icon
التغطية الحية

توقيت استثنائي.. هل تنجح زيارة الصفدي لدمشق في تبديد مخاوف الأردن؟

2024.10.26 | 06:49 دمشق

آخر تحديث: 26.10.2024 | 10:00 دمشق

43
هل تنجح زيارة الصفدي لدمشق في تبديد مخاوف الأردن؟
إسطنبول - خاص
+A
حجم الخط
-A

وصف الإعلام الأردني زيارة وزير الخارجية أيمن الصفدي إلى دمشق بأنها "استثنائية"، ورغم التشابه في البيانات الرسمية الصادرة عن الطرفين حول الملفات التي نوقشت في الاجتماع وهي مطروحة ومكررة، مثل عودة اللاجئين والحل السياسي في سوريا، إلا أن السياق التصعيدي المتوتر في المنطقة يوحي بوجود أهداف غير معلنة تتجاوز التصريحات المعلنة.

في ظل تصاعد التوتر العسكري بين المحور الإسرائيلي والمحور الإيراني، تتزايد مخاوف الأردن من احتمالية انجراره إلى صراع إقليمي واسع، خاصة أنه يتوسط الخارطة بين البلدين، فطهران إلى شرقه وتل أبيب إلى غربه، إلى جانب تجدد مخاوفه من سعي طهران إلى فتح جبهة جديدة على أراضيه تجاه إسرائيل لتخفيف الضغط عن حليفها في لبنان.

وسط هذه التطورات، جاءت زيارة الصفدي بعد خمسة أيام فقط من زيارة وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، إلى عمان، مما يثير السؤال الأهم: ما هي الرسائل التي حملها عراقجي للمسؤولين الأردنيين والتي دفعت الوزير الأردني إلى التحرك العاجل نحو دمشق؟

صندوق بريد

منذ عودة العلاقات بين البلدين، تحول الأردن إلى "صندوق بريد" يحمل الرسائل والمواقف الإقليمية إلى النظام السوري. فمنذ فبراير/ شباط 2023، أجرى الصفدي ثلاث زيارات رسمية إلى دمشق، حملت كل منها رسائل سياسية واضحة تعكس توجهات عربية وإقليمية تجاه نظام الأسد.

في الزيارة الأولى، التي جاءت بعد زلزال شباط المدمر في سوريا، ورغم أنها كانت تحت ذريعة التضامن الإنساني وإيصال المساعدات، إلا أنها حملت المبادرة العربية التي تبنتها الأردن ورعتها ودعمت إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية والحضن العربي.

الزيارة الثانية كانت في تموز من نفس العام، وحينها حمل الصفدي رسالة استياء واضحة إلى النظام السوري لعدم التزامه ببنود المبادرة العربية، لا سيما فيما يتعلق بتهريب المخدرات إلى الدول المجاورة وعدم اتخاذ خطوات في ملف إعادة اللاجئين، مما أدى إلى تعليق اجتماعات لجنة الاتصال العربية.

وخلال هاتين الزيارتين، أدلى الصفدي بتصريحات مباشرة من دمشق. ففي الأولى، ألمح من مطار دمشق إلى المبادرة العربية ووجود جهود إقليمية للتوصل إلى حل سياسي ينهي ما وصفه بـ"كارثة سوريا". أما في الزيارة الثانية، وجّه الصفدي انتقاداً حاداً للنظام من قلب دمشق، مذكراً إياه بضرورة تطبيق القرار الأممي 2254 الذي ينص على تحقيق انتقال سياسي، في إشارة ضمنية إلى ضرورة رحيل النظام.

لكن في زيارته الأخيرة، غاب تصريح الصفدي تماماً، واكتفى الطرفان بإصدار بيانات رسمية عبر حسابات وزارة الخارجية الأردنية ورئاسة الجمهورية التابعة للنظام، التي أكدت أن الصفدي نقل رسالة شفوية من الملك الأردني عبد الله الثاني حول "جهود حل الأزمة السورية ومعالجة كل تبعاتها، وعدد من القضايا الثنائية والأوضاع في المنطقة".

