البث المباشر
في الوقت الذي كان يدلي فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من طهران بتصريحاته ويعيد تهديداته بشن عملية عسكرية في سوريا، نظّمت ميليشيا "فيلق المدافعين عن حلب" المدعومة إيرانياً عرساً جماعياً في بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين شمالي حلب، في المنطقة الواقعة على بعد عدة كيلومترات من الحدود التركية، وقالت في صفحاتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي: "هو رسالة لتركيا. إننا باقون في هذه الأرض وسندافع عنها، وها هنا نقيم الأفراح ونزف 260 عريساً، ولا نكترث بتهديداتكم أبداً".
وتزامنت تصريحات ميليشيا "المدافعين عن حلب" مع مشاركة زعيمها الحاج صابر رامين، في الحفل المركزي الذي نظمته الميليشيات الإيرانية في نبل الإثنين الماضي، بمناسبة عيد الغدير، والذي كان العرس الجماعي جزءا من فعالياته.
وأقيم العرس الجماعي في ساحة ثانوية نبل بدعم من القنصلية الإيرانية بحلب وعدد من الجمعيات الدينية والثقافية الإيرانية العاملة في حلب، بينها "جمعية المصباح الخيرية" و"جمعية الثقلين" وغيرها.
وحضر الاحتفالية قادة في "حزب الله اللبناني"، وزعيم ميليشيا "لواء الباقر" خالد المرعي، ومسؤولون في القنصلية الإيرانية بحلب، وعدد من قادة الميليشيات من الصفين الأول والثاني.
وشهدت ساحة ثانوية نبل التي أقيمت فيها احتفالية "عيد الغدير" فعاليات تصوير نشيد "إمام زماني" والتي شارك فيها معظم الطلاب في مدارس نبل والزهراء من مختلف مراحل التعليم بالإضافة إلى مشاركة طالبات المعاهد الدينية وطالبات جامعة المصطفى العالمية، وكشافة المهدي في نبل.
جماعي نبل
الأحدث
وبدت الفعاليات الدينية والاحتفالات التي نظمتها ميليشيات إيران في بلدة نبل كجزء من الحراك الإيراني المتصاعد بالقرب من تل رفعت والبلدات والقرى الـ 30 المحيطة بها والتي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) شمالي حلب، وعلى عكس تصريحات "المدافعين عن حلب" تبدو الميليشيات الإيرانية في حالة إرباك، ويبدو أنها مستعجلة لإنهاء عمليات إنشاء الطوق العسكري حول معاقلها في نبل والزهراء والتي بدأت منذ منتصف شهر تموز/يوليو الحالي.
توسيع الطوق الأمني
وسّعت الميليشيات الإيرانية من انتشارها العسكري في محيط بلدتي نبل والزهراء شمالي حلب، وتركز تمدد الميليشيات في الجهتين الغربية والشمالية: فمن جهة الغرب أنشأت الميليشيات نقاطاً عسكرية جديدة في قرية برج القاص والمياسة وقرى جنوبي عفرين القريبة من خوط التماس مع هيئة تحرير الشام في ريف حلب الشمالي الغربي، وقبالة خط التماس الذي ينتشر فيه مقاتلو فيلق الشام التابع للجيش الوطني، كما تمركزت الميليشيات الإيرانية في نقاط عسكرية انسحبت من بعضها قسد في برج القاص ومحيطها، وأصبحت المسافة بين نبل وخط التماس مع المعارضة جهة الغرب تزيد على 7 كيلومترات.
ومن جهة الشمال كان توسع الميليشيات الإيرانية أكبر، إذ وصلت التعزيزات العسكرية إلى قرية إبين التي ضمت القسم الأكبر من الأعداد والعتاد الحربي الذي دفعت به الميليشيات لتوسيع الطوق العسكري شمالاً، ورفعت على أسطح المقارّ في البلدة وعلى برج الاتصالات فيها الأعلام الإيرانية، كما تقدمت الميليشيات نحو المنطقة المحيطة ببلدة دير جمال.
