حرب وشيكة.. هل يستطيع النظام السوري أن يبقى في المنطقة الرمادية؟

2024.06.22 | 06:24 دمشق

آخر تحديث: 22.06.2024 | 06:24 دمشق

جنوب لبنان
+A
حجم الخط
-A

نتيجة للموقف الأميركي المناهض للحرب كانت بعض التحليلات السياسية تتجه للجزم أن حرب غزة سوف تبقى محصورة في غزة ولن تتجاوزها إلى أماكن أخرى، ولم تكن هذه التنبؤات بعيدة عن المنطق، حيث بذلت أميركا جهودا حثيثة لحصار هذه الحرب مستخدمة كل الوسائل التي تمتلكها؛ سياسية كانت أم عسكرية أم اقتصادية، ولكن رغم ذلك، ونتيجة لظروف استثنائية؛ فامتداد الحرب نحو جبهات أخرى اليوم أصبح وشيكا.

حرب الجبهة اللبنانية بدأت بالفعل

مع بداية حرب غزة قام حزب الله اللبناني ببعض الاستعراضات المدروسة بهدف حفظ ماء الوجه، وسمى تلك المناوشات المحدودة بأنها حرب مشاغلة، بينما سماها البعض "حرب العمود"، وهي التسمية الأكثر قربا من الواقع حتى وقت قريب، لكن الهجمات الإسرائيلية التي اتخذت طابعا تصعيديا من حيث الكم والنوع والقسوة وامتداد الرقعة الجغرافية للاستهدافات جعلت الصورة تبدو أشبه ما تكون بالتمهيد الذي يسبق الهجوم العنيف، خصوصا أن قادة الكيان الصهيوني أصبحوا يفصحون – بالعلن – عن نيتهم بفتح جبهة لبنان. لذلك، الآن يمكن القول إن حرب الجبهة اللبنانية قد بدأت بالفعل.

هل يستطيع النظام السوري أن يبقى في المنطقة الرمادية؟

عندما استُدعي رأس النظام إلى طهران بعد حادث تحطم الطائرة الذي أودى بالرئيس الإيراني وصحبه؛ أبلغه مرشد نظام الملالي بأن الموقف الرمادي ممنوع. تماما كما أبلغ النظام السوري السوريين مع بداية الثورة أن الحياد مرفوض؛ فإما معنا أو علينا. إما أن نقتلكم ونشردكم، وإما أن تموتوا من أجلنا. وكما أن النظام السوري وضع السوريين أمام هذين الخيارين انطلاقا من سطوته عليهم، وضع نظام الملالي رأس النظام أمام هذين الخيارين نتيجة لفائض القوة الذي يمتلكه في سوريا. فدائما هذا هو حال من يستعين أو يتقرب من رجال العصابات والقتلة؛ يفقد حريته ويكلَف بالمهام الخطيرة والصعبة، فلا منطقة رمادية مع هؤلاء.

أميركا واستراتيجية "الاستدراج"

في كتاب "مأساة القوى العظمى" تحدث "جون ميرشايمر" عن استراتيجية "الاستدراج" والتي تعني توريط الخصوم في حروب طويلة أو محاولة المحافظة على استمرارية الحروب القائمة بهدف استنزافهم. وفيما يبدو أنه اعتمادا على هذه الفكرة؛ عندما تنشب أي حرب حول العالم يسارع الكثير من المحللين إلى اتهام أميركا باستدراج الطرف الذي شن الحرب، فهل تكون أميركا ضحية الاستدراج هذه المرة؟ في الواقع لدى الأميركيين فوبيا حقيقية من الانخراط في نزاعات مسلحة ممتدة طويلة الأمد، ولكن في الوقت نفسه؛ هم سيجدون أنفسهم في قلب المعركة فيما لو اتخذت منحى متصاعدا. لذلك هم سارعوا لإرسال المبعوث الخاص "آموس هوكشتاين" في محاولة أخيرة لخفض التصعيد.

خيار أميركي آخر

حاول "هوكشتاين" أن يخلق بيئة ضاغطة على حزب الله بتخويف اللبنانيين من ويلات الحرب، وأوصل رسائل لحزب الله بأن الحرب سوف تكون مدمرة وقاسية، لكن حزب الله بقي متشددا في موقفه معولا على أن أميركا المتخوفة جدا من الحرب ستمارس ضغوطا هائلة على "نتنياهو" لإجباره على التراجع عن قرار الحرب. فيما كان فحوى رسالته للجانب الإسرائيلي: إن فتح جبهة الشمال ستكون له تداعيات كارثية. ولكن فيما لو بقي "نتنياهو" مصمما على موقفه نتيجة لظروفه الخاصة وتعويلا على ضعف موقف الإدارة الأميركية قبيل الانتخابات، فإن الإدارة الأميركية ستُرغم على خوض الحرب إلى جانب إسرائيل من أجل محاولة جعلها حربا قصيرة وخاطفة، أو أنها أمام خيار آخر يقتضي بأن تقدم للطرفين مساحة لحرب قصيرة منضبطة تشبه ما حصل بين إسرائيل وإيران بعد قصف القنصلية الإيرانية في سوريا.

خيار تدعمه إيران

تتشارك إيران وأميركا هاجس الخوف من حرب مفتوحة وشاملة، وهي في الوقت نفسه لا تمتلك خيار التراجع، فالتعنت الذي أبداه حزب الله هو تعنت إيراني قبل كل شيء، فالإيرانيون يعتقدون أن التراجع خطوة نحو الخلف سيليه تراجع بخطوات أخرى في سلسلة لن تتوقف إلا بنهاية المشروع الإيراني، وهذا ما عبر عنه مرشد النظام الإيراني في خطابه الموجه لرأس النظام السوري. من أجل هذا فإن نظام الملالي في طهران – في حال تصميم الإسرائيليين على فتح الجبهة الشمالية – سيكون داعما بقوة لخيار حرب محدودة (أشبه بالتمثيلية) يخرج الجميع منها منتصرا بمعنى ما. أو لنقل: تستطيع كل الأطراف المشاركة فيها أن تدعي الانتصار، بما في ذلك أميركا التي ستتفاخر إدارتها أنها استطاعت تلافي حرب كارثية النتائج.

ماذا لو خرجت الأمور عن السيطرة؟

في منطقتنا العربية يقال إن شهر تموز هو شهر الحروب، وهذه المرة أيضا يبدو أن الأيام القادمة. أي الأيام الأولى من تموز تحمل معها نذر الحرب، فرغم المحاولات الأميركية الجادة لمنع هذه الحرب تبدو مؤشرات التصعيد أكثر رجحانا، فماذا لو خرجت الأمور عن السيطرة؟ وما موقف إيران؟ هل تنخرط في الحرب مباشرة أم تكتفي بإطلاق يد أذرعها؟ وهل ما زالت إيران تنظر للنظام السوري على أنه نظام حليف أم أنه أحد الأذرع؟ وهل تقبل أميركا وإسرائيل ومن سيتحالف معهم بأن يخوضوا حربا مع ميليشيات دون معاقبة الرأس؟ أم أن الضربات ستمتد لتشمل الداخل الإيراني؟ هذه الأسئلة وغيرها تصعب الإجابة عنها، لكنها تشير بطريقة ما إلى مدى خطورة الموقف.

لكن؛ رغم كل المخاطر يعتقد الكثير من السوريين ومعهم الكثير من العرب أن هذه الحرب لو نشبت قد تحمل في طياتها القصاص لضحايا طرفي معادلة الإجرام، مع تمنيات بدمار وسحق للمجرمين والقتلة من كلا الطرفين.