icon
التغطية الحية

حين يصبح السكن عبئاً.. إيجارات لا ترحم في إدلب وحلول غائبة

2024.08.14 | 05:24 دمشق

0
مدينة إدلب - AFP
 تلفزيون سوريا ـ خاص
+A
حجم الخط
-A

ملخص:

  • إدلب تواجه أزمة سكنية حادة بسبب الضغط السكاني وارتفاع الإيجارات لمستويات غير معقولة.
  • غياب الرقابة الحكومية يسمح للمكاتب العقارية والسماسرة بالتحكم في أسعار الإيجارات واستغلال السكان.
  • الأزمة السكنية أدت إلى مشكلات اجتماعية واقتصادية، مثل تفاقم الفقر وتدهور الخدمات العامة وارتفاع معدلات الجريمة.
  • السكان يعانون من ضغوط نفسية واجتماعية نتيجة الأزمة، مما يزيد من حالات القلق والاكتئاب والتوتر الأسري.
  • الحلول المقترحة تشمل تنظيم السوق العقاري، زيادة مشاريع الإسكان المدعومة، وتحسين الظروف المعيشية في المناطق الريفية.

تواجه محافظة إدلب شمال غربي سوريا تحديات غير مسبوقة نتيجة الضغط السكاني الكبير الذي تعاني منه، مما أدى إلى تفاقم أزمة السكن وارتفاع الإيجارات إلى مستويات لا يمكن تحملها.

ومع تزايد عدد السكان النازحين والمهجرين وعودة عشرات الآلاف من تركيا، ازدادت الحاجة إلى السكن بشكل ملحوظ، لكن هذه الحاجة لم تُقابل بزيادة موازية في العرض، مما خلق فجوة كبيرة في سوق العقارات.

وفي ظل غياب رقابة حكومية فعالة، أصبحت المكاتب العقارية والسماسرة اللاعبين الرئيسيين في تحديد أسعار الإيجارات، مما دفع بكثيرين إلى قبول شروط غير عادلة ومبالغ مالية مرهقة للحصول على مأوى.

ويتحكم الوسطاء بالأسعار من دون أي ضوابط تُذكر، مما يزيد من معاناة السكان الذين يجدون أنفسهم في مواجهة خيارات محدودة وبدائل ضئيلة.

يرى بعض السكان أن استمرار الأزمة يعكس عدم وجود إرادة حقيقية لمعالجة المشكلة، حيث تظل الحكومة المحلية عاجزة أو غير راغبة بفرض أي قيود أو تنظيم يحد من جشع الوسطاء، كما أن هذا الغياب للرقابة أسهم في تحويل سوق العقارات إلى بيئة غير مستقرة وغير آمنة للسكان الباحثين عن مأوى.

معضلة الإيجارات في إدلب

لم يعد البحث عن مسكن في إدلب مجرد مهمة عادية، بل تحول إلى تحدٍ كبير يواجهه كثيرون يومياً، حيث تضطر بعض العائلات للعيش في ظروف غير ملائمة أو في مساكن مكتظة بسبب غلاء الأسعار، وهذا الوضع زاد من الشعور بالإحباط واليأس لدى كثيرين، خاصة مع عدم وجود حلول تلوح في الأفق.

عبد الهادي الشيخ، شاب هُجّر من ريف حمص قبل ستة أعوام إلى إدلب، ومع طول سنوات التهجير زاد عدد أفراد عائلته وكبر من كان منهم صغيراً، الأمر الذي حتم على هذه العائلة البحث عن مسكن جديد تتوافر فيه الراحة والخصوصية.

وقال الشيخ في حديث لموقع تلفزيون سوريا إنه كان يعيش مع أسرته في منزل صغير نسبياً، ولكن مع تزايد أفراد العائلة، قرر البحث عن منزل أكبر يمكنه أن يعيش فيه بشكل مستقل، إلا أنه تفاجأ بصعوبة العثور على منزل بإيجار مقبول، فالأسعار أصبحت جنونية، وأي منزل لائق أصبح يتطلب دفع مبالغ لا يمكن تحملها بالنسبة لشخص يعمل بمرتب بسيط مثله.

وأضاف: "لقد بحثت في عدة مناطق داخل المدينة، وطرقت أبواب العديد من المكاتب العقارية، لكن الأسعار كانت دائماً تفوق إمكانياتي، والأسوأ من ذلك، أن السماسرة والمكاتب العقارية يتحكمون تماماً بالسوق، إذ لا توجد أي قوانين أو ضوابط تحد من هذا الاستغلال، وهو ما يجعل الشخص يشعر بأنه تحت رحمتهم، حيث يمكنهم رفع الأسعار كما يشاؤون دون أي رادع".

