حزب الله بعد عملية اختراق "البيجر".. تكاليف باهظة أم تجرع جديد للسم؟

2024.09.19 | 08:22 دمشق

3555
+A
حجم الخط
-A

على حافة الهاوية باتت اللعبة بين حزب الله وإسرائيل، فخلال دقيقة واحدة نجح الموساد الإسرائيلي في توجيه أقسى ضرباته إلى جسم حزب الله وهياكله التنظيمية، منذ بدء معركة الإسناد التي يقودها الحزب بعد طوفان الأقصى، في عملية أمنية استثنائية من حيث القدرة على الوصول إلى الأهداف والوسائط.
والأهم من كل ذلك السعي في إظهار عناصر التفوق التكنولوجي والاستخباري الإسرائيلي، والتي أدت إلى إصابة أكثر من خمسة آلاف عنصر حزبي، إضافةً إلى المدنيين، عجّت بهم المستشفيات في الجنوب والبقاع وبيروت والضاحية.
وما جرى أمس يضفي كثيراً من الدهشة على قدرة إسرائيل في إيلام خصومها، ومن عدم ارتداعها عن القيام بأي عمل. وهو إذا كان يريد تأكيد تفوقه الأمني، وأنه في حال يقظة دائمة، بحيث لا مكان بعد اليوم لحديث عن تسوية وحلول ووقف لإطلاق النار، في ظل محاولات المبعوثين الأميركيين خلق تسوية إقليمية.
وأمام كل هذا التحول في أدوات الصراع، بدت إسرائيل تعتمد أساليب غير متخيلة، تهدف لإحداث تغييرات في نظرة الساحة اللبنانية في موازين الرعب والردع، وتعميم الخوف على بيئة حزب الله الحاضنة، على اعتبار أن السلعة الأبرز التي يقدمها الحزب لجمهوره هي سلعة الأمن الذي يوفره لجمهوره وحاضنته، في حين أتت هذه الضربة المعقدة لتضرب أساسياتها في العمق، بما يفوق اغتيال فؤاد شكر بأضعاف مضاعفة، ما يعني أن نتنياهو في ذروة النقاش الدولي والأميركي لمنع تمدد الحرب أراد القول إنه قادر على الفوز دون تحريك جندي واحد برياً.

للمفارقة فإنه وفي غمرة الترقب الأكبر حول شن إسرائيل عملية عسكرية برية أو جوية، تترافق مع اغتيالات ضد الحزب، قام نتنياهو بضربة أمنية معقدة وسيبرانية، الهدف الأبرز منها اختبار القدرة اللوجستية لحزب الله

من هنا لا يمكن تجاوز الهدف الأبرز لإسرائيل من خلال العملية هذه، وهو وضع الحزب أمام أزمة اتصال وتواصل، عبر ضرب سلاح الإشارة الذي خاض الحزب لأجله حروباً وانقلابات داخلية، بين القيادة العسكرية والأمنية والسياسية، تمهيداً لعمل عسكري محتمل، ما يعني أن التصعيد أصبح واقعاً مهما استخدمت التعابير المخففة.
وثمة من يعتقد أن ما جرى هو في إطار توازن الرعب والمواجهة المفتوحة منذ أشهر بين حزب الله وإسرائيل، حيث أراد الجانب الإسرائيلي وتحديداً عقب إطلاق الحوثيين لصاروخ باليستي باتجاه تل أبيب، وعلى مقربة من الذكرى السنوية الأولى لعملية "طوفان الأقصى"، قلب المعادلة في ظل فشله الذريع في القضاء على حركة حماس في غزة أو اغتيال زعيم حركة حماس يحيى السنوار، عبر تنفيذ 7 أكتوبر إسرائيلي لكن في إحدى جبهات الإسناد وهو لبنان.
وللمفارقة فإنه وفي غمرة الترقب الأكبر حول شن إسرائيل عملية عسكرية برية أو جوية، تترافق مع اغتيالات ضد الحزب، قام نتنياهو بضربة أمنية معقدة وسيبرانية، الهدف الأبرز منها اختبار القدرة اللوجستية لحزب الله، وإرباك ساحته وإشغال بنيته الصحية والاجتماعية، في ظل انعدام القدرة على آلية تواصل داخلي آخر تحضيراً لعمل عسكري أوسع أو توسيعاً للعدوان في الجنوب أو في منطقة البقاع.
بالمقابل، لبنان الرسمي، أو حتى لبنان "حزب الله"، كان لديه نظرة مختلفة قبيل عملية تفجير الأجهزة، أهمها أن واشنطن عبر مبعوثها آموس هوكشتاين كانت تمارس الحد الأقصى للضغوط على نتنياهو لمنع حصول التصعيد الكبير، عبر حجب أي غطاء سياسي على رغبات نتنياهو الهجومية، وبدا أن جل ما حصله نتنياهو من الأميركيين هو القيام بضربات مركزة ومحدودة ضد مصالح حزب الله ومواقعه، مع تكثيف الاغتيالات في سوريا ولبنان.
من هنا أتت قراءة الحكومة اللبنانية لحجم التباينات والصراعات والتحديات الداخلية الإسرائيلية، فرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، والذي تحول وسيطاً بين المجتمع الدولي وحزب الله، سمع من الفرنسيين والمصريين كلاماً يوحي بأن الواقع الداخلي الإسرائيلي لا يتيح لنتنياهو اتخاذ قرار بشن الحرب، في ظل حاجة إسرائيل لتحضير الفرق العسكرية البرية والبحرية للقتال ضد الحزب وهذا الأمر يحتاج لفترة زمنية ليست بقليلة، وخاصة أن تل أبيب لم تنته من معركتها المفتوحة في قطاع غزة بكل ما سببته من عطب أمني وعسكري، ما يعني أن إسرائيل لن تكون قادرة على فتح جبهة جديدة.

