أعلن برنامج الأغذية العالمي، في شهر كانون الأول من العام المنصرم، أنه سينهي برنامجه للمساعدات في سوريا مع مطلع العام 2024، وذلك بسبب أزمة التمويل التي أدت بالفعل إلى تقليص البرنامج لمساعداته، إضافة إلى أن المستوى القياسي للاحتياجات الإنسانية على مستوى العالم ترتب عليه عدم قدرة الجهات المانحة على تقديم المستوى نفسه من الدعم.
وأضاف البرنامج بأنه سيواصل دعم العائلات المتضررة من الكوارث الطبيعية عبر برامج أصغر، إلى جانب الحفاظ على بعض خطط تغذية الأطفال ودعم سبل معيشة المزارعين.
العائلات المستفيدة سابقاً، غرقت أكثر في الفقر والجوع بعد توقّف المساعدات، وأُجبرت على الاعتماد بصورة متزايدة على استراتيجيات التأقلم الضارة، مثل إرسال الأطفال إلى العمل أو الزواج المبكر، أو الغرق في الديون.
ملامح التوقف بدأت تظهر منذ بداية العام الفائت
ملامح توقّف المساعدات الإنسانية بدأت تظهر مع بداية العام الفائت 2023، وذلك بعد تخفيض برنامج الأغذية العالمي حجم المساعدات بمعدل ما يقارب 50%، ووضع شروط قاسية ومعايير جديدة لمن يستحقون هذا المساعدات الغذائية.
وفي منتصف العام الفائت، أعلن البرنامج عن تخفيض أكثر في هذه الحصص الغذائية ورفع الفترة الزمنية للاستلام، حيث قال أحد المستفيدين من هذه المساعدات لـ موقع تلفزيون سوريا: "عائلتي تتألف من 9 أشخاص وكنا نحصل من إحدى الجمعيات الشريكة لبرنامج الأغذية العالمي على ثلاث سلل غذائية شهرياً، بعدها أصبحنا نحصل على حصة واحدة كل شهرين، رغم ذلك كنا دوماً نقول (بحصة بتسند جرة)، بعدها أُوقفت المعونات بشكل كامل".
واعتبر أحد المستفيدين من مشروع المعونات الغذائية وهو أستاذ في قسم اللغة العربية بجامعة حلب، أنّ "هذا التوقّف جاء في وقت خاطئ جداً، خاصة أنّ المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري تعاني أزمة اقتصادية وارتفاعاً غير مسبوق ومجحفاً في أسعار المواد الغذائية، إضافة إلى تدني الأجور والرواتب والهبوط السريع لقيمة العملة، إذ وصل سعر الدولار الواحد إلى ما يقارب 15500 ليرة سورية، بينما معدل الأجر الشهري للموظف يبلغ 20 دولاراً ولا يكفي عائلة ليوم واحد".
تضرّر 750 موظّفاً يعملون بالقطاع الإغاثي في حلب
لا تستطيع أي من المنظمات الدولية العمل في مناطق سيطرة النظام من دون التعاقد مع شريك محلي، ففي مدينة حلب كان لبرنامج الأغذية العالمي ثلاثة شركاء: (الهلال الأحمر السوري، جمعية الإحسان، جمعية التآلف) ومهمتهم إيصال المساعدات إلى الأشخاص المستفيدين من المشروع الإغاثي مقابل نسبة مالية من حجم إعانات يقدّمها برنامج الأغذية العالمي، الذي يدفع أيضاً كل التكاليف اللازمة لسير العمل من رواتب الموظفين العاملين ضمن المشروع وتنقلاتهم ودفع الآجارات إلى مراكز التوزيع.
وكان القطاع الإغاثي في الجهات الشريكة للبرنامج يضم أكثر من 750 موظفاً من الطلاب الجامعيين وحملة الشهادات من كل الاختصاصات، بينهم الأطباء والمهندسون الذين اتجهوا إلى العمل في هذا القطاع نتيجة رواتبه العالية مقارنة بأي عمل آخر داخل مناطق سيطرة النظام، حيث كانت رواتب هؤلاء الموظفين لا تقل عن مليوني ليرة سورية أي مايعادل عشرة أضعاف راتب الموظف لدى النظام ومنهم من كان يصل راتبه إلى 4 ملايين ليرة سورية، لكن قبل نهاية العام 2023 بأسبوع تقريباً، تم إبلاغ هؤلاء الموظفين من قبل إدارة الجمعيات العاملين بها بأنّ المشروع سيتوقّف في نهاية العام، وأنهم سيصبحون في عداد العاطلين عن العمل.
أحد الموظفين (خريج هندسة مدنية) في جمعية "التآلف" الشريكة مع برنامج الأغذية العالمي، قال لـ موقع تلفزيون سوريا: "اللي كان مصبرني شوي على العيشة بسوريا هو الراتب، يلي مستحيل احصل عليه إذا اشتغلت بشهادتي"، وبانقطاع الراتب أصبح هؤلاء الموظفين يفكّرون جدّياً بالهجرة إلى أي مكان في العالم.