وأنشأت الميليشيات الإيرانية عدة نقاط تمركز على جانبي طريق حلب - غازي عنتاب وقرى الزيارة وعقيبة وزهرة الحياة وغيرها، وكانت آخر نقاط التمركز شمالاً بالقرب من مطحنة الفيصل التي كانت تتخذها القوات الروسية مقراً مؤقتاً وداعماً لمقرها الرئيسي في كتيبة تل عجار. ويصل عمق التوغل الإيراني في مناطق قسد شمال نبل إلى 9 كيلومترات تقريباً، ومن المفترض أن تستكمل الميليشيات عمليات التوسع، ويبدو أن عينها على بلدتي كفر نايا وكفر ناصح الواقعتين في المنطقة الفاصلة بين تل رفعت ونبل، وتوفر السيطرة على البلدتين طوقاً عسكرياً أمناً بالنسبة للميليشيات الإيرانية.
ويدير "حزب الله" عمليات توسيع الطوق العسكري حول نبل والزهراء، والتي تشارك فيها ميليشيات "لواء الباقر" و"فيلق المدافعين عن حلب" و"ميليشيا نبل والزهراء" ومجموعات أخرى تتبع لميليشيا "كفريا والفوعة" التي تتمركز في الأحياء الشرقية بحلب، كما استقدمت الميليشيات الإيرانية تعزيزات إضافية من منطقة جبل عزان جنوبي حلب إلى محيط معاقلها شمالاً، وتتضمن التعزيزات العسكرية دبابات وقواعد صواريخ، وبعضها تمركز على أطراف عندان وحيان ورتيان وماير.
واستهدف الجيش الوطني يوم أمس الثلاثاء، بصواريخ مضادة للدبابات من طراز "كورنيت"، 3 جرافات عسكرية للميليشيات الإيرانية، كانت تعمل على رفع سواتر وتحصينات على محور أبين – عقيبية في ريف بلدة شيراوا.
القصف التركي يحدد انتشار الميليشيات الإيرانية
قال الباحث في الشأن السوري محمد السكري إن الإصرار التركي على العملية العسكرية بات واضحاً وأقرب مما كان عليه خلال المدة الماضية، وهوامش المناورة بين الفاعلين أصبحت متدنية، حتى تداعيات ما بعد الفعل لم تعد تعني الجانب التركي، الذي رفع من مستوى الصدام مع الجانبين الروسي والإيراني من خلال القصف الجوي المستمر، وإعادة تموضع قوات المعارضة والتجهيزات العسكرية الكبيرة والضخ الإعلامي الكبير وصولاً للقمة الثلاثية على المستوى الرئاسي، وهذا يؤكد مدى جدية المشهد.
وأضاف السكري خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا: "إيران في موقفٍ محرج للغاية، فالمناطق التي تسيطر عليها بمحاذاة تل رفعت ليست فقط مناطق أمنية وعسكرية مرتبطة بالنفوذ، بل وجودية متعلقة بالإيديولوجيا، وخسارتها تعني تهديد أهم معاقلها في عمق مدينة حلب، ولكنها لا تملك أوراقاً كثيرة تتيح لها الصدام مع تركيا حتى عبر القوات غير الحكومية. لذلك، هي تناور مستفيدًة من الفيتو الروسي تجاه العملية العسكرية التركية، وما إن رُفع الغطاء فستكون طهران في موقفٍ معقد، ولا أعتقد أنها ستكون قادرة على منع توغل فصائل المعارضة".
ويرى السكري: "قد تقدم أنقرة ضمانات لطهران خلال القمة، إن قامت بتحييد قواتها، لكن إمكانية منعها العمل العسكري صعب فهي الحلقة الأضعف من الأطراف الثلاثة، وحتى لو لم تتوصل الأطراف لتفاهمات أعتقد أن الموقف الإيراني سيكون ضعيفاً بالنظر لحجم وثقل وكمية الأوراق التي تملكها أنقرة ضد طهران".
