ينخر الفساد في جميع مؤسسات الدولة وهيئاتها وشركاتها وهياكلها في سوريا، حيث لم يعد السوريون يثقون بأي منتج مصنوع في مناطق سيطرة النظام السوري، والأسوأ أن يكون ذلك في قطاع الخبز الذي يعد "قوت السوريين" الرئيسي.
ويفضل معظم السوريين شراء الخبز السوري التقليدي المعتادين عليه، حيث لا يستخدم إلا قلة قليلة الخبز السياحي الأبيض أو خبز السمون (الخبز الفرنسي) الذي يعد سعره مرتفعاً بأضعاف الخبز العادي.
ويبلغ سعر ربطة الخبز العادي في السوق السوداء نحو 2000 ليرة سورية، في حين يصل سعر ربطة الخبز السياحي إلى 7000 ليرة سورية، وكيلوغرام السمون 8000 ليرة سورية وقد تختلف الأسعار بحسب المنطقة والتوقيت بين الليل أو النهار.
ورغم أن جودة الخبز تختلف من فرن إلى آخر، فإن شكاوى كثيرة باتت تنتشر في الآونة الأخيرة بسبب تراجع جودة الخبز في المخابز الآلية العامة، وحتى المخابز الخاصة، الأمر الذي جعل الوجبة الأساسية للناس في سوريا غير صالحة للأكل، إلا أن الناس مضطرون إلى هذا الخبز لعدم قدرتهم المادية على شراء ربطات السياحي أو السمون.
"خبز بايت"
وقالت هناء إبراهيم، النازحة من دير الزور إلى دمشق، إن "الخبز المدعوم أو في السوق السوداء يشهد تراجعاً كبيراً في جودته مقارنة بالسابق، وأصبح لون الخبز مختلفاً ويتفتت بسرعة، وله رائحة غير زكية وكأنه بايت أو قديم".
وأضافت هناء لموقع "تلفزيون سوريا"، "نحن 9 أشخاص في البيت ولا يمكننا شراء الخبز السياحي، نشتري فقط المدعوم عبر البطاقة الذكية أو من الحر من السوق السوداء، ولكن هذا الخبز بشكل عام أصبح لا يؤكل، إلا أننا مضطرون إلى استخدامه فلا يوجد لدينا سبيل آخر مع غلاء كل شيء لأضعاف مضاعفة".
ولفتت إلى أن سعر ربطة الخبز المدعوم هو 200 ليرة سورية (7 أرغفة)، ولكن حصة الخبز المدعوم قليلة ولا تكفي الجميع ولديها جدول محدد عبر البطاقة الذكية، أما الخبز الذي يباع بالسوق السوداء أو الحر، فتبدأ الربطة بـ 2000 ليرة سورية، أي بعشرة أضعاف، وأحياناً قد تجدها بسعر أقل ولكن عدد الأرغفة أقل.
ورغم أن حكومة النظام السوري وضعت أكشاكاً لبيع الخبز بدمشق بسعر 1300 ليرة من دون الحاجة إلى البطاقة الذكية، بعدد ربطتين في اليوم، إلا أن جودتها سيئة.
وتسبب ربط الخبز بالبطاقة الذكية بازدحام مستمر أمام الأفران وكوات بيع الخبز، ولكن حكومة النظام قررت اللجوء إلى بيع الخبز بالسعر غير المدعوم لتقليل سرقة الخبز من قبل الموظفين العاملين الذين يبيعونه بأضعاف مضاعفة.
وينتشر بائعو وبائعات الخبز في طرقات دمشق على مقربة من الأفران ويبيعون ربطات الخبز بأسعار بين 1500 ليرة و3000 ليرة بحسب التوقيت إذ كلما تأخر الوقت ليلاً ارتفع سعر الربطة.
وفي الآونة الأخيرة فقد كثير من السوريين حقهم في دعم البطاقة الذكية في الغاز أو الخبز أو المحروقات وسلع أخرى، من دون توضيح، حيث لكل عائلة حصة في فترة زمنية معينة تختلف من سلعة إلى أخرى، كما أن الكمية تختلف بحسب عدد الأشخاص.
