icon
التغطية الحية

حلاقون وأساتذة.. كيف يؤمّن طلاب الجامعات السورية "كفاف يومهم"؟

2023.12.02 | 06:59 دمشق

جامعة دمشق
جامعة دمشق
دمشق - حنين عمران
+A
حجم الخط
-A

لا تبدو الأعباء التي يتحملها الشبان والشابات في سوريا، أعباءً طبيعية تتناسب مع إمكانياتهم المادية أو غضاضة أعمارهم أو حتى صلابتهم النفسية؛ إذ يعاني طلبة الجامعات والمدارس الثانوية والإعدادية من الاكتئاب وعصاب القلق وعصاب الصدمة، نتيجة ما عاشوه من أزمات متتالية وصدمات وأحداث قاسية وحزينة، كخسارة المنزل أو أحد أفراد العائلة أو الأصدقاء أو تجربة النزوح أو الحصار.

وكانت الأمراض النفسـية قد تضاعفت بنسبة 40 في المئة بمناطق سيطرة النظام السوري، نتيجة الحرب والوضع الاقتصادي السيئ، وفق مواقع محلية مقربة من النظام.

أما حياة الطلاب الجامعية فلا تخلو من المنغصات سواء بسبب عقلية بعض دكاترة الجامعات الصعبة، أو بسبب بُعد مكان الدراسة والاضطرار إلى التنقل بين المحافظات، أو نتيجة الغلاء المعيشي وارتفاع الأقساط الجامعية وصعوبة تأمين الأدوات اللازمة للدراسة.

"الكوافير".. بديلا عن الدراسة ومهنة لكل مكان

يتجه عدد من طلبة الجامعات ولا سيما من الإناث، إلى تعلّم الحلاقة الرجالية أو النسائية لتأمين مصروف الجامعة أو كلفة الإيجار أو مساعدة الأهل، ولا تقتصر هذه المهنة على قص الشعر والتسريحات؛ إنما تتعداها إلى فن المكياج والاهتمام بالأظافر (الجل) الذي أصبح مصدر رزق عدد كبير من طالبات الجامعة.

في حديثها لموقع تلفزيون سوريا، تخبرنا (ميس.ن) "طلبت عدم ذكر اسمها كاملا" وهي فتاة من ريف دمشق، عن احترافها تركيب (جل) الأظافر وترتيب الحواجب ورسم "التاتو": "في عامي الثالث في الجامعة، أصبحت عائلتي غير قادرة على تأمين مصروفي الدراسي ولا سيّما أنني كنت أعيش وحدي في السكن الجامعي وأضطر إلى السفر بين الحين والآخر، ولكوني أدرس اختصاص هندسة العمارة فكنت أحتاج مصروفاً مضاعفاً لتأمين أدوات الدراسة ورسم المشاريع التي يطلبها الأساتذة، وأصبت بالإحباط لما رأيته من عجز والديّ رغم حبهم في العلم، فاتخذت قراري بإيقاف سنة كاملة من سنواتي الجامعية، تفرغت خلالها لتعلم مهنة الحلاقة بعد التحاقي بدورتين في معهد في منطقة الحلبوني وسط دمشق، برسوم رمزية آنذاك".

ولم تكن لدى ميس –على حسب قولها- الرغبة في عمل آخر؛ إذ إن ما تعلمته في المعهد كان "متعة حقيقية" بالنسبة إليها وما تجنيه من عملها الآن قادر على تغطية مصاريفها الجامعية إلى جانب ما يقدمه والدها من دعم مادي، تتابع ميس: "استطعت خلال فترة قصيرة اكتساب زبائن دائمين لي، يخابرونني بين الحين والآخر، إلى جانب تعاقدي مع صالوني حلاقي في منطقتي المزة وأبو رمانة للعمل معهم عند الطلب". وتتراوح أسعار خدمات التجميل "غير الطبية"  بين 30 ألف بالحد الأدنى وحتى مليوني ليرة سورية وأكثر، حسب نوع الخدمة وتكلفة المواد المستخدمة.

الدروس الخاصة.. مصدر دخل للطلاب

لا يوجد في سوريا قانون يمنع امتهان التدريس للأشخاص الذين يدرسون اختصاصات مختلفة عن كليات التربية والعلوم والآداب، فكل من يملك المعرفة يحقّ له نقلها بالمقابل المادي الذي يحدده.