ويبدو أن القصف الجوي والبري للفصائل المعارضة والجيش التركي على مناطق سيطرة قسد في تل رفعت شمالي حلب قد حدد مسبقاً السقف المسموح به لعمليات الانتشار التي تنفذها الميليشيات الإيرانية، فالطائرات التركية المسيرة كثفت من طلعاتها الجوية في سماء المنطقة منذ منتصف شهر تموز/يوليو، واستهدفت خلال 24 ساعة فقط موقعين لقوات النظام التي أرسلت تعزيزات عسكرية إلى المنطقة خلال الأيام القليلة الماضية، الموقع الأول الذي تم استهدافه يوم 18 تموز/يوليو يقع بالقرب من فرع الأمن العسكري القريب من سكة الحديد في الأحياء الغربية بتل رفعت، والاستهداف الثاني وقع في 19 تموز/يوليو وطاول القصف مقراً لقوات النظام قرب المطار الزراعي الواقع على الطريق بين تل رفعت ومارع وبالقرب من قرية الشيخ عيسى، كما قصفت المسيرات التركية منتصف الشهر ذاته رتلاً عسكرياً لقوات النظام بالقرب من قرية أحرص الواقعة الى الجنوب الشرقي من تل رفعت.
وقالت مصادر عسكرية متطابقة في الجيش الوطني السوري لموقع تلفزيون سوريا إن "القصف التركي على مواقع قوات النظام بمثابة تحذيرات نارية، وهو قصف لا يهدف إلى إيقاع خسائر كبيرة في صفوف النظام، إنما هدفه بالدرجة الأول إيصال الرسائل، وتجميد عمليات الانتشار لقوات النظام، ومنعها من التوسع شمالاً، أو زيادة أعداد عناصرها وعتادها الحربي في منطقة العمليات القريبة من خطوط التماس في الشيخ عيسى وحربل والعلقمية ومرعناز ومطار منغ وغيرها، والأمر ذاته قد يحصل للميليشيات الإيرانية في حال رغبت بالتوسع أكثر في محيط بلدتي نبل والزهراء، فحتى الآن ما يزال توسعها ضمن المعقول عسكرياً، ولا يعرقل فعلياً العملية العسكرية ضد قسد".
تحركات إيرانية متصاعدة غربي حلب
وفي إطار التحركات الميدانية للميليشيات الإيرانية بريف حلب الغربي وجبهات شرق إدلب الممتدة من سراقب حتى معارة النعسان شمالاً، شهدت هذه الجبهات خلال الأسبوع الماضي عدداً كبيراً من محاولات التسلل التي نفذتها الميليشيات، وتصاعدت عمليات القصف البري على مواقع الفصائل وهيئة تحرير الشام والقرى القريبة من خطوط التماس، كفر نوران ومعارة النعسان وكفر تعال وكفر عمة، وبسرطون وتقاد وأرحاب والسحارة وبلنتا وغيرها.
وتسيطر الميليشيات الإيرانية في الجبهات مع المعارضة شمال شرقي إدلب وريف حلب الغربي على الحصة الأكبر من نقاط الانتشار في ثلاثة خطوط دفاعية، وتعتبر المنطقة امتداداً لجغرافية نفوذها بعدما تقدمت ميليشياتها قادمة من ريف حلب الجنوبي بداية العام 2020 في أثناء العملية العسكرية لقوات النظام وروسيا والتي انطلقت منتصف العام 2019.
وهذه المرة الأولى التي تشهد فيها جبهات المنطقة تصاعداً غير مسبوق في عمليات التسلل والقصف من جانب الميليشيات الإيرانية، بعدما كانت العمليات تتركز بشكل أكبر في جبهات جنوبي إدلب التي تنتشر فيها قوات النظام والميليشيات التي تدعمها روسيا، مثل "الفرقة 25 - مهام خاصة" التي يتزعمها العميد سهيل الحسن المقرب من روسيا. ويبدو أن الميليشيات الإيرانية قد غيرت استراتيجيتها مؤخراً للضغط على تركيا، وتحركاتها في الجبهات مكملة لتلك التي تنفذها في محيط نبل والزهراء، وجميع تحركاتها تريد من خلالها القول بأنها حاضرة ومستعدة للتصعيد في حال تعرضت مصالحها للخطر.
