دفعت سوء الأوضاع الاقتصادية وانعدام فرص العمل، بعض الأشخاص إلى امتهان "التسوّل" في الشوارع، وقد تفاقمت هذه الظاهرة بشكل ملحوظ في العاصمة دمشق، خلال السنوات الأخيرة، وتكاد لا تخلو إشارة مرور أو سوق أو مسجد من المتسوّلين.
لكن التسوّل في الشوارع، ورغم أنه يعتبر من أسهل الطرق لكسب المال، إلا أنه محفوف بالمخاطر وبحاجة تحمل ظروف الطقس من حرارة أو برد ومطر، لذلك اتجه بعض المتسوّلين ممن يستطيعون التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، إلى امتهان "التسوّل الإلكتروني".
أساليب "التسوّل الإلكتروني"
بحسب خبير شبكات التواصل الاجتماعي عماد.ر والذي يدير كثيرا من المجموعات والصفحات، فإنّ "التسوّل الإلكتروني" له أشكال متعدّدة، موضحاً لـ موقع تلفزيون سوريا، أنّه "مؤخراً، انتشرت ظاهرة التسوّل في التعليقات على صفحات ومجموعات الدول الخليجية والعراقية والمغتربين، عبر إنشاء المتسوّل حساباً باسم فتاة، والادّعاء في التعليقات بأنه فتاة أرملة صغيرة في العمر ولديها أطفال، وهي بحاجة طعام وحليب لأطفالها، وذلك من خلال ابتذال قصة حزينة".
يشير عماد إلى أنّ هذا الأسلوب من التسوّل أشبه بعملية "نصب واحتيال"، لأنّ الشخص نفسه ليس فتاة ولا يكشف عن هويته وغالباً يستخدم زوجته أو بناته أو شركاءه من النساء بالرد على الاتصالات الهاتفية لو اضطر الأمر، ثم استجداء مَن يتصل والحصول على حوالات خارجية.
والأسلوب الثاني وهو الأكثر انتشاراً -وفق عماد- هو وضع منشور من قبل شخصية مجهولة أو حساب يحمل اسم فتاة ضمن المجموعات، يطلب من المشتركين دين بمبلغ صغير يتراوح بين 200 و500 ألف ليرة سوريّة لتأمين الطعام أو أمور معيشية طارئة، وغالباً يتضمن المنشور عرض ضمانات مثل توقيع سندات فارغة، لأنّ "المتسول لا يملك أي شيء ليضمن إعادة المبلغ أساساً".
وأضاف أنّ "المتسوّل في هذه الحالة يعتمد على شيئين: الأوّل هو استجداء العطف بقصة حزينة ليجبر المتبرع على عدم طلب ضمانات، والثانية استخدام اسم فتاة أرملة أو مطلقة كي يضمن الحصول على دفعات دورية من نفس الأشخاص الذين تسول لهم أنفسهم لاستغلال المبلغ مقابل مقابلة الفتاة غير الحقيقية أصلاً".
وغالباً ما يتم تسليم الأموال عبر حوالات في شركة "الهرم" لاسم الشريكة أو قريبة المتسوّل أو بالفعل تكون هي متسوّلة فتاة باسم مستعار على "السوشال ميديا"، أو عبر التحويل لمحفظة "سيريتل كاش" لرقم هاتف.
والأسلوب الثالث، وهو التسوّل العلني وذلك "عبر منشورات في مجموعات أو تعليقات، تطلب فيها مساعدة لوجه الله مع استخدام مصطلحات كالتي تُستخدم من قبل متسوّلي الشوارع، مع سرد قصص حزينة جداً، ويحتاج هذا النوع إلى قدرة على الصياغة واستخدام المفردات التي تساعد على استجرار التعاطف".
"تسوّل مباشر عبر فيس بوك"
والأسلوب الرابع، وقد بدأ بالانتشار مؤخراً، وهو التسوّل الشخصي، وذلك عبر إنشاء صفحة باسم فتاة على موقع "فيس بوك"، والدخول إلى حسابات أشخاص لهم تعليقات على صفحات شراء وبيع سيارات وعقارات وغيرها، وطلب مساعدات منهم بشكل شخصي ومباشر عبر "الماسنجر"، وهذا الأسلوب -وفق عماد- يساعد المتسوّل على عدم المساس بسمعة الحساب في العلن على أنه حساب متسوّل.
مع أسلوب "التسوّل الشخصي"، قد تتطور القضية إلى عملية ابتزاز، حيث تبدأ القصة بإضافة الضحية ضمن قائمة الأصدقاء، ثم الحديث معه يومياً، وبعدها طلب مساعدات مالية بسيطة أو مجرد تسديد فاتورة، وأخيراً تتصاعد الطلبات، خاصةً في حال استطاع صاحب حساب المتسوّل أن يحصل على صور أو محادثات يمكن تهديد الضحية بها.
مشروع "قانون التسوّل"
بحسب المصادر، فإنّ "وزارة الشؤون الاجتماعية" في حكومة النظام السوري، تعمل على إعداد مشروع يعدّل بعض مواد "قانون يعالج ظاهرة التسوّل"، حيث يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنة وبالغرامة من مليون ليرة إلى ثلاثة ملايين ليرة، كل مَن استخدم وسائل تقانة المعلومات بهدف "التسوّل الإلكتروني" عن طريق الشبكة.
ويعاقب مشروع القانون بالحبس من سنة إلى سنتين وبالغرامة من ثلاثة ملايين ليرة إلى خمسة ملايين ليرة المتسوّل الذي يستجدي أحد الظروف المتمثلة بالتهديد وأعمال الشدة أو حمل أسلحة أو مواد وأدوات خطرة، أو بالتظاهر بجراح أو عاهات أو بالتنكر على أي شكل، أو بالدخول إلى المنازل أو المنشآت السياحية أو بحمل وثيقة كاذبة أو بحالة اجتماعية.
كذلك، يُعاقب بالحبس من سنتين إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من ثلاثة ملايين إلى خمسة ملايين ليرة لكل ممتهن للتسوّل، بالتزامن مع عقوبة السجن من سبع سنوات إلى عشر سنوات وبالغرامة من عشرين مليون ليرة إلى خمسة وعشرون مليوناً لكل مشغل، وتضاعف الغرامة في حال كان المشغل من الأقارب حتى الدرجة الرابعة أو من يملك سلطة قانونية أو فعلية عليه.
ويعاقب بالحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر وبغرامة من سبعمئة وخمسين ألف ليرة إلى مليون ليرة كل مكلف تلقى بلاغاً عن جرم تسوّل ولم يستكمل الإجراءات اللازمة لتسليم المتسوّل للوحدة الشرطية، وكل مَن أتاح الفرار أو سهله لشخص تمّ ضبطه بجرم التسول مقابل تحقيق منفعة مادية أو معنوية، وكل من حُكم عليه بمقتضى هذا القانون، سواء أكان أجنبياً أم عربياً أو من الرحل في سوريا.
يشار إلى أنّ ظاهرة التسوّل تتفشى في شوارع دمشق بمدى أوسعَ وأساليب جديدة اتخذت في بعض صورها العنف والشتم والسلب منهجاً لها، فضلاً عن تعرّض يافعات للتحرش الجنسي والاغتصاب في أثناء تسولّهم، ثم استدراجهن من قبل شبكات الدعارة لامتهان هذه المهنة لاحقاً.