مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض كرئيس للولايات المتحدة الأميركية للمرة الثانية، تتزايد التساؤلات حول ما قد يحمله هذا العهد الجديد من تأثيرات على الساحة الدولية، ومنها منطقة الشرق الأوسط. رغم تعهد ترمب بإصلاحات شاملة على المستويين الداخلي والخارجي، إلا أن تحقيق هذه الوعود يواجه تحديات كبرى، منها ما هو متجذر في الداخل الأميركي، ومنها ما يعقده الوضع المتفجر في الشرق الأوسط، إضافة إلى الملفات التي بقيت مفتوحة منذ ولايته الأولى، مثل الملفات الكورية، الصينية، الإيرانية، السورية، والروسية.
لا يُعد الملف السوري من الأولويات الكبرى بالنسبة للرئيس ترمب أو الإدارة الأميركية بشكل عام، لكنه اكتسب أهمية نظرًا لتشابك مصالح دول لها علاقات وثيقة مع واشنطن، مثل إسرائيل، تركيا، وروسيا، بالإضافة إلى إيران، التي يثير وجودها قلق تل أبيب وواشنطن معًا. من المتوقع أن ترسم الإدارة الجديدة خطوطًا جديدة في سوريا لتحقيق تهدئة في الشرق الأوسط، لا سيما في ظل الحرب الإسرائيلية في لبنان وغزة.
هناك توقعات بأن تتحسن العلاقات بين إدارة ترمب وتركيا، إذ يميل ترمب للتعامل مع قادة يتمتعون بنفوذ قوي مثل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. التوترات التي سادت بين واشنطن وأنقرة خلال فترة بايدن قد تشهد نوعا من التهدئة، خاصة أن ترمب لا يعتبر قوات "قسد" شريكًا مهمًا له. هذا قد يفتح المجال لصراع جديد بين تركيا وروسيا لإعادة رسم خارطة النفوذ في الشمال السوري. ورغم توتر العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة في فترة بايدن بسبب دعم واشنطن للأكراد في سوريا، فإن تركيا تأمل بأن يتبنى ترمب نهجا أكثر توافقا كما فعل في السابق، حين لم يعترض على العمليات العسكرية التركية في الشمال السوري (غصن الزيتون ونبع السلام). قد تتيح له هذه المرونة دعما لعملية عسكرية تركية جديدة، كورقة ضغط على روسيا في الملف الأوكراني.
على الجانب الآخر، تمثل التطورات الأخيرة في الملف السوري التموضع الجديد لإسرائيل في المنطقة بعد حربها على غزة ولبنان. تسعى إسرائيل إلى تحقيق أهدافها الاستراتيجية في الشرق الأوسط، بما في ذلك دعم فكرة إقامة دولة كردية مستقلة، وهو ما يثير قلق تركيا التي ترى في هذا تهديدًا لاستقرارها الداخلي. من المتوقع أن تتنافس كل من تركيا وإسرائيل لكسب التأييد الأميركي في الملف السوري، إذ تعتمد تركيا على تحالفها العسكري القديم مع واشنطن ضمن الناتو، في حين تسعى إسرائيل إلى تذكير ترمب بوعوده السابقة مثل نقل السفارة الأميركية إلى القدس، والاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، وتعزيز سياسة إضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة.
أما بالنسبة لروسيا، فإن علاقات ترمب الجيدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تقلق أوروبا وأوكرانيا. روسيا، التي تدعم النظام السوري، ستسعى إلى إقناع ترمب بالسماح بعودة تدريجية للنظام السوري إلى المجتمع الدولي، حتى لو كان ذلك على حساب إيران. وقد يكون هذا في مصلحة جميع الأطراف، خاصة مع ارتباط الملف السوري جزئيا بالملف الأوكراني، فقد صرح ترمب بأنه سيعمل على إنهاء الحرب الأوكرانية-الروسية خلال 24 ساعة إذا فاز بالانتخابات.
في النهاية، يبقى السؤال: كيف سيتعامل ترمب مع الملف السوري في ظل هذا التضاد؟ وهل سيعيد سياسته السابقة مع تركيا على الرغم من التناقضات التي شابتها؟ فقد سبق أن فرض رسوما جمركية على السلع التركية وبعض العقوبات الاقتصادية، مما أدى إلى تراجع قيمة الليرة التركية، وفي الوقت نفسه، سمح لتركيا بالتدخل ضد "قسد" والقيام بعمليات عسكرية. ولكن هذه المرة، قد يشكل الصراع التركي-الإسرائيلي تحديا أكبر قد لا تتمكن تركيا من تجاوزه بسهولة.