تروج مؤسسات نظام الأسد ومسؤولوه في مدينة حمص، لاستمرار العمل بتأهيل الكتل السكنية المدمرة لاستقبال المهجرين، لكن واقع الحال والصور الواردة من المدينة تكذب هذه الدعاوى، وتظهر الأحياء التي ذكرها مسؤولو النظام على وضعها منذ خروج الأهالي منها قسرياً.
وكانت صحيفة "الوطن" الموالية، نشرت يوم الأحد الماضي، تصريحاً لرئيس مجلس مدينة حمص عبد اللـه البواب، تحدث فيه عن إنهاء جزء كبير من الأعمال الخدمية من ترحيل للأنقاض وإزالة الأبنية الآيلة للسقوط وفتح الشوارع في أحياء القصور وجورة الشياح والقرابيص، التي كانت سابقاً معقلاً للمعارضة السورية والتي تعرضت للقصف العنيف واليومي من قبل قوات نظام الأسد وروسيا، إلى أن أجبر النظام قاطنيها على الخروج منها قسرياً.
وبيّن رئيس مجلس المدينة لـ"الوطن" أنه "تمت إزالة 108 أبنية آيلة للسقوط كانت تهدد السلامة العامة في تلك الأحياء، منها 43 بناء تمت إزالتها في حي القصور و52 بناء في حي جورة الشياح و13 بناء في حي القرابيص، مؤكداً أنه لم يبق في حي جورة الشياح أي بناء يهدد السلامة المرورية والسلامة العامة".
مراسل تلفزيون سوريا، زار المناطق التي تحدث عنها رئيس مجلس المدينة، ولمس الواقع المتردي الموجود هناك، حيث ما تزال الأبنية الآيلة للسقوط على وضعها السابق، بالإضافة إلى عدم تزويد هذه الأحياء بالكهرباء، ونفى أيضاً من خلال المعاينة ما قاله رئيس المجلس عن انتهاء الأعمال في هذه الأحياء بنسبة كبيرة تتخطى الـ60 في المئة.
الوضع الا قتصادي يبطئ سير العمل في حمص
ونقل المراسل عن أحد المتعهدين المسؤولين عن مشاريع رفع الأنقاض والإصلاح في المدينة والذي طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية قوله: "إن معظم المشاريع تسير ببطء شديد بل توقف بعضها بسبب إحجام معظم المتعهدين عن العمل خاصة مع تسارع انهيار الليرة السورية".
وأضاف: "أسعار جميع المواد ترتفع مباشرة مع انهيار الليرة السورية، لكن مدفوعات نظام الأسد تبقى ذاتها طوال فترة تنفيذ أي مشروع والتي قد تستمر لأشهر.
أبو قاسم (اسم مستعار) وهو من التنفيذيين العاملين في مشاريع إعادة التأهيل أوضح أن "العوائق التي باتت تواجه الأعمال منذ بداية العام الحالي زادت، وأهمها فقدان اليد العاملة التي لم تعد تقبل بالأجور وتوجهت للهجرة أو التطوع في صفوف الميليشيات الإيرانية.
ووصف الأجور بالمنخفضة جداً بالمقارنة مع المصاريف المعيشية، فأجرة يوم العمل الواحد وفقاً لقوله، تترواح بين 10 و 20 ألف ليرة، ولأن العمل متقطع لا يمكن اعتبار هذه الأجرة مناسبة.
وأضاف، أن "نسبة الإصلاح في معظم الأحياء المدمرة لم تصل إلى 50% في أحسن الأحوال، ومع أن فتح الطرق الرئيسية والفرعية حصل فعلاً لكن هذه الطرق تحتاج لتخديم من إنارة وتعبيد، وأن الشبكة الكهربائية وإن جرى إصلاحها فهي غير مزودة بالكهرباء أصلا، وأن شبكة مياه الشرب متعطلة ومن الأولى إصلاحها في الأحياء السليمة التي تعاني من أزمات متكررة مثل الانقطاع والتلوث".
المهجرون ممنوعون من العودة إلى منازلهم في حمص
وأشار المراسل من خلال لقائه لعدد من المدنيين المهجرين الذين يرغبون في العودة إلى منازلهم أنهم يعانون من تعقيدات أمنية من جراء الأساليب التي تنتهجها شعب المخابرات والمفارز المنتشرة، إذ يتوجب على من يريد العودة استصدار موافقة أمنية عبر مراجعة الفرع الذي يسيطر على منطقته، مما يفتح الباب أمام احتمالية تورطه في مساءلات قد تنتهي به في السجن، أو وقوعه في متاهة الابتزاز التي تكلف في بعض الأحيان ملايين الليرات السورية مقابل السماح بعودته لمنزله.
ابتزاز الأمن يوقف عودة المهجرين لمنازلهم في حمص
عمر وهو أحد أصحاب المنازل قال لمراسل تلفزيون سوريا: "أريد العودة إلى منزلي في جورة الشياح، لكن الحي ما زال شبه مهجور، كما أنني أفضل الاستمرار في دفع أجرة منزل في الغوطة على الدخول إلى فرع الأمن من أجل استصدار موافقة أمنية".
