icon
التغطية الحية

حرب السودان.. "سلة غذاء العالم" على مشارف مجاعة كبرى

2024.06.03 | 18:16 دمشق

مجاعة السودان
السودان مهدّد بخطر مجاعة "كارثية" (تويتر)
تلفزيون سوريا - سعيد اليوسف
+A
حجم الخط
-A

يواجه السودان الآن أزمة غذائية حادّة وخطر مجاعة وشيك يهدّد نصف سكّانه، حيث يعاني نحو 18 مليون إنسان بينهم 3.6 ملايين طفل، من الجوع الحاد، وذلك في بلد يُعرف بأنّه "سلة غذاء العالم".

وأعلنت الأمم المتحدة، أنّ نصف سكّان الشعب السوداني يواجهون "خطر المجاعة الوشيك"، في ظل القصف المستمر وانقطاع المساعدات، مشيراً إلى أنّ البلاد تحتاج إلى مساعدات بقيمة 2.6 مليار دولار، لكنه لم يحصل سوى على 1.3 مليار دولار حتى الآن.

وبحسب مسؤولين أممين، فإنّ "(الوقت ينفد) أمام منع حدوث كارثة إنسانية في السودان، مشيرين إلى أنّ العاملين في مجال الإغاثة الإنسانية، يعانون من صعوبات في التنقّل ونقص كبير في التمويل.

تحذير أممي: حياة أطفال السودان في خطر

ثلاث وكالات تابعة في الأمم المتحدة أصدرت، أمس الأحد، تحذيراً شديداً من أنّ جميع المؤشرات تدلّ على تراجع كبير في وضع التغذية للأطفال والأمهات بالسودان.

وجاء في بيان مشترك لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية، أنّ "أرواح أطفال السودان باتت في خطر جسيم، ولا بد من إتيان عمل عاجل لحماية جيل كامل من سوء التغذية والأمراض والموت".

وبحسب الوكالات الثلاث فإنّها أجرت تحليلاً، مؤخّراً، أكّد على أنّ "الاقتتال الراهن يفاقم العوامل المحرّكة لسوء التغذية بين الأطفال، ومن بينها: نقص إمكانية الحصول على الأغذية ومياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي، وازدياد خطر الإصابة بالأمراض".

وهذا الوضع أيضاً، يفاقم التهجير الهائل للسكّان، إذ فرّ عدد كبير منهم من مناطق النزاع، مشيراً البيان إلى أنّ "السودان يواجه خطراً متزايدا بوقوع مجاعة، قد تؤدي إلى تبعات كارثية، منها خسائر في الأرواح وخصوصاً بين الأطفال الصغار".

وقالت الوكالات الأممية إنّ "السودان يُخاطر بخسارة جيل كامل، وما ينطوي عليه ذلك من تبعات جسيمة على مستقبل البلد"، مردفةً: "منظمة الصحة العالمية وشركاؤها موجودون في الميدان لمنع سوء التغذية الشديد وعلاجه، لكننا بحاجة إلى إمكانية وصول إنساني مستمر ودعم مالي كامل لنتمكن من فعل ذلك".

وسبق أن حذّرت "يونيسيف" إلى جانب 19 منظمة إنسانية دولية، من حدوث "مجاعة وشيكة" في السودان، ومن خسائر فادحة في أرواح الأطفال، نتيجة الحرب المتواصلة وتفشّي المجاعة، مطالبة بوقفٍ فوري لإطلاق النار.

"وفاة طفل كل ساعتين" في السودان

تتحدّث تقارير إخبارية عن معاناة صعبة يعيشها مئات آلاف النازحين في مخيم "زمزم" بولاية شمال دارفور، نتيجة المستويات العالية من سوء التغذية الناجمة عن عدم كفاية المساعدات الإنسانية، بعد مرور أكثر من عام على الحرب في السودان.

ومخيم "زمزم" الواقع جنوب غربي مدينة "الفاشر" عاصمة ولاية شمال دارفور، يعدّ أحد أكبر وأقدم مخيمات النازحين في السودان، حيث يعيش فيه أكثر من 300 ألف نازح، يعانون ظروفاً صعبة.

وفي تقرير صادر عن منظمة "أطباء بلا حدود"، أواخر شباط الماضي، فإنّ الأطفال هم الأكثر تضرراً في مخيم "زمزم"، حيث يموت طفلاً واحداً على الأقل كل ساعتين، وذلك بسبب سوء التغذية وانعدام الغذاء والرعاية الطبية.

وسبق أن كشف فحص سريع لمعدلات سوء التغذية والوفيات أجرته "أطباء بلا حدود"، منتصف كانون الثاني الماضي، عن وضع كارثي في مخيم "زمزم"، حيث أشارت النتائج إلى أن جميع الحالات الطارئة تجاوزت عتبات سوء التغذية، بينما كان معدل الوفيات كارثياً.

