أصابت تبعات الحرب التي طال أمدها في سوريا، الأسر باختلال شمل بعض العادات والتقاليد وأسلوب الحياة، إضافة لأدوار الحياة الأسرية، وبحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان - المكتب الإقليمي للدول العربية- فإن الحروب تفكك بنية الأسرة، وتؤدي إلى ضرر لدى كل فرد بشكل متفاوت، وإن الوزر الأكبر للضرر يتحمله الأطفال الذين فقد كثير منهم الأمان العاطفي.
كذلك الأمر أيضا بالنسبة للرجال والنساء والكبار في السن، الذين شهدوا تغييرا قسريا في نمط سلوكهم وعاداتهم من جراء تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي في سوريا.
كبار في السن وحيدون
في مدينة اللاذقية، اعتاد أبو معاد أن يخرج ورفاقه دوماً للعب طاولة الزهر أو ورق الشدة أو حتى لقضاء وقت بعيداً عن عائلاتهم، لكنه اليوم يقضي وقته في منزله وحيداً وقلما يخرج أو يلتقي بأحد من رفاقه.
ويقول لموقع تلفزيون سوريا "كنا نجتمع في مقهى قريب من منزلي، أنا ورفاق دربي وبعض الجيران، أما اليوم أفرح إن تبادلنا السلام عندما نصادف بعضاً في الشارع".
هكذا وصف أبو معاد الرجل السبعيني الحال الذي آلت إليه علاقاته الاجتماعية، وهو الذي شهد تقلبات الحياة في سوريا قبل الحرب وبعدها.
يؤكد أبو معاد أن المشكلة ليست بالقلوب فمازال يكن الود والاحترام لرفاقه. ويعتقد أن ذلك الشعور متبادل، لكن الوضع الاقتصادي الصعب جعل العلاقات الاجتماعية اليوم تتأثر وتتراجع.
ويوضح"عندما يأتيني ضيف أشعر بالخجل لأن منزلي يخلو من القهوة أحياناً ولا أستطيع القيام بواجب الضيف كالسابق".
مشكلة أبو معاد هي مشكلة أغلب السوريين اليوم، غلاء الأسعار جعل قسماً من السوريين يتوقفون عن تبادل الزيارات وذلك لتفادي الإحراج الذي قد يتعرضون له.
سوريون يتقاسمون رغيف الخبز
سوء الوضع المعيشي جعل السوريين يبتكرون طرقا ووسائل جديدة للترفيه عن أنفسهم ومحاولة كسر روتين الحياة الصعبة.
وهذا ما قامت به أم بديع، وهي سيدة ستينية تقاعدت من وظيفتها منذ سنوات واعتادت مع جاراتها التفسحَ سوياً أو القيام بزيارات منزلية، ومنذ أن بدأ السوريون سياسة التقشف بدأت تخف زياراتها لصديقاتها حتى كادت تنقطع الصلة فيما بينها وبينهم.
بدأت أم بديع تشعر بالوحدة خصوصاً أنها تسكن مع زوجها فقط في حين يسكن أولادها كل في منزله، ما دفعها لابتكار حلول جديدة، فاقترحت على صديقاتها إعادة إحياء الزيارات المنزلية فيما بينهن ولكن بشكل مختلف، فبدلاً من أن تضطر واحدة منهن لدفع كل تكاليف الاستضافة تتقاسمن الدفع، فكل واحدة تحضر معها شيئاً من منزلها أو يشتركن في الدفع.
وتتابع قائلة لموقع تلفزيون سوريا "ليس من السهل هذه الأيام أن تستضيف أناساً في منزلك وتكرمهم كما السابق ونحن نسوة نعيش وحدنا تقريباً وهذا غير جيد لصحتنا النفسية، فلم لا نتساعد ونبقي على تواصلنا!؟".
خوف أم بديع من الوحدة وفقدان الذاكرة دفعها لابتكار هذه الحلول، فبرأيها أن الحفاظ على تواصلها مع جاراتها وصديقاتها سيساعدهن على تشغيل عقولهن باستمرار ويحميهن من مشكلات تقدم العمر النفسية.
تقاسم مؤونة الشتاء
الأمر لم يتوقف عند تقاسم سهرات وجلسات تسلية، بل إنه في بعض الأوقات وصل لمرحلة تقاسم تكاليف وجبات الطعام ومؤونة الشتاء، وهو ما تفعله عائلتا علي وأحمد، رجلان في الخمسينيات يقطنان في البناية نفسها منذ خمسة عشر عاماً، وكل لديه عائلته وأولاده.
وبعد الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد استطاع الجاران الحفاظ على درجة من المودة والتواصل المتين فيما بين العائلتين.
بدأت القصة عندما أحضر علي معه من قريته مونته السنوية من زيت وزيتون وثوم وخلافه وتقاسمها مع جاره في بادرة لطيفة منه، وبعدها استمرت العادة كل عام وتطورت لتصبح اقتسام وجبة الغداء، فمثلاً تطبخ زوجة أحمد أو زوجة علي والمواد التي تستخدم في الطبخ إما يتقاسم المنزلان دفعها أو تكون موجودة في منازلهم.
وبحسب علي فإن وضع الكهرباء السيئ لن يسمح لهم بالاحتفاظ بالطعام ليوم آخر فما الضرر إن تقاسم وجاره وجبة الغداء ووفروا على أنفسهم الدفع وفي نفس الوقت لم يحرموا من شيء.
تعليم مجاني و"ديارة" متنقلة
رغم تأثر العلاقات الاجتماعية اليوم بالحرب في سوريا، وانقطاع قسم منها إلا أن كثيرين استطاعوا الحفاظ على علاقاتهم وهذا ماحاولت ربا القيام به.
ربا مدرسة لمادة الفيزياء في المرحلة الثانوية، وتعطي دروساً خصوصية في منزل أهلها لتساعدهم في مصروف المنزل، أخذت على عاتقها أن تساعد جيرانها بتدريس أولادهم وحتى أقربائها، فمثلا بدلا من أن تتقاضى من جيرانها أجرة نظامية كما كل الطلاب، تحاول أن تأخد ربع أجرتها وأحياناً لا تتقاضى أي مبلغ، حتى إنها تساعد أولاد عمومتها في امتحاناتهم ومن دون أي مقابل.
"الوضع صعب على الجميع، لست ملاكاً ولكنني أحاول قدر الإمكان المساعدة حسب قدرتي" تقول ربا لموقع تلفزيون سوريا.
الأمر نفسه يحصل مع بتول ولكن بطريقة أخرى، فبعد زواجها وإنجابها لطفلتها وجدت أن لديها فائضاً من ملابس الأطفال وهو ما يطلق عليه في سوريا "ديارة البيبي"، فقررت أن تتفق مع بنات عائلتها أن تتنقل هذه الديارة فيما بينهم عند ولادة مولود جديد في العائلة وكلما ولدت امرأة جديدة تأخد هذه الديارة وهكذا تخففن عن بعضهن تكاليف لا بد منها، ولا تتوقف المبادلات على ملابس الأطفال بل أيضاً أغراض الطفل كالسرير وعربة الأطفال.
بتول نفسها عندما خطبت لم تكن قادرة على شراء فستان خطبة فاستعارت فستان من بنت عمها، وبحسب بتول هذه مظاهر شكلية بالنسبة لها ورغم أن كل هذه القصص تعنيها ويجب أن تكون خاصة بها وبعائلتها ولكن هنالك وضع صعب يفرض شروطه على الجميع.