تصاعدت عمليات ميليشيا "قوات تحرير عفرين" التابعة لوحدات حماية الشعب - YPG ضد قواعد الجيش التركي ونقاط تمركز الفصائل المعارضة في جبهات ريف حلب الشمالي والشمالي الشرقي، وبدت الضربات التي توجهها الميليشيا خلال الأسابيع القليلة الماضية كثيفة وتوقع خسائر كبيرة وتستهدف مواقع عسكرية في العمق لم تكن تصلها النيران سابقاً بسبب امتلاك المليشيا حديثاً لأسلحة نوعية، بالإضافة إلى ضعف التحصينات الهندسية من جانب الفصائل والجيش التركي والتي شكلت نقطة ضعف استفاد منها خصومهم، فما الذي استجد، وما هو دور قوات النظام والميليشيات الإيرانية في زيادة التصعيد والجرأة الملحوظة للميليشيا التابعة لقسد؟
كثافة العمليات
وتعرّض سوق الخميس الشعبي في مدينة الباب يوم أمس لقصف صاروخي قال مراسل تلفزيون سوريا إن مصدره نقطة "رادار الشعالة" التي توجد فيها ميليشيات إيرانية إلى جانب قوات النظام، ضمن منطقة السيطرة المشتركة بين الأخيرة و"قسد"، وهو ما أكدّه قيادي في الجيش الوطني السوري في تصريح لتلفزيون سوريا؛ ما أسفر عن مقتل 17 شخصاً.
وأصدرت "قوات عفرين" التابعة لقوات سوريا الديمقراطية "قسد" منتصف شهر آب الحالي، بياناً قالت فيه إنها نفذت عمليتين في منطقتي الباب ومارع بريف حلب، مستهدفة الجيش التركي والفصائل المعارضة، وزعمت الميليشيا أن عمليتها الأولى في جبهات مارع والتي تم تنفيذها في 11 آب أسفرت عن مقتل ثلاثة مقاتلين وجرح اثنين آخرين في الجيش الوطني، إضافة إلى تدمير مركبة عسكرية في الاستهداف ذاته، وأعلنت الميليشيا في بيانها أيضا عن مقتل ثلاثة جنود أتراك وإصابة خمسة آخرين باستهداف ثاني لقاعدة تابعة للجيش التركي قرب مدينة الباب والتي تم استهدافها يوم 12 آب.
قوات تحرير عفرين
— Rojnews.AR (@ArRojnews) August 14, 2022
في 12 آب ، تم اتخاذ إجراءات ضد قاعدة لجيش الاحتلال التركي في منطقة الباب ، وأسفر هذا العمل عن مقتل 3 جنود للاحتلال وإصابة 5 جنود اخرين . pic.twitter.com/vbjhftHFah
قال قائد ميداني بارز في الجيش الوطني السوري، إن كثافة العمليات التي تنفذها قسد بريف حلب توحي بأنها قد حصلت بالفعل على كميات جديدة من الأسلحة والذخائر التي وصلت من مناطق شمال شرقي سوريا مروراً بمناطق سيطرة النظام والميليشيات الإيرانية التي تطوق شمال حلب، ورصدنا نوعيات جديدة من الصواريخ والقذائف المدفعية التي لم تكن قسد تستخدمها سابقاً في قصفها الذي كان ينطلق عادة من مواقعها في محيط تل رفعت ومناطق الشهباء شمالي حلب.
أضاف القائد العسكري خلال حديثه لموقع "تلفزيون سوريا" أن "ميليشيا قوات عفرين التابعة لقسد كانت تركز عملياتها في محاور محدودة سابقاً، وأهمها المحاور الممتدة بين اعزاز شمالاً، ومارع جنوباً مروراً بالمحاور المنتشرة قبالة بلدتي كفر كلبين وكلجبرين، وفي هذا الشريط الطويل نسبياً تتمركز ست قواعد عسكرية للجيش التركي بالإضافة لخطوط دفاعية ذات كثافة عالية بالانتشار العسكري، وكانت الميليشيا تحقق بعض الاختراقات في هذا الشريط، مستهدفة بعض النقاط المكشوفة والتحركات الخاطئة والمتسرعة من جانب المجموعات المرابطة بالصواريخ المضادة للدروع بين الحين والآخر، وتستهدف أيضا القواعد التركية بقذائف الهاون التي لم يكن لها الأثر الكبير من ناحية الخسائر".
اجتماع لـ "الشبيبة الثورية" في كفرنايا بريف حلب الشمالي
أضاف "تصاعدت عمليات قوات عفرين منذ شهر تقريباً، وتوسعت عملياتها لتشمل كامل شريط التماس الممتد من جنوب غربي عفرين وحتى مشارف منطقة الباب، مروراً بجبهات مارع واعزاز، وفي الفترة ذاتها لم تعد قواعد الجيش التركي القريبة من خط التماس فقط هدفاً للضربات المدفعية والصاروخية بل باتت القواعد المتمركزة في عمق المنطقة هدفاً أيضا، ومثال ذلك تكرار القصف على القاعدة الموجودة قرب بلدة دابق، وقواعد أخرى تنتشر في الطريق بين اعزاز وصوران شرقاً، ومثالها قاعدة البحوث العلمية".