أما هناء ومنزلها في حي الخالدية، أكدت أن أحد فروع النظام الأمنية طالبهم بأموال مقابل السماح لها ولعائلتها بالعودة إلى المنزل.
وأكدت أن ما تم طلبه يفوق كلفة إصلاح المنزل، وأضافت أن الأحياء المدمرة ما زالت تحتاج إلى العديد من الخدمات لتكون صالحة للإقامة، كشبكات المياه والكهرباء وخدمات النظافة.
مصادرة منازل المدنيين في حمص
والجدير بالذكر أن أحياء جورة الشيّاح، والقصور، والقرابيص، حددها نظام الأسد في أيلول 2018 كمناطق تنمية خاضعة للمرسوم الرقم 10 الصادر عام 2018، والذي يسمح لحكومة النظام بالاستيلاء على المُلكيات في المعاقل السابقة للثورة، وخصصت بعض أجزائها لإنشاء برجيات ومراكز تسوّق.
كما تضمنت هذه الخطة تعويض أصحاب الملكية الذين يُظهرون مستندات تُثبت ملكيتهم لهذه المنازل، بمتوسط يبلغ 17 في المئة فقط من قيمة العقار، أي إن حكومة نظام الأسد تشتري المنازل بسعرها عام 2018، قبل انهيار الليرة السورية الأخير مقابل الدولار.
عوائل الميليشيات الإيرانية تستولي على منازل المدينة
وأشار المراسل إلى أن بعض المنازل في عدد من الأحياء، سيطرت عليه عائلات تتبع للميليشيات الإيرانية الموجودة في المدينة، وهذه العائلات تمتنع من الخروج منه بحجة أنهم تسلّموه عن طريق أحد فروع الأمن.
حيث قال (كمال) الذي يمتلك منزلا بالقرب من حي الزهراء للمراسل: "منزلي سليم ولم يصب بأذى من أي قصف، لكن لا أستطيع دخوله لأن عائلة شبيحة تسكن فيه، وعندما طلبت منهم الخروج وأظهرت أوراق ملكيتي هددوني ووصفوني بالإرهابي وقالوا هذا المنزل توزيع مفرزة".
وسبق أن كشف عبد الله البواب أن عدد العائلات التي عادت إلى منازلها في حي القصور وصل إلى 2500 عائلة بنسبة تشكل 35 في المئة من إجمالي عدد العائلات في الحي، وبلغ عدد العائلات العائدة إلى منازلها في حي جورة الشياح نحو 1400 عائلة بنسبة 35 بالمئة تقريباً، بينما بلغ عدد العائلات العائدة إلى حي القرابيص 340 عائلة بنسبة 20 بالمئة، مشيراً إلى أن عدد المواطنين الذين عادوا إلى منازلهم في تلك الأحياء يقدر بما يزيد على 21 ألف مواطن منهم 12500 مواطن عاد إلى حي القصور و 7 آلاف مواطن عاد إلى حي جورة الشياح ونحو 1700 مواطن عاد إلى حي القرابيص.
الإحصائية التي ذكرها رئيس مجلس المدينة نفاها مراسلنا حيث، ما تزال المباني كما هو موضح في الفيديو أعلاه تعاني من الإهمال، وعدم الترميم، كما أنَّ شوارع الأحياء ما تزال خالية من المارة الذين يفترض أن يكونوا قد عادوا إلى منازلهم وفق زعم "البواب".
هنغاريا ساهمت في ترميم بعض مباني مدينة حمص
يشار إلى أنَّ هنغاريا شاركت في إعادة ترميم بعض المنازل في أحياء مدينة حمص القديمة التي دمرها قصف النظام وروسيا خلال الأعوام السابقة، حيث أكد البطريرك مار أغناطيوس الثاني الكلي الطوبى، بطريرك السريان في العالم، إن "الكنيسة، وبدعم من حكومة هنغاريا، تقوم بإعادة إصلاح البيوت التي تضررت خلال الحرب مشيراً إلى عودة مئات العائلات إلى حمص القديمة من المهجرين الذين اضطروا إلى ترك منازلهم نتيجة الحرب والدمار".
إحصائية عن الأبنية المدمرة في سوريا
وكشفت دراسة مسحية أعدها معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث (UNITAR) منتصف آذار 2019، عن حجم الدمار الحاصل في نحو 16 مدينة وبلدة سورية، معتمدة على تحليل الأضرار المكتشفة بواسطة الأقمار الصناعية لتحديد المباني التي دُمرت أو تضررت بشدة أو بشكل قليل، بحيث توفر نظرة عامة عن مدى الدمار وتأثيره على المجتمع.
حيث أكدت الدراسة أن حلب أكبر المدن المتضررة من جراء القصف، حيث وصل عدد المباني المدمرة فيها إلى نحو 36 ألف مبنى، تلتها الغوطة الشرقية بـ 35 ألف مبنى مدمر، في حين جاءت حمص في المرتبة الثالثة بـ 13778 بناء مدمراً، ثم الرقة 12781 بناء مدمراً، ثم حماة 6405 أبنية، ودير الزور 6405 أبنية، بالإضافة لمخيم اليرموك 5489 بناءً مدمراً.