وبحسب منظمة "أطباء بلا حدود، فإنّه منذ بداية الحرب في السودان، شهر نيسان 2023، فرّ قرابة 1.6 مليون شخص من البلاد، بحثاً عن الأمان، بينهم نحو 610 آلاف شخص عبروا الحدود إلى تشاد المجاورة.

ومنذ 10 أيار الفائت، تشهد مدينة "الفاشر" اشتباكات بين الجيش -تسانده قوات الحركات المسلّحة الموقّعة على اتفاق سلام- و"قوات الدعم السريع"، رغم التحذيرات الدولية من استمرار المعارك في "الفاشر"، حيث تعدّ مركز العمليات الإنسانية لكل ولايات دارفور.

السودان.. تراجع إنتاج الحبوب يُنذر بتفاقم الجوع

في منتصف نيسان الماضي، حذّرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو)، من أنّ إنتاج المحاصيل الأساسية في السودان مثل القمح والذرة الرفيعة والأرز والذرة الشامية، انخفض بنسبة 46% مقارنة بالعام الفائت، ما يجعل من المستحيل سد العجز بالمساعدات الغذائية فقط.

وبحسب تقارير الأمم المتحدة، فإنّ "فاو" تحتاج إلى 104 ملايين دولار من أجل خطة طوارئ تدعم نحو 10 ملايين سوداني، هذا العام، بمدخلات الإنتاج في الموسم الزراعي المقبل في حزيران، لكنها تلقّت أقل من 10% من التمويل المطلوب​.

وأشارت التقارير إلى أنّه "دون وقف فوري للأعمال القتالية ونشر كبير للمساعدات الإنسانية، فإنّ سكّان ولايات (الخرطوم والجزيرة ودارفور الكبرى وكردفان الكبرى) مهددون بالوصول إلى أسوأ مستويات انعدام الأمن الغذائي الحاد وسوء التغذية، خلال موسم الجفاف المقبل الذي بدأ في نيسان الماضي".

مع تجاوز الحرب الداخلية عامها الأوّل، فإنّ المعطيات لا تشير إلى حلّ قريب قد يلوح في الأفق، رغم انتقال السودان إلى المرحلة الأخيرة من المؤشر العلمي للمجاعة، بحسب المدير الإقليمي للشرق الأدنى وشمالي إفريقيا لمنظمة "فاو" عبد الحكيم الواعر.

والمؤشر العلمي للمجاعة المعتمد من الأمم المتحدة هو ما يعرف بـ"التصنيف المرحلي للفئات المتضررة"، ويتكون من 5 مراحل، أخطرها:

  • المرحلة الثالثة (الطوارئ): تعني الحصول على وجبة واحدة في اليوم بشكل منتظم.
  • المرحلة الرابعة (الكوارث): الحصول على الوجبة الواحدة بشكل غير منتظم.
  • المرحلة الخامسة: يتعرّض فيها الشخص لخطر المجاعة، لأنّه قد يمكث لمدة يومين أو أكثر من دون طعام أبداً.

وقال "الواعر" -خلال حوار مع "الجزيرة نت"- إنّ عدداً كبيراً من السودانيين انتقلوا من مرحلة "الطوارئ" إلى مرحلة "الكوارث"، كما انتقل بعضهم إلى المرحلة الخامسة، والتي تعني فقدان القدرة على توفير تلك الوجبة حتى بشكل غير منتظم، ما يؤدّي إلى وفاة اثنين -من كل ألف- بالموت جوعاً، وهي الحالة التي يُعلن عندها علمياً، أنّ منطقة تعاني من المجاعة، وهو ما تحذّر منه المنظمات الأممية الآن.

ووجّه "الواعر" نداء إلى المانحين العرب، خاصّة دول الخليج، قائلاً: إنّ "السودان، وهو مورد للغذاء لكم بشكل مباشر وغير مباشر، يستحق أن تبادروا بدعم خطة الطوارئ لمساعدة نحو 10 ملايين من صغار المنتجين والمزارعين بمدخلات الإنتاج في الموسم الزراعي المقبل في حزيران"، مشيراً إلى أنّ هذا الأمر لا ينطبق على السودان فقط، بل على سوريا أيضاً، فقد كانت إحدى سلال الغذاء الواعدة، حتى إنّها كانت تصدّر القمح.

