أورد موقع "VOA Turkish" التركي تقريراً سلّط فيه الضوء على ارتفاع مستوى الخطاب العنصري والكراهية والعنف تجاه اللاجئين السوريين في تركيا في الآونة الأخيرة، مشيراً إلى الأزمة الاقتصادية التي تمرّ بها البلاد ودورها في إثارة الشارع التركي ضد السوريين من قبل بعض الأطراف السياسية والاجتماعية.
وذكر التقرير الذي نشره الموقع أمس السبت، أن الخطاب العنصري الاجتماعي والسياسي الذي يواجهه اللاجئون السوريون، بالإضافة إلى تزايد خطاب الكراهية ضدهم يومًا بعد يوم، يصل أحياناً إلى مستوى العنف الجسدي.
أحداث ألتنداغ و"قضية الموز "
ازداد حجم الكراهية تجاه اللاجئين في مناطق مختلفة من تركيا، بحسب التقرير، مع تداول وسائل التواصل الاجتماعي حادثة مقتل الشاب التركي أميرهان يالجين (18 عاماً) على يد لاجئ سوري في منطقة ألتنداغ بالعاصمة أنقرة، ما أسفر عن مهاجمة مئات الأتراك متاجر ومنازل السورية.
أما الحادثة التي باتت تعرف بـ "قضية الموز" في الشهر الماضي، فقد برزت بعد أن ادعى مواطن في إزمير أثناء مقابلة متلفزة أن الوضع الاقتصادي للسوريين في تركيا أفضل حالاً من المواطنين الأتراك، وقال حينها إنه لا يستطيع أكل الموز في حين يشتريه السوريون بالكيلوغرامات. وعلى إثر ذلك تم اعتقال 33 سوريًا، أحدهم صحفي، بقرار من النيابة بسبب مقاطع فيديو "أكل الموز" التي نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، وتم إرسالهم إلى مراكز الترحيل (GGM) لإرسالهم إلى سوريا.
وأوضح التقرير أن خبراء أفادوا لموقع VOA Turkish أن الزيادة الأخيرة في خطاب الكراهية تجاه السوريين سببه الاختناق الاقتصادي في البلاد وعدم وجود سياسة مبدئية، وصار السوريون يتخوّفون بشدة من إعادتهم إلى بلادهم.
"الكلام الذي يحض على الكراهية يجعلنا حزينين للغاية"
ونقل التقرير عن اللاجئة السورية "عائشة نور" قولها: "نحن لا نجرؤ على النظر إلى الجيران، حتى في أصغر الخلافات والاضطرابات، لأن الشرطة ستأتي وتأخذ كل من هو موجود إلى المخفر، ويمكنهم أيضًا اصطحابنا".
وأضافت: "يتم ترحيل السوريين في حال تورطهم في أدنى حادثة، ولهذا السبب نبتعد عن الأماكن التي تحدث فيها الاضطرابات. لقد تم تشويه سمعتنا بالفعل، لذلك لا نريد أن نواجه أي مشكلة، ونبتعد عنها دائماً".
وأوضحت عائشة أن الناس في منطقتها لا يحبون السوريين، وبمجرد حصول أي مشكلة مهما كانت صغيرة فإنهم سرعان ما سيقولون بأن السوريين هم السبب.
وأردفت قائلة: "الدولة التركية وثقت بنا وفتحت أبوابها، ولذلك نحاول عدم إحراجها وإلحاق الخزي بها.. نحاول أن نتعامل بشكل جيد مع الجميع حتى نتمكن من كسر التصور الذي شُكّل ضدنا. ومع ذلك فإن خطابات الكراهية ضد اللاجئين تجعلنا حزينين للغاية ".
"عندما لم يكن هناك سوريون، كانت حوادث الأمن العام تتزايد"
في إشارة إلى حدوث زيادة منتظمة في حوادث الأمن العام كل سنة حتى في ظل عدم وجود سوريين في تركيا؛ أوضح عضو لجنة الهجرة واللجوء في نقابة المحامين في غازي عنتاب، المحامي كومالي شيمشك، أن الخدمة التي تقدمها النقابة في غازي عنتاب في قانون الإجراءات الجنائية (CMK) -المتعلقة بجرائم الأمن العام- تزداد بنسبة 5 إلى 8 بالمئة كل عام، ولا يمكن عزو سبب هذه الزيادة للأجانب، لأنه حتى في حالة عدم وجود أجانب في هذا البلد، فإن معدل الجرائم يتزايد بانتظام كل عام".
وقال شيمشك: "عندما ننظر إلى معدل الخدمة المقدمة من نقابة المحامين ضد الجرائم المرتكبة من قبل الأجانب، سنجد أن نسبته كانت بين 12-15 بالمئة من جميع الملفات حتى عام 2018، بينما يرتفع هذا المعدل إلى 30 بالمئة بعد عام 2018".
