وضع العديد من المراقبين عيد الفطر كمحطة أساسية تنطلق من بعدها عجلة الحلول في لبنان بناء على معطيات مختلفة. إن الصراعات اللبنانية-اللبنانية تمنع أي حل داخلي في لبنان فبعد مرور نحو 6 أشهر على انتهاء ولاية الرئيس عون يبدو أن أيا من الأطراف اللبنانية ليس على استعداد للتراجع عن تموضعه أو حتى التفاوض. فالثنائي الشيعي أكد دعمه لسليمان فرنجية كما أكدت الأطراف المقابلة رفضها لهذا الاسم رفضا تاما ودعمها الضمني لقائد الجيش العماد جوزيف عون باستثناء التيار الوطني الحر المتمسك باسم ثالث يكون أقرب له في السياسة.
في الوقت عينه يتدحرج واقع لبنان المعيشي بكل جوانبه على الرغم من فرملة سياحة الأعياد للانهيار والأمل بأن يلعب الصيف الدور نفسه في ظل الخوف من الفراغ في حاكمية مصرف لبنان قبل إتمام الاتفاق في لبنان.
التصلّب الداخلي وجه الأنظار للحل الخارجي لذلك يتم تحليل كل متغير إقليمي وإمكانية انعكاسه على لبنان. اليوم يبدو أن المتغير الأبرز هو تسارع الخطى العربية نحو الأسد والتقارب مع إيران. أول انعكاس لذلك سيكون بانخفاض حدة الخطاب الداخلي، للأطراف اللبنانية الرئيسية أصحاب الارتباطات الخارجية، على اعتبار توجه الرعاة الإقليميين نحو التقارب الجديد.
توحي الأجواء بأن حظوظ رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، مرشح الثنائي الشيعي للرئاسة والصديق الشخصي والتاريخي للأسد والقيادة السورية، ترتفع نسبيا نظرا للتقارب العربي المتسارع مع الأسد وبأنه من رضي بالاتفاق في سوريا لن يعيه الاتفاق في لبنان على قواعد مشابهة وفي سلة حلول متكاملة تقودها فرنسا وتميل كفتها لمصلحة الأسد.
بالنسبة لفرنسا فإن خيارها لم يتغير بدعم فرنجية مقابل إعطاء المعارضة في لبنان رئاسة الحكومة متمثلة بنواف سلام على سبيل المثال
بشكل أوضح لا يمكن للحل في لبنان أن يكون برئيس فقط، ولكنه سيكون بسلة متكاملة نظرا لكون الرئيس بشخصه أو موقعه لن يتمكن من إحداث تغيير كبير إن لم يصحب باتفاق عام وأشمل نظرا لتركيبة لبنان المقعدة وتعدد الأفخاخ فيها. بالنسبة لفرنسا فإن خيارها لم يتغير بدعم فرنجية مقابل إعطاء المعارضة في لبنان رئاسة الحكومة متمثلة بنواف سلام على سبيل المثال. تحاول فرنسا تقديم هذا الطرح بشرط قبوله من قبل اللاعبين الإقليميين الأبرز وبالتالي فتح صفحة لبنانية جديدة تكون فيها أهم القوى متفاعلة إيجابيا.
أما أسباب هذا التوجه الفرنسي الذي يبدو أقرب لدعم محور إيران فتعود لفشل طرح ماكرون الأول بتغيير الطبقة السياسية غداة انفجار 4 آب الشهير والتي انقلب بعدها إلى قبول الواقع ومحاولة الاستفادة منه والتعامل فيه مع الأقوى وهو حزب الله تحديدا. إضافة إلى ذلك فإن ماكرون الذي يحاول العودة للساحة الدولية بسياسة مستقلة حاول التواصل مع الصين فحصل منها على مكاسب تجارية في وقت تدخل فيه الصين للشرق الأوسط والساحة السياسية الدولية من البوابة العريضة وفي وقت يوجد فيه الروس أساسا في ملفات مختلفة في المنطقة والعالم وكان آخرها دعم "قوات الدعم السريع" في السودان. تحاول فرنسا التواصل مع إيران وأذرعها للحصول على مكاسب تجارية وسياسية إضافية كذلك.
إن العلاقة الفرنسية مع حزب الله في لبنان مهمة للفرنسيين المعنيين بالغاز في الجنوب اللبناني وبتأمين حلقة وصل مع إيران الموجودة في عدد من البلدان ناهيك عن السوق التجاري الإيراني الكبير والحضور الفرنسي في أفريقيا والذي يمكن أن يستفيد من الحضور الشيعي الوازن فيها والعقود التي ظهرت بين وزارة الأشغال اللبنانية، والتي يقودها وزير محسوب على حزب الله، والشركات الفرنسية.
حتى الآن لا يبدو أن التقارب العربي مع الأسد منعكس على لبنان وهو ما يظهر من خلال تصلب مواقف القوى اللبنانية المعارضة المدعومة خليجيا والتي تتشدد أكثر في رفض فرنجية
من هنا يظهر بأن التوجهات الفرنسية المتلاقية مع إيران والتعبير الأميركي عن استعدادهم للتعامل مع أي رئيس لبناني قادم، إضافة للتقارب السوري-الخليجي والإيراني- الخليجي والعربي كل ذلك يولد اندفاعة إيجابية لفرنجية نحو رئاسة الجمهورية ضمن سلة ترضي كذلك العرب والأميركيين.
لكن حتى الآن لا يبدو أن التقارب العربي مع الأسد منعكس على لبنان وهو ما يظهر من خلال تصلب مواقف القوى اللبنانية المعارضة المدعومة خليجيا والتي تتشدد أكثر في رفض فرنجية. يعطي هذا مؤشرا بأن شيئا لم يتغير تجاه لبنان ولا تزال القوى الإقليمية على مواقفها حتى الآن على الأقل. ولا يعني ذلك بتاتا أن الرياح الإقليمية لم تلفح لبنان، بل المقصود أن انعكاسها لم يبلغ حد الاتفاق، فعلى سبيل المثال أسكتت الرياح عددا من الأقلام والأصوات المعارضة للسعودية والمنطلقة من الضاحية الجنوبية.
فهل يستطيع الحزب ومحوره أن يحصلوا على تفاهما مرضيا في ملف الرئاسة اللبنانية والتسوية المتوقعة معه أم أنهم سيكونون من ينحني للريح في النهاية؟ لا جواب حتى الساعة والأمر يحتاج بعض الوقت للإجابة.
يبدو أن ملخص المشهد يكمن في الحركة القطرية التي تنسق مع الجميع وينتظر سياسيو لبنان زيارة قطرية جديدة لم تحدد بعد. من المتوقع أن تكون هذه الزيارة هامة في عملية طرح الأسماء والانطلاق في الحل بعد أن كانت الزيارة الأولى استطلاعية، في وقت توازن قطر بين مصالح كل القوى وعلى رأسها السعودية فينظر لمبادرتها عند وصولها الى أنها ستكون المبادرة التي تحظى بالاتفاق الدولي والتي على الجميع أن يتبناها وبالتالي حظوظها هي الأعلى. إذا، فالانتظار سيكون لموعد الزيارة القطرية القادمة للبنان والتي لن تكون استطلاعية، بل تفصيلية هذه المرة.