حزب الله المخترق بهواتفه الخاصة، بدءاً من الشركة المصنعة وصولاً للمورد والمسهل والموزع وليس انتهاء بالعنصر الوسيط، أمام تحدٍ أكبر وهو كشف ملابسات هذا الخرق الاستخباري الكبير الذي تعرض له.

لكن الأهم ومع تمدد العملية جغرافياً، لتشمل كوادر لحزب الله في سوريا، يتبين أن حجم الخرق الأمني بات عميقاً وهو مرتبط بطبيعة الواقع المفتوح على المعلومات في سوريا والتي باتت مسرح استهداف مباشر منذ سنوات للجانب الإسرائيلي، ما يضع حزب الله أمام اختبار وأسئلة عن الواقع الأمني المحيط المليء بأجهزة استخبارات المنطقة إضافة للسماء المفتوحة أمام مسيرات إسرائيل.
لكن السؤال الأبرز، كيف سيرد حزب الله؟ يأتي الجواب من عمق الواقع، إنه اليوم وبعد اختراق بنية الاتصالات وما نتج عنها من آلاف الجرحى وعشرات القتلى، بات حزب الله أمام امتحان جديد يشبه امتحان الرد على اغتيال فؤاد شكر، فالحزب الحريص على عدم توتير الأوضاع والذهاب لحرب إقليمية واسعة، سيجد نفسه مضطراً للرد على أضخم استهداف في تاريخه، وهذا التحدي بات أوسع مع سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين منذ بداية الحرب.
فيما الأهم أن عملية تفجير الأجهزة اللاسلكية "البيجر" لا ينفصل عن مشروع نتنياهو القاضي بإقالة وزير الدفاع يوآف غالانت، الذي يعارض شن هجوم كبير على الحزب، إلى وجود نوايا لدى نتنياهو بتوسيع نطاق وأهداف الحرب على الجبهة الشمالية. وقد يكون استهداف شبكة اتصالات الحزب الهدف الأبرز منه إلى إضعاف قدرته على إدارة آمنة للتواصل بين قادته الكبار، تمهيداً لهجوم إسرائيلي واسع مُحتمل ضده كان يعارضه غالانت.
من هنا يمكن القول إن حزب الله بات في واقع الكماشة، فهو الحريص على عدم توسيع الحرب، وهذا الحرص تسبب في إظهاره ضعيفاً، في مرحلة دقيقة تسودها حالة القلق لدى طهران من التورط المباشر في الحرب، وانشغال الإدارة الديمقراطية الأميركية بالانتخابات الرئاسية المقبلة، ما يوفر الظروف المطلوبة لنتنياهو للذهاب بعيداً في استراتيجية الضغط العسكري على حزب الله، لإزالة التهديد الذي يشكله لإسرائيل في الشمال وربما بعمق جنوب الليطاني كاملاً.
وعليه فإن حزب الله المخترق بهواتفه الخاصة، بدءاً من الشركة المصنعة وصولاً للمورد والمسهل والموزع وليس انتهاء بالعنصر الوسيط، أمام تحدٍ أكبر وهو كشف ملابسات هذا الخرق الاستخباري الكبير الذي تعرض له، وقد يتعين عليه كحزب مخترق، الاستعداد للتعامل مع السيناريوهات الأكثر كلفةً، والتي سعى لتجنبها منذ بداية انخراطه في حرب الإسناد.