازي عنتاب، اعتادت ارتياد "الترام واي" كوسيلة نقل للوصول إلى جامعتها. تقول ريم لموقع تلفزيون سوريا إنها كانت تتصفح هاتفها الذي لا يعتبر من الهواتف الحديثة أو الباهظة الثمن كما تصف، فإذا بشاب تركي يقف بجوارها، يخاطب صديقه قائلاً: "انظر إلى هاتفها، هؤلاء هم السوريون القادمون من الحرب يتلقون المساعدات ويحملون هواتف أفضل من هواتفنا".
تكمل ريم بأن الحديث تطور بين الشابين، إلى وصف السوريين بعبارات مهينة على مسمع جميع الركاب، مفترضين أنها لا تفهم كلامهما باللغة التركية. وتقول ريم إن "حديثهما شكل لها صدمة جعلتها لا تدري ماذا تفعل، وتضيف: "كنت في حيرة من أمري، فكرت أن أواجههما وأخبرهما أنني فهمت كلامهما جيداً، ثم تراجعت بعد أن خشيت احتشاد مزيد من الركاب ضدي، فالجميع سمعوهما بالفعل، مع ذلك لم يحرك أحد ساكناً".
بعد هذا الموقف تؤكد ريم أنها تتحاشى الحديث باللغة العربية في المواصلات أو إظهار أي شيء يدل على أنها سورية كي تضمن ذهابها إلى الجامعة ورجوعها من دون مضايقات.
تمييز سيارات الأجانب في تركيا
حتى مع شيوع الحالة، فإن التجارب الشخصية لا تعمم على الجميع، وخلافاً لتجربة ريم التي لم تتلق أي دعم من الركاب عند تعرضها للخطاب العنصري أمامهم، نشرت وسائل إعلام تركية في أواخر كانون الأول 2021 مقطعاً مصوراً لعراك بالأيدي بين مواطنين أتراك في إحدى حافلات النقل في منطقة "تشكمه كوي" في إسطنبول، على خلفية قيام أحدهم بالتعدي على ثلاثة أطفال - حددتهم بعض المنصات على أنهم سوريون وأخرى اكتفت بوصفهم كأجانب - ومطالبتهم بالتنحي من مكان جلوسهم ليجلس هو، فتدخل بعض الركاب ومنعوه من التعرض للأطفال لينتهي المطاف بالشجار الذي التقطته عدسات هواتف الركاب.
ولا يسلم أصحاب السيارات الخاصة من المضايقات في أثناء التنقل كما تقول زينة (30 عاماً) والمقيمة في إسطنبول، خصوصاً أن سيارات الأجانب يمكن تمييزها بسهولة من خلال لوحة السيارة البادئة بحرف M - رمزاً لكلمة ضيف باللغة التركية - مضافاً إليه حرف آخر، لذلك لجأت زينة إلى تسجيل سيارتها باسم أحد أقاربها الذي يحمل الجنسية التركية لتحصل على لوحة سيارة تركية تجنباً للمضايقات في أثناء القيادة والإيقاف المستمر من دوريات المرور على حد قولها.
شجار على طابور الانتظار
ووفقاً لمريم (28 عاماً)، فإن الخطابات العنصرية لا تعرف مكاناً أو زماناً محددين، فالسوريون معرضون لها حتى في أثناء ممارسة أبسط نشاطاتهم اليومية، كما حدث معها حين كانت تتسوق داخل أحد المراكز التجارية في مدينة إسطنبول.
تقول مريم لموقع تلفزيون سوريا: "بعد انتهائي من التسوق وقفت في الطابور لدفع ثمن مشترياتي، لأتفاجأ بسيدة تركية تتعدى على دوري، وحين طالبتها بالالتزام في الدور، انفجرت غاضبة في وجهي تطالبني بالعودة إلى بلادي".
كانت حجة السيدة التركية أنها "صاحبة البلاد ولها الأولوية في الدور" على حد قول مريم. وانتهت المشادة بينهما بعد أن نعتت السيدة التركية مريم "بالخائنة للوطن" التي لم تبق في بلادها للدفاع عنها.
