"يقال إن الموسيقى لغة عالمية، وأحياناً إنه لا وطن لها، ولكننا نؤمن بأن الموسيقى تحمل مشاعر وتاريخ وأحلام من يؤدونها ومن يستمعون إليهم، وهي بذلك لغة شديدة المحلية. الموسيقى أيضاً أوسع من الحدود السياسية والجغرافية لأنها تنتقل مع البشر، ومع الأدوات التقنية التي يخترعونها، وهي بهذا تعبير إنساني يضم ويتخطى الهويات القومية والحدود السياسية. يتعرض السوريون لأكبر تهجير قسري في زمننا الحديث، حيث غادر سوريا منذ ما يقرب 10 سنوات حوالي 9 ملايين شخص، وهم أينما يحلون يأخذون معهم بعضاً من موسيقاهم، ويتركون وراءهم بعضاً آخر منها" .
بهذه الكلمات عبرت جمعية "الأمل للعمل" عن مشروعها الموسيقي "خريطة سوريا الموسيقية"، فبالرغم من قساوة ما حدث ويحدث للسوريين اليوم وخاصة في المجال الفني والثقافي من مشكلات قلة العمل ومصادره، وقلة التمويل للمشاريع الجادة بعيدا عن أي بروباغندا، فضلا عن التشويه الذي أصاب التراث السوري المادي واللامادي وظهور بعض التجارب الموسيقية المشوهة لهذا التراث، برزت تجربة مهمة بمبادرة من الجمعية بالتعاون مع جمعية اتجاهات ثقافة مستقلة، ومقرهما لبنان ألا وهي خريطة سوريا الموسيقية.
مئة أغنية ومقطوعة موسيقية من سوريا
والخريطة هي عبارة عن موقع إلكتروني على شبكة الإنترنت تضم مجموعة لا بأس بها من الأغاني والمقطوعات الموسيقية من جميع مناطق ومدن سوريا إلى حد ما، وهذه المواد صحيحة التوثيق وأصلية وذات مصداقية من ناحية التسجيلات القديمة التي تم الحصول عليها أو من ناحية كتابة النوطة الموسيقية التي عثر الباحثون عليها.
إلا أن المواد التي كانت ذات تسجيل غير واضح أو تم الحصول عليها من خلال النوطة الموسيقية، قام طلاب "العمل للأمل" بتسجيلها وبشكل فني مقبول وجيد وتم رفع الأغاني المسجلة بالإضافة إلى المواد الأصلية الموثقة من قبل مغنين تراثيين ما زالوا مقيمين في سوريا.
وكانت النتيجة بشكل أولي وجود مئة أغنية حاليا للاستماع والاستفادة، طبعا قابلة هي للزيادة وبالرغم من ذلك لا يمكن اختصار هذا المشروع بمئة أغنية وقطعة موسيقية فالتراث السوري إجمالا يحمل الكثير.
بسبب اتساع الجغرافية بالنسبة للمنطقة وبسبب التنوع القومي والإثني لسكان سوريا ولا يمكننا إغفال المخزون التراثي الكبير الذي تركه الأجداد وهو بحاجة إلى جهد أكبر من البحث والتوثيق.
سوريا.. تنوع حضاري وموسيقي
وقال أحد الباحثين المشاركين في هذا المشروع لموقع تلفزيون سوريا، طلب عدم الكشف عن هويته لإقامته في سوريا، "إن التنوع الفلكلوري الكبير في سوريا لم يأت عن عبث بل هو نتاج تراكم تاريخي فني ضارب في القدم وبسبب موقعها الجغرافي المميز ".
وأضاف أن تموضع سوريا شرق البحر المتوسط وغرب بلاد الرافدين وجنوب تركيا وشمال فلسطين والأردن أكسبها تنوعا فريدا بالإضافة إلى التنوع المناخي، فوجود البحر والجبل والسهل والأنهار والبوادي كانت عوامل مهمة وكافية لتعطي تنوعا بالأشكال الغنائية.
وتابع "أما وجود الحضارات القديمة من قبل الميلاد وتعاقب الممالك والحضارات على المدن وترحال القبائل العربية بأغانيها ومواشيها وبضائعها فأكسب المنطقة تأثرا بالمناطق والحضارات القريبة من سوريا".
وأضاف الباحث أن "السريان والآشوريين والعرب من أقدم وأهم القوميات التي سكنت سوريا وحتى يومنا هذا لا تزال أغانيهم التابعة لعاداتهم تصدح في جميع أرجاء سوريا وألحانهم شاهدة على ذلك".
أما القوميات الأخرى كالكرد والتركمان والشركس والأرمن فلديها تراثها وأغانيها وموسيقاها وما زالت تحتفظ بها في جل مناسباتها.
واستطرد "بما أن كل ما ذكرنا من تنوع مختلف على جميع الأصعدة كان واضحا وكفيلا ليصنع تراثا ومجدا لهذا البلد فمن الطبيعي أن يكون لدينا بعد انصهار هذه المكونات هذا التراث".
وشدد أن "مئة أغنية وقطعة موسيقية غير كافية لتلخص تراثا غنيا مثل التراث السوري ويحتاج الموضوع إلى وقت أطول من عام ويحتاج إلى باحثين أكثر لتغطية وأرشفة كل المناطق السورية، ويحتاج أيضا إلى ظروف سياسية موضوعية فالعمل في ظل الاضطرابات والحروب يشكل خطرا على حياة الباحثين والعاملين بهذا الشأن خاصة في الداخل بسبب قلة الأمان في معظم المناطق واستحالة الوصول إلى بعضها".