الزيادة في المعدّل سببها "زيجة القاصرات" وليست جرائم الأمن العام!
ويلفت المحامي إلى نقطة في غاية الأهمية، وهي أن سبب ارتفاع المعدل بعد عام 2018 يكمن في إدراج قضايا زيجة القاصرات السوريات (بين سن 15 و18 عامًا) ضمن ملفات خدمة الإجراءات الجنائية المتعلقة بقضايا الأمن العام أيضاً، مشيراً إلى أنه في قضايا زيجة القاصرات يتم وضع 4 أشخاص في ملف واحد لاتخاذ الإجراءات ضدهم.
ويتسبب ذلك، بحسب شيمشك "بزيادة في أعداد الحوادث ضمن ملف السجل العدلي الخاص بالسوريين. ولكن هذا ليس لأنهم يشاركون في جرائم الأمن العام، وإنما لأن الخدمة المقدمة في قضايا زواج القاصرات لا تزال ضمن نطاق خدمة الإجراءات الجنائية CMK".
"السياسيون الذين يستهدفون اللاجئين يرتكبون جرائم"
وبيّن المحامي شيمشك أن السياسيين مسؤولون عن تنفيذ الإجراءات القانونية ضد اللاجئين السوريين، وقال: "لقد تم تنفيذ إجراءات في بلادنا ضد أفعال –ارتكبها سوريون- لا تشكل جريمة تحريض الناس على الكراهية والعداء، لكننا نرى أن نواب بعض الأحزاب السياسية تسببوا في هذه الإجراءات. استهدف هؤلاء السياسيون اللاجئين، ويعتبر الاستهداف جريمة ويمكن تقييمها في نطاق (جريمة تحريض الجمهور على الكراهية والعداوة) وبحسب الدستور يجب عدم التمييز بين المواطن والأجنبي، ولذلك لا يمكننا أن نقول إن الأجانب فقط هم من يؤججون الأحداث في البلاد. في الواقع، نحن كمواطنين في هذا البلد ربما تسببنا في زيادة هذه الأحداث".
"في أوقات الأزمات الاقتصادية، يميل الناس إلى الحلقة الأضعف"
أما رئيس قسم علم الاجتماع بجامعة غازي عنتاب، الدكتور محمد نوري جولتكين، فيرى أن التقلبات الاقتصادية في البلاد من بين الأسباب الأولى لزيادة التحيز وخطاب الكراهية ضد اللاجئين في الآونة الأخيرة. ويقول: "بعد وصول اللاجئين السوريين بأعداد كبيرة إلى تركيا عام 2011، فإنه في حال حدوث أدنى مشاكل، سواء على وسائل التواصل الاجتماعي أو في الحياة اليومية، فسرعان ما يتم تحميل السوريين كل المشاكل الاجتماعية".
ويضيف جولتكين: "خلصت الأبحاث إلى أن نسبة ضئيلة جدًا من اللاجئين السوريين متورطين في الجريمة، لا سيما في القضايا القضائية، من حيث المشكلات الاجتماعية. لذلك، نرى أن هذه التحيزات خاطئة. لكن السبب الأول لظهور هذه الأفكار المسبقة في الآونة الأخيرة؛ في أوقات الأزمات الاقتصادية يكون الناس أكثر عرضة لأسهل تفسيرات المؤامرة. لذلك عندما يتم البحث عن مرتكب الجريمة هنا، فمن الشائع جدًا أن يتم استهداف اللاجئين كما هو الحال في أوروبا. هذا الموقف يعبر عن واقع اجتماعي يقول إن الناس يتجهون نحو الأضعف في أوقات الأزمات الاجتماعية، وخصوصاً عندما تكون الأزمة الاقتصادية شديدة".
كما تطرق جولتكين في حديثه إلى الإجراءات العنصرية التي يمارسها رئيس بلدية بولو تانجو أوزجان ضد اللاجئين، وطالب حزب الشعب الجمهوري بطرده من الحزب.
وسائل الإعلام تعزز مشاكل التواصل بين الثقافات"
عميد كلية الاتصالات بجامعة غازي عنتاب، الدكتور مصطفى إمري كوكسالان، أكّد بدوره أن الإعلام الذي يعيد إنتاج خطابات السياسيين يلعب دوراً رئيسياً في تشكيل التحيز ضد اللاجئين. وقال: "إن حالة الاختناق الاقتصادي والبطالة التي تتعرض لها تركيا منذ عام 2018 جعلت اللاجئين أكثر استهدافًا".
واعتبر أن وسائل الإعلام تعزز هذه المشاكل من خلال إعادة إنتاج الخطابات التي تظهر في الحياة اليومية. "كما بإمكانها أن تعمل كأداة تعزز عامل التواصل بين الثقافات في الحياة اليومية من خلال إعادة إنتاج خطابات السلطة السياسية والمعارضة والفاعلين الاقتصاديين" بحسب ما جاء في التقرير.