وأضاف موظف آخر، أن "أحد الشروط الموجودة في العقد الموقع مع الجمعية أنه يجب على الموظف في حال أراد ترك العمل إبلاغ إدارته قبل مدة شهر، لكن الجمعية والبرنامج لم يخبرونا بالتوقف إلا قبل أسبوع، وقلة من الموظفين رُفدوا بمشاريع مع منظمات أُخرى، بحسب الواسطات والمحسوبيات".
أثر إيقاف المعونات على أسعار المواد في السوق المحلية
في عام 2022، أطلق برنامج الأغذية العالمي مشروعاً جديداً مع شركائه أطلق عليه اسم (دراسة الاحتياجات الأسرية)، وكان الهدف منه، إعادة تقييم العائلات الموجودة ضمن هذا المشروع لمعرفة المستحقة منها وغير المستحقة.
وبحسب المصادر فإنّه "بعد سنة تقريباً، ظهرت نتائج هذا المشروع الكارثية والتي كانت بعيدة كل البعد عن الدقة والموضوعية، حيث شُطب عدد كبير من العائلات الأشد حاجة، ومُنحت عائلات جديدة كانوا يأتون إلى المراكز الإغاثية ليستلموا الحصة ويبيعوها فوراً".
وأضافت أنّ نسبة العائلات الأشد حاجة والمستفيدة من هذا المشروع لا تتجاوز 40% من العدد الكلّي، لكن النسبة المتبقية الأقل حاجة وتبيع تلك المواد الإغاثية كانت تؤثر بشكل كبير على السوق المحلية بالنسبة لبعض المواد كالزيت والسكر، كما أثّرت على سعر الأكلة الشعبية الفلافل، فبعد توقّف هذه المعونات الغذائية وقلة المواد الإغاثية على "البسطات"، ارتفع سعر هذه المواد بشكل ملحوظ ناهيك عن انخفاض سعر صرف الليرة السورية.
"مافيا المعونات"
أمام كل مركز إغاثي في مدينة حلب تجد أشخاصاً يقفون ليشتروا منك هذه المواد، والرابط المشترك بين أولئك الأشخاص أنهم جميعاً يعملون تحت مظلة عائلة "بري"، التي شكّلت ميليشيا تقاتل إلى جانب النظام السوري، ثم نظّمت "مافيا" لشراء المعونات بأسعار زهيدة أو سرقتها، بهدف إعادة بيعها.
وأشارت المصادر إلى "الممارسات التشبيحية التي ترتكبها أفراد من عائلة برّي (يحملون بطاقات أمنيّة)، وذلك عبر شراء المعونات بالقوة أمام مراكز التوزيع"، فضلاً عن أنّ معظم المحال والبسطات التي تشتري كل المعونات، تعمل لصالحهم، دون أي رادع أو تعرّض من قبل الدوريات الأمنية التابعة للنظام.
وبحسب المصادر فإنّ عائلة برّي كانت المورّد الرئيسي لبرنامج الأغذية العالمي، حيث تبيعه المواد التي تشتريها بكميات كبيرة، بعد إعادة تعبئتها وتغليفها، ثم يوزّعها البرنامج مجدّداً على العائلات المستفيدة من المشروع.
"زلزال شباط 2023"
شهدت سوريا، مطلع شباط من العام المنصرم، زلزالاً مدمّراً أثار موجة من التساؤلات حول توزيع المساعدات الإنسانية التي وصلت إلى البلاد، وأشارت المصادر إلى أنّه "رغم النظرة الإنسانية لهذا الحدث، نظر بعض الأشخاص إليه بمنظور الفائدة الشخصية وزيادة الثروات عبر استغلال هذه المساعدات، خصوصاً في مدينة حلب".
وأضافت المصادر لـ موقع تلفزيون سوريا، أنّ "منظمة الهلال الأحمر السوري التابعة للنظام والجمعيات الشريكة لها طرحت المساعدات الإنسانية الأممية في الأسواق، وذلك بعد أيام قليلة من وقوع الزلزال، ما أثار جدلاً حول كيفية توزيع المساعدات التي وصلت إلى الأسواق لا إلى العائلات المتضرّرة والمحتاجة".
واعتبرت المصادر أنّ "السرقات الفاضحة للمساعدات الإنسانية هي مَن دفعت المنظمات إلى تقليل برامجها أو إلغائها والتوجّه إلى دول أخرى"، مشدّدين على أهمية ضرورة توزيع المساعدات بشكل عادل وفقاً لاحتياجات المتضرّرين، وضرورة محاسبة المتورّطين في أي تجاوزات تتعلق بتوزيعها.
يشار إلى أنه وبحسب الأرقام الرسمية للبرنامج الأممي، فإنه أنفق في سوريا منذ عام 2011، ثلاثة مليارات دولار على توصيل 4.8 ملايين طن متري من الغذاء، وأكثر من 300 مليون دولار من المساعدات النقدية و800 مليون دولار من السلع والخدمات.