وتابع: "ما يزعجني أكثر هو غياب الرقابة من قبل حكومة الإنقاذ عن هذا الوضع، ومن غير المنطقي أن يعيش الناس في مثل هذه الظروف الصعبة، بينما لا توجد أي جهة تتحرك لضبط الأسعار أو وضع حد للجشع، وشخصياً أصبحت أشعر أن حقوقي كمستأجر مهضومة، ولا يوجد من يقف إلى جانبي أو يدافع عني في مواجهة هذا الاستغلال".

ويشير الشاب إلى أنه يحلم بالاستقرار وتكوين عائلة، لكن هذه الأزمة تجعل الأمر يبدو مستحيلاً، مضيفاً: "كيف يمكن لشخص في مثل ظروفي أن يستأجر منزلاً ويدفع مبالغ كبيرة قد تصل إلى 200 دولار شهرياً، عدا أجور المكتب التي تبلغ نصف إيجار شهر والتأمين وغيرها؟". 

وطالب الشيخ الجهات المعنية في حكومة الإنقاذ باتخاذ إجراءات "تحد من جشع السماسرة والمكاتب العقارية، وتضمن وجود رقابة فعلية على أسعار الإيجارات"، معتبراً أنه "من غير المعقول أن يظل الناس يعانون بهذه الطريقة دون وجود أي تدخل يخفف من معاناتهم، ونحن بحاجة إلى حلول فورية، وإلا فإن الوضع سيتفاقم أكثر، مما يجعل الحياة في إدلب لا تطاق".

البحث عن الاستقرار في زمن الأزمات

شهد العام الحالي زيادة ملحوظة في عدد السوريين العائدين من تركيا إلى شمال غربي سوريا، وأكد مدير العلاقات العامة في معبر باب الهوى مازن علوش أنه خلال النصف الأول من العام الجاري عاد 24 ألفاً و334 سورياً عبر المعبر الواقع شمالي إدلب.

وأشار علوش في حديث لموقع تلفزيون سوريا إلى أن ذلك العدد يتجاوز عدد العائدين الكلي خلال العام الماضي، إذ عاد من معبر باب الهوى عام 2023 عشرين ألفاً و319 سورياً.

وسبب توافد هذا العدد من السوريين ضغطاً إضافياً على المساكن في إدلب، كما أن العائدين من تركيا كانوا عرضة للاستغلال من قبل أصحاب المكاتب العقارية أكثر من غيرهم، لعدم درايتهم بالإيجارات واختلافها من منطقة لأخرى.

ويقول الشاب محمد الناصر إنه تم إعادته من تركيا إلى سوريا قبل عدة أشهر، وكان هذا بمثابة صدمة كبيرة له ولعائلته، كونهم استقروا في تركيا لبضع سنوات، واستطاعوا تأمين حياة مستقرة نسبياً، مضيفاً: "قرار الترحيل قلب حياتنا رأساً على عقب، خاصة بعدما عدت إلى إدلب، لم أكن أتوقع أنني سأواجه مثل هذه الصعوبات في العثور على منزل يأوينا".

وأضاف في حديث لموقع تلفزيون سوريا: "بحثت عن منزل في إدلب والمناطق المحيطة بها، لكن الأسعار كانت مرتفعة جداً، ولم أتمكن من العثور على أي مسكن يناسب إمكانياتي المادية، وكان الوضع يزداد صعوبة كل يوم، خاصة أن المكاتب العقارية والسماسرة يتحكمون تماماً في السوق، ويطالبون بإيجارات مبالغ فيها ودفع أجور عام بشكل مسبق دون أي مرونة أو تفاهم، وكأنهم يستغلون وضعنا الصعب".

ويوضح الناصر أنه كان يعتقد أن العودة إلى سوريا ستكون بداية جديدة، "لكن ما واجهته هنا من صعوبات جعلني أشعر بالندم والخوف على مستقبل أسرتي، وشعرت بالعجز أمام غياب أي دعم أو مساعدة، كما أنه لا توجد أي قوانين تحمينا كمستأجرين، وكل ما يمكنني فعله هو التنقل من مكتب عقاري إلى آخر، آملاً في العثور على مسكن يلبي احتياجاتنا".

وأكد أن تجربته مع الترحيل كانت قاسية، لكن الأصعب كان محاولة بناء حياة جديدة في ظروف مستحيلة، إذ اضطر للعيش مع أقارب في ظروف مكتظة وغير مريحة لأنه لم يتمكن من تأمين منزل مستقل، مشيراً إلى أنه يشعر بالإحباط واليأس، خاصة عندما يرى أن هناك كثيرا من العائلات التي تعاني من الوضع نفسه ولا تجد من يساعدها.