من جانبها، نقلت صحيفة "الوطن" شبه الرسمية عن مصادر دبلوماسية أن اللقاء بين الصفدي والأسد كان "إيجابياً جداً"، وأن "العناوين التي تمت الإشارة إليها في البيانات الرسمية الصادرة عن الجانبين السوري والأردني هي ما جرى التطرق إليه خلال هذه المحادثات".

وأشارت إلى أن العناوين تشمل "ملفات عودة اللاجئين السوريين وكيفية مساعدة سوريا على تهيئة الظروف لعودتهم، والجهود الأردنية في سياق إنهاء الأزمة السورية، وترتيب الأمور مع لجنة الاتصال العربية، إضافة إلى تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين".

حسب الوزير الأردني السابق بسام العموش، فإن زيارة الصفدي كانت لها أهداف عدة، الأول هو استمرار التواصل مع النظام السوري باعتبار أن الأردن قاد سوريا إلى الحضن العربي، وهذا التواصل يقلل من المخاطر القادمة من سوريا نوعاً ما.

الهدف الثاني، حسب ما قاله العموش لموقع "تلفزيون سوريا"، هو التشاور بشأن مستقبل الوضع الإقليمي، حيث تحاول إسرائيل توسيع دائرة الحرب للخروج من أزمتها بترحيلها إلى أراضٍ جديدة، معتبراً أن "الخطر داهم إذا نجح ترامب الذي يتحدث عن توسيع حدود إسرائيل، باعتبار هذه الأراضي أعطاها الرب لليهود على حد تعبيره، ووعد أنه إذا نجح سيباشر تنفيذ ذلك مما يعني الخطر الداهم على الأردن وسوريا ولبنان وربما غيرها".

واعتبر العموش أن "النظام السوري قد يجامل الأردن، لكن الوجود الإيراني في سوريا هو الأهم بالنسبة له، والإيرانيون لا يطلبون إذناً من النظام السوري إذا أرادوا فعل أي شيء، هذا إذا افترضنا أن النظام غير راضٍ عن محاولات إيران تجاه الأردن باسم التهريب".

هدوء الجنوب.. مصلحة أردنية

لا يمكن قراءة زيارة الصفدي بمعزل عن المخاوف الأمنية التي تؤرق الأردن، وتزايد مخاوفه من احتمالية اندلاع حرب شاملة عقب استهداف إسرائيل مواقع عسكرية على الأراضي الإيرانية.

ويُعد موقع الأردن الجغرافي بين إسرائيل وإيران حساساً، فهو في مرمى الصراع، وسط تخوف من تحوله إلى ساحة لتصفية الحسابات، خصوصاً في ظل تهديدات إيرانية سابقة بأن "الأردن سيكون التالي" بعد مشاركته في إسقاط طائرات مسيرة وصواريخ إيرانية كانت متجهة إلى تل أبيب في أبريل/ نيسان الماضي.

وإلى جانب ذلك، تزداد مخاوف الأردن من احتمالية دخول سوريا في الصراع وإشعال جبهة الجولان، مما يعني تحول الجنوب السوري، الذي كان يشكل تهديداً مستمراً للأردن في السابق، إلى بؤرة نزاع جديدة، ما يفتح الباب أمام تداعيات أمنية غير محسوبة.

وأكد الصفدي، في تصريح عام 2022، على أهمية استقرار الجنوب السوري بالنسبة للأردن، قائلاً إن "استقرار الجنوب السوري هو مصلحة وطنية لبلاده".

وعلى مدى السنوات الماضية، أصبح الأردن هدفاً استراتيجياً لإيران، التي سعت بشتى الوسائل إلى زعزعة استقراره والتغلغل فيه عبر اتخاذ الجنوب السوري طريقاً لتهريب الأسلحة وتوظيف شبكات ميليشيات ومجموعات مسلحة، وهو ما أكده مسؤولون أردنيون مراراً وتكراراً.