الميليشيات الإيرانية حاضرة بقوة
وبحسب مصادر عسكرية متطابقة في المعارضة، فإن "قوات عفرين" شمالي حلب قد حصلت على دفعة كبيرة من الأسلحة، والذخائر، القادمة من مناطق شمال شرقي سوريا مروراً بمنطقة منبج، وتتضمن مدافع 130 وذخائرها، وشحنات من قذائف الهاون، وأعداد كبيرة من الصواريخ المضادة للدروع، بالإضافة إلى حصولها على طائرات استطلاع، وأجهزة رصد ليلي، والتي قدمتها الميليشيات الإيرانية في بلدتي نبل والزهراء لها، بالإضافة لشحنات من الذخائر، أهمها صواريخ كاتيوشا قدمها حزب الله اللبناني والذي يتمركز في مباني الإنتاجية بالقسم الشرقي من مدرسة المشاة.
أضافت المصادر أن "قادة في حزب الله ساهموا في تدريب ميليشيا قوات عفرين على أساليب الرماية وضرب أهداف قريبة ومتوسطة، وبالإضافة لتدريب مجموعات خاصة بالعمل على الهاون وقذائف المدفعية، اشترك مقاتلون من حزب الله وفيلق المدافعين عن حلب في أكثر من مرة في القصف على مواقع الفصائل والجيش التركي في محاور حربل والشيخ عيسى قرب مارع، ومرعناز وعموم محاور القتال جنوبي اعزاز، وكانت عمليات القصف المشتركة بمنزلة تدريبات حية لإكساب مجموعات قوات عفرين الخبرة اللازمة".
جرأة قسد المتصاعدة
تبدو "قوات عفرين" في منطقة تل رفعت التي تطلق عليها اسم "الشهباء" بريف حلب أكثر جرأة مؤخراً، ليس بسبب زيادة التسليح، وتنوعه، بل لأسباب تتعلق بحصولها على تدريبات خاصة على بعض طرازات الأسلحة على يد الميليشيات الإيرانية، ومشاركة الأخيرة بشكل مباشر في العمليات وتأمين التغطية والحماية لمجموعات "قوات عفرين" داخل مناطق نفوذها كي تتفادى الضربات التركية الجوية والبرية، وترجع جرأتها أيضاَ لأسباب تتعلق بالتردد التركي بشن عملية عسكرية ضدها، وهو ما فتح شهيتها أكثر على توسعة نطاق العمليات، والتي غطت كامل خطوط التماس.
في إعلان ميليشيا "قوات عفرين" الأخير حول استهداف مركبة للفصائل وقتل 3 وجرح آخرين فيها بجبهات مارع، الرقم غير صحيح، ولحسن حظ المجموعة التي كانت في المركبة المستهدفة أنهم شاهدوا بالعين المجردة جسماً متوهجاً يتجه نحوهم، وكان لديهم وقت كي يفرغوا المركبة التي احترقت بعدما وصلها الصاروخ وهي خالية، هذا ما يتوافر لمقاتلي الفصائل في جبهات ريف حلب من معدات رصد، يفتقدون الكثير من الوسائل الدفاعية بطبيعة الحال، ولعل أبرزها بحسب مصادر عسكرية استطلع موقع "تلفزيون سوريا" رأيها في جبهات المنطقة:
- ضعف التحصينات الهندسية، والتي لا تتناسب مع خطوط التماس الممتدة في المنطقة السهلية، والتي يمكن للعدو اختراقها في أي لحظة إذا امتلك وسائل رصد متطورة كما حصل مؤخراً بعدما زودت الميليشيات الإيرانية قسد بطائرات استطلاع صغيرة وصواريخ وتدريبات خاصة مكنت مجموعاتها من تحقيق إصابات مباشرة ضد نقاط الفصائل.
- عدم كفاية الأسلحة الدفاعية لدى مقاتلي المجموعات المرابطة للفصائل على طول خط التماس، وأهمها الصواريخ المضادة للدروع، ولا يسمح لمقاتلي الفصائل استخدام هذا النوع متى يشاؤون برغم رصدهم عشرات الأهداف العسكرية المهمة.
- القصف الذي ينفذه الجيش التركي، جواً وبراً، وقصف الفصائل لا يضعف العدو كفاية، وبالتالي تحتفظ "قوات عفرين" بقوتها وقدراتها لتواصل عملياتها وبتصعيد أكبر، لأن الأخيرة وببساطة وزعت مستودعات أسلحتها على البلدات الآهلة بالسكان، وفي النقاط التي تتمركز فيها قوات النظام، ولا تنتشر على شكل مجموعات كبيرة إلا في ساعات الليل، وفي أثناء العمليات الهجومية.
وقال الناطق الإعلامي والسياسي لمجلس تل رفعت العسكري جهاد جمال لموقع تلفزيون سوريا إن "المحتلين الروسي والإيراني قد طمأنوا قسد برفضهما أي عملية عسكرية تركية محتملة وهو ما ظهر من خلال قمة طهران وكذلك قمة سوتشي لذلك تتصرف قسد بكل هذه الجرأة انطلاقاً من هذا الموقف، فتقوم بقصف القواعد التركية وكذلك المناطق المدنية وعلى طول خطوط التماس، وفيما يخص تزويد قسد ببعض الأسلحة مثل الصواريخ المضادة للدروع وأنواع أخرى فقد كان واضحاً مؤخراً من خلال نوعية العمليات وتصاعدها".