ودعا الناصر حكومة الإنقاذ والمنظمات الإنسانية إلى التدخل لتخفيف معاناة الناس الذين يواجهون الظروف الصعبة نفسها، معتبراً أنه "يجب أن تكون هناك قوانين وضوابط تحكم سوق الإيجارات وتمنع استغلال السماسرة والمكاتب العقارية لنا".

ونقل موقع تلفزيون سوريا تلك المخاوف والمشكلات إلى مكتب العلاقات العامة في حكومة الإنقاذ للحصول على توضيحات بشأنها، ولمعرفة خطط الحكومة وأسباب عدم تدخلها لمواجهة هذه المعضلة، إلا أنه لم يلق جواباً.

الآثار السلبية للأزمة السكنية في إدلب

أزمة السكن في إدلب ليست مجرد ظاهرة محلية تتعلق بتوفير المأوى، بل هي أزمة شاملة تمتد آثارها إلى مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والنفسية للمجتمع، وقد تفاقمت هذه الأزمة بشكل كبير خلال السنوات الماضية بسبب العمليات العسكرية والنزوح الداخلي والضغط السكاني، مما أدى إلى خلق بيئة معقدة تسببت في العديد من المشكلات والتحديات التي تواجه السكان يومياً.

وطرح موقع تلفزيون سوريا تساؤلات على شريحة من سكان منطقة شمال غربي سوريا تضم ناشطين ومدنيين وعمالاً في المجال الإنساني حول الآثار السلبية لأزمة السكن، وتم تحديد عدة تبعات، كالآتي:

ارتفاع معدلات الفقر وتفاقم الظروف الاقتصادية: مع ارتفاع أسعار الإيجارات في إدلب، تجد كثير من الأسر صعوبة في تلبية احتياجاتها الأساسية الأخرى، لا سيما أن نسبة كبيرة من دخل الأسر يتم توجيهها نحو الإيجار، مما يقلل من القدرة على شراء الغذاء والرعاية الصحية والتعليم، وهذه المشكلة دفعت العديد من الأسر إلى هوة الفقر أو زادت من فقرها، خاصةً في ظل غياب فرص عمل كافية لتحسين الوضع المعيشي.

تدهور البنية التحتية والخدمات العامة: بسبب الأزمة السكنية والضغط السكاني المتزايد، تعاني البنية التحتية في إدلب من تدهور ملحوظ، إذ أصبحت الأحياء السكنية مكتظة بما يتجاوز طاقتها الاستيعابية، مما أدى إلى ضغط كبير على الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والصرف الصحي، في كثير من المناطق، تجد شبكات المياه والكهرباء غير قادرة على تلبية احتياجات السكان، مما يساهم في تردي جودة الخدمات.

وبالإضافة إلى ذلك، تفتقر العديد من المناطق إلى الخدمات العامة الضرورية، مثل الرعاية الصحية والمدارس، مما يزيد من معاناة السكان ويؤدي إلى تدهور الظروف المعيشية.

تفشي الظواهر الاجتماعية السلبية: الأزمة السكنية أسهمت بشكل كبير في ظهور وانتشار العديد من الظواهر الاجتماعية السلبية في إدلب، من بينها تزايد معدلات الجريمة، مثل السرقات والنصب والاحتيال، نتيجة للضغوط الاقتصادية وعدم الاستقرار الاجتماعي.

وبالإضافة إلى ذلك، أدى الاكتظاظ السكاني وسوء الظروف المعيشية إلى ارتفاع معدلات العنف الأسري والنزاعات بين الجيران، حيث يواجه السكان توتراً مستمراً بسبب الضغوط اليومية، مما يؤدي إلى تدهور النسيج الاجتماعي وتعزز حالة عدم الثقة بين أفراد المجتمع.

تفاقم الأزمات الصحية: الحياة في مساكن غير ملائمة، سواء من حيث المساحة أو الشروط الصحية، تؤدي إلى تدهور الحالة الصحية للسكان، ويعتبر الاكتظاظ في المنازل، وعدم توفر التهوية الجيدة، وانتشار الأمراض المعدية بعض من النتائج السلبية للأزمة السكنية، خاصة بين الأطفال وكبار السن، الذين هم الأكثر ضعفاً ويعانون بشكل خاص من هذه الظروف، حيث إن انتشار الأمراض يكون أسرع وأكثر حدة في البيئات المكتظة وغير الصحية.

ضعف التعليم والتسرب من المدارس: نتيجة للأزمة السكنية والضغوط الاقتصادية، يجد كثير من الأطفال أنفسهم مضطرين للتخلي عن التعليم والمساهمة في دخل الأسرة من خلال العمل، وهذا التوجه يزيد من معدلات التسرب المدرسي ويفاقم من مشكلة الجهل في إدلب.