في نيسان الماضي، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن إيران تهرّب الأسلحة إلى الضفة الغربية في فلسطين عبر مسارات تمر من سوريا، مؤكدة أن عملية التهريب السرية "تزيد من المخاوف من أن طهران تسعى إلى تحويل الضفة الغربية إلى نقطة الاشتعال التالية في حرب الظل المستمرة منذ فترة طويلة بين إسرائيل وإيران".

ومؤخراً، شهدت الحدود الأردنية مع إسرائيل عمليتين أمنيتين: الأولى نفذها سائق شاحنة أردني عند جسر اللنبي في 8 من الشهر الماضي وأسفرت عن مقتل ثلاثة إسرائيليين، والثانية قبل أسبوع عندما تسلل شخصان عبر الحدود وأطلقا النار على الجنود الإسرائيليين قبل مقتلهما.

حسب ما قالت عضوة الكنيست الإسرائيلي عن حزب (الليكود) اليميني عنات بركو، فإن "الأردن في خطر وجودي"، معتبرة أن إيران "تحاول تدمير الأردن من أجل السيطرة والتصرف ضدنا من الحدود الشرقية".

في حين ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن "إيران تحرك الوضع وتمارس ضغوطاً هائلة على حدود المملكة من العراق وسوريا، وبالتالي تحول الأردن إلى بلد يتقاسم حدوده مع التنظيمات الوكيلة لإيران".

ما وراء زيارة الصفدي؟

في ظل هذه المعطيات، ومخاوف الأردن من دخول سوريا في دائرة الصراع، توجه الصفدي بسرعة إلى دمشق في زيارة وصفها الباحث الأردني والمختص بالشأن السوري صلاح ملكاوي بأنها "استثنائية" وجاءت في "توقيت استثنائي".

وقال ملكاوي لموقع "تلفزيون سوريا" إن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أوضح خلال زيارته إلى الأردن بشكل صريح أن لدى إيران تقديراً للموقف يشابه ما لدى دول المنطقة، وأنهم أمام سيناريوهين: الأول هو "ضربة إسرائيلية ضد أهداف عسكرية وحكومية إيرانية، وهذه ستسعى إيران إلى امتصاصها وتقبلها دون رد يؤزم أوضاع الإقليم".

أما السيناريو الثاني والذي أصبح مستبعدا بعد انتهاء الرد الإسرائيلي، يشير إلى أن استهداف إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية أو النفطية سيؤدي إلى حرب شاملة في المنطقة، وهو ما لم يحصل بطبيعة الحال.

وأشار ملكاوي إلى أن عراقجي كشف عن وعود تلقاها من النظام السوري في الحالتين وخاصة دوره في السيناريو الثاني، ودور الأراضي السورية المستباحة للميليشيات.

وأكد الباحث الأردني أن "القيادة الأردنية رغبت بالاستماع، وبشكل مباشر، لدور دمشق في حال توجيه ضربة قوية لإيران، وحقيقة ما نقله الوزير عراقجي عن لسان القيادة السورية في دمشق"، مشيراً إلى أن "تقييم اللقاء كان إيجابياً جداً".

من جانبه، يرى الأستاذ الجامعي والمحلل الجيوسياسي الأردني عامر سبايله أن توقيت زيارة الصفدي مهم بالنسبة للأردن بسبب "خطورة مرحلة قادمة سيتم فيها استهداف ميليشيات إيران في المنطقة وحتى الحرس الثوري، وبالتالي أي تداعيات قادمة، وخصوصاً على جبهة الجنوب السوري وأي تحرك لمحاولة تفعيل جبهة الجولان، سيطول ضرره الأردن".

وأكد سبايله أن هناك مخاوف أردنية من استمرار الأزمة وانتقالها إلى الجنوب السوري بشكل أكبر، مما قد يحول الحدود الأردنية إلى محطة استهداف.

واعتبر أن الأردن يرى أنه من الممكن التعويل على الموقف السوري، خاصة في ظل وجود رغبة سورية واضحة في تحييد الجغرافيا السورية بحيث ينأى بنفسه عن أي رد إسرائيلي قوي، مما يعني أن هذا الموقف يمكن الاستفادة منه والتعويل عليه لإيجاد نقطة تلاقي حول هذا الموضوع.