وبحسب "الواعر"، فإنّه ما تزال هناك فرصة سانحة للإنقاذ، لكنّ المشكلة أن بنك الجينات في السودان يوجد في منطقة مأهولة بالسكّان تدور حولها صراعات، وهي منطقة "وادي مدني"، لافتاً إلى أنّهم ينسّقون مع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" ووزارة الزراعة السودانية، لتأمين الوصول إلى البنك وتسهيل نقل محتوياته إلى مكان آمن داخل السودان أو خارجها، إذ يضم هذا البنك 15 ألفا من الموارد الوراثية النباتية التي جُمعت خلال 40 عاماً، وهذه ثروة لا تقدر بثمن.

"سلة غذاء العالم" جائعة

يعدّ السودان -بحسب تقارير أممية- من أضخم بلدان إفريقيا والشرق الأوسط مساحة، والعاشر في العالم، وفيه أطول امتداد لأطول نهر (النيل) في العالم، ولديه موارد طبيعية من الأراضي الزراعية تصل إلى 200 مليون هكتار، كما يتمتع بمساحات شاسعة من الغابات المطرية تقدّر بنحو 74 مليون هكتار.

وكان يمتلك 138 مليون رأس من الثروة الحيوانية، ومخزوناً سمكياً يقدّر إنتاجه السنوي بنحو 110 آلاف طن، وتتوفّر فيه كميات من مياه الأمطار والأنهار الموسمية والوديان، يقدّر إيرادها السنوي بتريليون متر مكعب، وتتراوح الكمية المقدّر سحبها سنوياً من المخزون الجوفي بين 150 و645 مليار متر مكعبـ، ما يجعله أحد أبرز المرشحين للمساهمة في توفير الغذاء على المستوى الإقليمي والعالمي.

لذلك، وفي أعقاب أزمة الغذاء العالمية، عام 2007، نظّمت الأمم المتحدة مؤتمراً للبحث عن حلول، دعت خلاله حكومة السودان للمساعدة في تحقيق الأمن الغذائي العالمي المأزوم، رغم الحصار الدولي على النظام السوداني ومطالبة رئيسه، آنذاك، عمر البشير، بالمثول أمام المحكمة الجنائية الدوليّة.

لكن في شباط من العام 2011، وقعت الكارثة الأولى، حيث انفصل جنوبي السودان عن شماله، وفقد الجنوب الأمن والغذاء وتحوّل إلى دولة "فاشلة" تمزقها الحرب الأهلية، بحسب تقارير إخبارية، في حين فقد الثاني ثلث مساحته و80% من موارده البترولية الواعدة، وعجز عن إطعام شعبه، مع عجزه في أن يكون "سلّة غذاء" له ولغيره، حتّى طالت الطوابير كثيراً أمام أفران المخابز في العاصمة الخرطوم.

وفي منتصف العام 2021، أي بعد عقد من تلاشي الأمل في أن يكون السودان (سلة غذاء العالم)، وقبل اندلاع الحرب والصراع بين الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع"، اللذين أسقطا نظام "البشير" بعزله، في نيسان 2019، جاءت الكارثة الثانية في تصنيف لصندوق النقد الدولي، يعتبر فيه أنّ السودان واحد من أفقر بلدان العالم.

بعد سنوات، وتحديداً في منتصف شهر نيسان من العام الفائت 2023، دخل السودان في حالة فوضى عارمة، بعد اشتباكات مسلّحة اندلعت بين الجيش بقيادة (عبد الفتاح البرهان) و"قوات الدعم السريع" بقيادة (محمد حمدان دقلو) "حميدتي"، في العاصمة الخرطوم، وامتدت إلى مناطق عديدة، أبرزها ولايتا: شمالي دارفور وغربي دارفور.

في ظل هذه الاشتباكات والصراعات المستمرة، منذ أكثر من عام، والتي خلّفت نحو 15 ألف قتيل وأدّت إلى "أكبر أزمة نزوح داخلي"، يدخل السودان في دوّامة كارثة جديدة، حيث تهدّد نصف سكّانه بـ"أكبر أزمة جوع في العالم".

السودان على مواقع التواصل الاجتماعي

يشار إلى أنّ مواقع التواصل الاجتماعي ضجّت، خلال اليومين الفائتين، بأخبار السودان وأهله، مطالبين بتسليط الضوء وتكثيف الضخ الإعلامي عمّا يجري في السودان من معارك ومجازر ما تزال مستمرة، منذ أكثر من عام، بين الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع".

وتحت وسم "#السودان_خارج_التغطية_الإعلامية" و"#تحدثوا_عن_السودان"، ندّد ناشطون بغياب مأساة السودان عن وسائل الإعلام، مع تداول مقاطع فيديو قالوا إنّها لـ جرائم ترتكبها "قوات الدعم السريع"، حيث تُجبر الناس على دفن بعضهم أحياء، وإغراق آخرين في الأنهار، وحرق المنازل وتدميرها فوق رؤوس ساكنيها.