يندفع طلاب الجامعات ولا سيما من اختصاصات الطب والهندسة إلى إعطاء الدروس الخصوصية لطلاب الإعدادي والثانوي خاصة في المواد العلمية واللغات؛ نظراً لكون الأهل يثقون بأن يدرّس أولادهم طالب طب (دكتور) أو مهندس حتى وإن لم يتخرج بعد.

(إبراهيم. ق) طالب في كلية الطب البشري من السنة الخامسة، بدأ بإعطاء الدروس الخصوصية منذ عامه الثاني في الجامعة بعد انتهائه من السنة التحضيرية، واستطاع خلال ثلاث سنوات من صنع اسم والترويج لنفسه بين طلاب شهادتي التاسع والبكلوريا؛ إذ يقوم بإعطائهم مادتي الكيمياء وعلم الأحياء.

وفي لقاء قصير مع موقع تلفزيون سوريا معه، أخبرنا: "بدأ الأمر بمنشور فيس بوك على مجموعة عامة، وكنتُ حينها في ضائقة مادية أنا وأهلي، كانت المجموعة تضم آنذاك 4 آلاف متابع، ونظراً لأنني بدأت المنشور بالتعريف عن نفسي "طالب في كلية الطب البشري" بدأت التعليقات على المنشور تتوالى واستطعت خلال أسبوع واحد الاتفاق مع طالبين لإعطائهم الدروس الخصوصية". وتبلغ كلفة الدرس الخاص في سوريا في الوقت الحالي قرابة 45 ألفا بالحد الأدنى، وقد يصل سعر الجلسة الامتحانية إلى نصف مليون ليرة سورية للطالب الواحد؛ ويتعلق ذلك باسم الأستاذ وشهرته وإقبال الطلاب على حضور دروسه.

التدريب "المأجور وغير المأجور" في البنوك والشركات

انتشرت في السنوات الأخيرة ثقافة "التدريب" لصالح الشركات الخاصّة بمقابل مادي زهيد أو من دون مقابل؛ إذ يلجأ الطلاب السوريون من الاختصاصات الهندسية وفروع المحاسبة والمصارف إلى اكتساب الخبرة من خلال تدريب "تطوعي" أو عقد مؤقت لعدة أشهر؛ ما يؤمن لهم فرصة عمل جيدة لاحقاً من خلال إضافة هذه الخبرة إلى سيرتهم الذاتية.

وفي لقاء مع طالب في كلية الاقتصاد من السنة الرابعة باختصاص "المصارف والتأمين" أخبرنا بأنه لجأ إلى التدرب في أحد البنوك الخاصة ضمن مدينة دمشق لمدة ستة أشهر براتب زهيد جداً طمعاً بأن يتوظف في البنك نفسه بوظيفة ثابتة بعد انتهاء مدة التدريب لكن الواقع كان مختلفاً، يقول: "كانت الوعود أنه بانتهاء التدريب سيكون هناك تقييم وعلى أساسه يتم التوظيف، لكن اتضح لي ولبقية المتقدمين إلى التدريب أن تلك الوعود "كلام في كلام"، كنا نعمل لمدة 8 ساعات يومياً وأحياناً نضطر إلى البقاء لساعات إضافية في فترات الضغط، وحتى الآن لم أستطع تحصيل وظيفة ثابتة لكنني اكتسبت خبرة عملية لا بأس بها بذلك التدريب".

ولا تعد الأعمال التي يقوم بها طلاب الجامعات لتحصيل الخبرة أو الراتب أو تدعيم السيرة الذاتية أعمالاً ذات مردود مادي جيد في العموم؛ إذ إن ما يحصّلونه خلال العمل الطويل يكفيهم لتأمين مصروفهم الجامعي أو كلفة اللقاءات الاجتماعية مع الأصدقاء؛ وهذا بدوره سبب رئيس في غياب ثقافتي "الادخار" و"الاستثمار" لدى فئة الشباب ويُبرِر لهم غياب الطموح وبُعد النظر عند بعضهم، وعلى لسان أحد الطلاب: "نعيش وفق مبدأ: خُبزنا كفاف يومنا.. ولا طمع في المزيد..".