مهاجرون غزاة وخطاب كراهية وطني
لعبت الأحكام المسبقة التي يطلقها الأتراك على السوريين وعدم الدراية الكافية بالوضع السوري الأمني، دوراً كبيراً في تبرير خطاب الكراهية وشرعنته، ففي دراسة أكاديمية قام بها باحث في جامعة ماردين التركية في شهر كانون الأول الماضي بهدف توضيح المصادر المشرعة لخطابات وممارسات التمييز والإقصاء ضد المهاجرين السوريين، وجدت نتائج البحث أن السكان المحليين ينظرون إلى السوريين على أنهم "مجموعات خارجية خطيرة أحدثت خللاً في التوازن وذات احتمالية على إحداث خلل أكبر" ويصنفونهم على أنهم "كسالى منغمسون في أنفسهم، عديمو الوفاء، وغير قادرين على الدفاع عن أرضهم" بالإضافة إلى أنهم "محتلون وغزاة" بعد أن طالت مدة إقامتهم في تركيا وتحولت من مؤقتة إلى دائمة. حيث تم التوصل إلى هذه النتائج بعد إجراء مقابلات معمقة مع 36 من السكان المحليين الذين يعيشون في وسط مدينة ماردين ومنطقة كيزيل تيبي.
وتعزيزاً لفكرة "المهاجرين السوريين المحتلين" أٌنتج فيلم قصير تحت اسم "الغزو الصامت" في شهر أيار الماضي، يظهر السوريين عام 2043 بعد أن هيمنوا على السلطة والحياة الاجتماعية في تركيا، بينما يظهر الأتراك مضطهدين عاطلين عن العمل لا يسمح لهم التحدث بلغتهم في بلادهم.
ورداً على الاتهامات العنصرية التي طالت منتجة الفيلم - الصحفية هاندا كاراجاسو - شاركت المنتجة على منصات التواصل الاجتماعي منشوراً تقول فيه "أنا لست عنصرية، أنا وطنية"، لتعطي الفيلم الذي نشر "معلومات مضللة بحق اللاجئين" كما جاء في بيان الشرطة التركية، أبعاداً وطنية، وتبرئ نفسها من العنصرية التي اتهمت بها.
الأماكن العامة أكثر الأماكن مصدراً لخطاب الكراهية
ومع خطاب كراهية برره ممارسوه لأنفسهم أصبح السوريون عرضة للمضايقات في حياتهم اليومية وفي الأماكن العامة، وأجرى موقع تلفزيون سوريا استطلاع رأي إلكترونيا أتيحت فيه المشاركة لكلا الجنسين من السوريين المقيمين في مدينتي إسطنبول وغازي عنتاب - المدينتان الأكثر عددا للسوريين في تركيا - حيث شارك في الاستطلاع 162 سورياً وسورية - أكثر من 90 في المئة منهم من النساء - وسمح للمشاركين في الاستطلاع تحديد أكثر من إجابة عند سؤالهم عن أكثر الأماكن التي يكونون فيها هم أو أفراد أسرتهم عرضة لخطاب الكراهية، ووفقاً لنتائج الاستطلاع حدد 86 في المئة من المشاركين "الأماكن العامة" كالمواصلات والمنتزهات ومراكز التسوق، كأكثر الأماكن مصدراً لخطاب الكراهية.
ماريا عكيدي عضو "تجمع سيدات حياة السوري" والناشطة في محاربة خطاب الكراهية تقول لموقع تلفزيون سوريا إنها من خلال عملها في مشاريع التوافق الاجتماعي ومحاربة الأخبار الكاذبة والصور النمطية مع الأمم المتحدة ومنظمات أخرى، تجد أن الحل لتقليل حدة خطاب الكراهية ضد اللاجئين السوريين يبدأ بتصحيح الأفكار المغلوطة عنهم.
وترى عكيدي أن "الذي يحاور الأتراك يفهم الكم الكبير من الأفكار الخاطئة المثيرة للفتن والاحتقان". مضيفةً: "حتى الأتراك الذين عملوا معنا في مشاريع مكافحة خطاب الكراهية كانوا يتفاجؤون بالفعل عندما كنا نوضح بعض النقاط خاصة فيما يتعلق بالوضع الأمني في سوريا".
وفضلاً عن الجزئية الثانية من "المادة 20" من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تحظر أي دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية المشكلة للتحريض على التمييز أو العداوة أو العنف، تشير المادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلى حق كل إنسان في التمتُّع بجميع الحقوق والحرِيات دونما تمييز من أي نوع، كما لا يجوز التمييزُ علي أساس الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو الإقليم الذي ينتمي إليه الشخص، سواء أكان مستقلاًّ أو موضوعاً تحت الوصاية أو غير متمتِّع بالحكم الذاتي أم خاضعاً لأي قيد آخر على سيادته.
خطاب الكراهية في تركيا، هو خطاب استغلت بعض الفئات الظروف الاقتصادية والسياسية في البلاد لتبريره وتجريده من بعده العنصري من خلال إلصاق أحكام مسبقة باللاجئين السوريين وبث أخبار مضللة عنهم، لتحولهم من فئات مستضعفة إلى فئات تهدد البنية الاجتماعية والديموغرافية في تركيا، ما يتطلب إعادة هذا الخطاب إلى عنصريته في عيون ممارسيه قبل البحث في طرق حله.