كما أن المدارس في المناطق المكتظة تعاني من نقص في الموارد والمعلمين، مما يؤدي إلى تدهور جودة التعليم، وهذا يخلق جيلاً من الأطفال والشباب الذين يعانون من نقص في التعليم والمهارات، ويؤثر سلباً على مستقبلهم وفرصهم في تحسين أوضاعهم المعيشية.

انهيار الروابط الاجتماعية: الأزمة السكنية لا تؤثر فقط على الحياة الفردية، بل تتسبب أيضاً في تدهور الروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع، ومع انتقال العائلات بشكل مستمر بحثاً عن مساكن أكثر ملاءمة أو بأسعار معقولة، يصبح من الصعب بناء علاقات اجتماعية متينة مع الجيران والمجتمع المحيط، وهذا يؤدي إلى الشعور بالعزلة والوحدة لدى كثير من الأفراد. 

الضغط النفسي والاجتماعي: الضغوط اليومية الناجمة عن الأزمة السكنية، بما في ذلك القلق المستمر بشأن العثور على مسكن ملائم أو الحفاظ على السكن الحالي، تزيد من مستويات التوتر والضغط النفسي بين السكان، وهذه الضغوط يمكن أن تؤدي إلى مشكلات صحية نفسية مثل القلق المزمن والاكتئاب وقد تصل إلى الانتحار.

وتعاني العائلات التي تعيش في ظروف سكنية غير ملائمة من حالة دائمة من التوتر، مما يؤثر على الحياة اليومية والعلاقات داخل الأسر.

تعزيز الانقسامات المناطقية: الأزمة السكنية قد تؤدي إلى تعزيز الانقسامات المجتمعية والمناطقية داخل إدلب، حيث تتركز الأزمات في مناطق معينة أكثر من غيرها، وهذه الانقسامات يمكن أن تؤدي إلى نزاعات بين المجتمعات المحلية وتفاقم التوترات المناطقية (بين المجتمع المضيف والنازح).

حلول لمواجهة أزمة السكن في إدلب

لحل أزمة السكن وارتفاع الإيجارات في إدلب وتخفيف الضغط الذي يواجهه السكان، يمكن التفكير في عدة حلول تتطلب تنسيقاً بين الجهات المحلية والمنظمات الدولية، منها:

تفعيل الرقابة الحكومية وتنظيم السوق العقاري: وضع لوائح تحدد الحد الأقصى للإيجارات بناءً على معايير موضوعية مثل حجم المنزل وموقعه وحالته العامة.

زيادة العرض من خلال مشاريع إسكان مدعومة: يتطلب ذلك من الجهات المحلية التعاون مع المنظمات لإطلاق مشاريع إسكان تستهدف الفئات الأكثر تضرراً، ويمكن أن تتضمن بناء وحدات سكنية جديدة أو ترميم المنازل القديمة المهجورة.

تحفيز الاستثمار في بناء مساكن جديدة: وذلك من خلال تقديم حوافز للمستثمرين لبناء مشاريع سكنية جديدة مثل تخفيضات ضريبية أو تقديم أراضٍ (من المشاع) بأسعار مخفضة.

إعادة تأهيل المناطق المتضررة: هناك كثير من المناطق والمباني التي تضررت نتيجة قصف النظام وروسيا، لا سيما في ريف إدلب الغربي، وإعادة تأهيل هذه المناطق يمكن أن يوفر وحدات سكنية قابلة للسكن.

تحسين الظروف المعيشية في المناطق الريفية: يجب أن تعمل الحكومة والمنظمات على تحسين البنية التحتية والخدمات في المناطق الريفية لتخفيف الضغط على المدن الكبرى مثل إدلب والدانا وسرمدا.

وخلاصة القول، إن الأزمة السكنية في إدلب ليست مجرد مشكلة تتعلق بتوفير المأوى، بل هي أزمة شاملة تؤثر على مختلف جوانب الحياة في المنطقة، من تدهور الأوضاع الاقتصادية إلى تفاقم المشاكل الصحية والاجتماعية، وتشكل تحدياً كبيراً للسكان الذين يجدون أنفسهم محاصرين بين ضغوط الحياة اليومية وغياب الحلول الفعالة.

ويتطلب التعامل مع هذه الأزمة نهجاً شاملاً يركز على تحسين الظروف المعيشية للسكان، وتعزيز البنية التحتية، ودعم الروابط الاجتماعية، لضمان مستقبل أكثر استقراراً لسكان إدلب.