ويبدو أن النظام السوري يتجه إلى رفع الدعم عن فئات جديدة بعد أن استبعد كثيرأً من الفئات في المجتمع السوري من الدعم، مثل فئة الأطباء والمهندسين والمحامين والصيادلة والفنانين وفئات أخرى.
أسوأ الأنواع
وقال جمال بركات، أحد سكان بيت سحم بضواحي دمشق، إن الخبز المنتشر في السوق حالياً من أسوأ الأنواع، إذ لا توجد رقابة على إنتاجه، ولا تستخدم الكميات النظامية من المواد التي تصنعه، فيخرج لدينا أردأ أنواع الخبز، لا يصلح طعاماً للدواب، ولكن الناس مضطرة إلى تناوله لأنه ليس لديها حل آخر.
وأضاف بركات في حديث مع موقع "تلفزيون سوريا"، "قد تجد بين 10 أفران واحداً ينتج خبزاً نظامياً، سواء كان من الأفران العامة أو الخاصة، (نفس الشي أضرب من بعضو)"، مؤكداً أنه لا توجد رقابة وإن وجدت فتحل برشوة معتبرة.
وأردف بركات أن "المشكلة أن بعض أنواع الخبز يخرج فيها أحياناً رمل أو بحص، وهناك مخابز فيها سوس ميت وحشرات، ما يعني أن هناك سوء تخزين أو تبديلاً للطحين الجيد بآخر سيئ".
وأشار إلى أن "رغيف الخبز لا يتحمل أن تضع فيه زيتاً وزعتراً فهو يتشقق، الخبز السميك وذو اللون الفاتح الزاكي لم نعد نراه في سوريا إلا بالمخابز الكبيرة التي تعطي الخبز للوزراء وعلية القوم".
ولفت بركات إلى أن "مشكلات السابق كانت نقص وزن، تلاعب ببعض العيارات بالعجنة الكبيرة، قد لا تظهر إلا للخبير بجودة الخبز، أما حالياً، فأي طفل يدرك أن ربطة الخبز هذه غير صالحة للاستهلاك البشري، وهي مفتتة بشكل شبه كامل قبل فتحها، ويخبرونك أنها طازجة وسخنة وما في أظرف من هيك".
وبيّن بركات أنه رغم أن الخبز سيئ، فأنا وزوجتي وابني تعطينا البطاقة الذكية 4 ربطات أسبوعياً، يعني الأحد ربطة واحدة، والثلاثاء ربطتين والخميس ربطة واحدة، ليكون العدد أربع ربطات، وهي غير كافية مع عدم القدرة على الطبخ حيث إننا مضطرون إلى تناول النواشف ومية البندورة والمقالي التي لا تؤكل من دون خبز.
سوء تصنيع
ويزعم مسؤولو النظام السوري عبر وسائل الإعلام التابعة له أو عبر المقربة منه، أن هناك دوريات مستمرة لمراقبة الأفران وجودة الخبز، وتعمل هذه الدوريات على سحب عينات الدقيق المخالفة، وتحليله. وسط إصرار منهم على أن الخبز المنتشر في أكشاك بيع الخبز والكوات جميعه ضمن المواصفات ولون تحببهِ ممتاز ونسبته 5 في المئة من أصل 10.5 في المئة، ولا توجد أي مشكلة فيه.
ويؤكدون أن المشكلة ليست بالدقيق المقدم من الدولة أو المواد الداخلة في التصنيع والتي تمر جميعها عبر مؤسسات الحبوب والمطاحن العامة، إنما الخلل في سوء التصنيع والإنتاج حيث تعمل بعض الأفران على تقليل العيارات المطلوبة واللعب في سماكة ورقة الأرغفة وحتى مستوى نضجه، وفق صحيفة "الوطن" المقربة من النظام السوري.
وقالت الصحيفة إن "معظم مخالفات المخابز تكون في نقص الوزن وسوء التصنيع بهدف تحقيق منافع خاصة"، وهو ما يؤكد أن هذه الأفران لا تخضع لأي رقابة مع استمرار تقديم الخبز بالرداءة السابقة نفسها.