بعد أن وافق رئيس حكومة النظام السوري حسين عرنوس، مؤخراً، على اقتراح لـ"وزارة الصناعة" بوقف استيراد أنواع وأحجام البطاريات التي تحدّدها الوزارة، طفت على السطح فوراً شركة تحمل اسم "الريادة" لصناعة البطاريات.
وأجرت الكثير من وسائل الإعلام المقرّبة من النظام السوري في مقدّمتها صحيفة "الوطن"، لقاءات مع مسؤولي شركة "الريادة" في حلب، عن "حجم قدرتها الإنتاجية الضخمة وجودة منتجاتها المنافسة".
شركة خاصّة يديرها موظف "حكومي"
شركة "الريادة" -المحلية وفق وصف صحيفة "الوطن"- تبيّن أنها شركة خاصة، يديرها فنياً (مدحت بولاد) وهو الشخص الذي التقت به وسائل الإعلام المحليّة، مؤخراً.
و"بولاد" موظف "حكومي" شغل منصب مدير عام "شركة حلب لصناعة الكابلات" التابعة للقطاع العام كما ظهر في تقرير لصحيفة "البعث" التابعة للنظام، عام 2022، عن زيارة "وزير الصناعة" إلى حلب.
وقبل ذلك في عام 2020، كان مدحت بولاد يشغل منصب مدير عام "الشركة السورية للبطاريات والغازات السائلة" في حلب التابعة للقطاع العام، ويتضح أنه استمر في المنصب إلى عام 2022.
لا يوجد لشركة "الريادة" لصناعة البطاريات عقد تأسيس مثبت تحت هذا الاسم، لكن مع ربطها بـ"بولاد"، وبعض التفاصيل الأُخرى التي سترد في التقرير لاحقاً، توضّح أنّ "حكومة النظام تشارك في شركة تتبع القطاع الخاص عبر المدير السابق للشركة الحكومية للبطاريات".
"الغاية كانت تأهيل المعمل الحكومي عبر إيران"
في عام 2023، غاب مدحت بولاد وظهر اسم جديد لإدارة شركة البطاريات التابعة للقطاع العام، وهو مصطفى إسماعيل، الذي أعلن العام الفائت عن عقد موقّع بين المعمل "الحكومي" الوحيد للبطاريات السائلة في سوريا وشركة إيرانية، لتصنيع بطاريات بغير النمط الذي يجري العمل عليه.
وأشار "إسماعيل" إلى أنّ المعمل يعاني عدة معوقات تؤدي إلى عدم تطوير أدائه وزيادة إنتاجه، مضيفاً أنّ "خط الإنتاج الأساسي للمعمل مدمّر نتيجة الحرب، ويجري العمل حالياً بطريقة يدوية"، مؤكّداً وجود العديد من الخطط لتطويره وأهمها العقد مع الشركة الإيرانية.
"بولاد" نفسه عندما كان مديراً لشركة صناعة البطاريات، عام 2022، قال إنّ "الحكومة منحت الموافقة على توريد ثلاثة معامل بطاريات جديدة لتحقيق نقلة نوعية في الشركة العامة".
وأوضح أنّ "المعمل الأوّل سيكون لإنتاج الرصاص وإعادة تدوير سكراب البطاريات بطاقة إنتاجية تصل إلى 1500 طن سنوياً، أما المعمل الثاني فهو بخطي إنتاج الأول لإنتاج بطاريات مغلقة، والثاني لبطاريات الجّل بطاقة إنتاجية تصل إلى 1500 بطارية في اليوم، أما المعمل الثالث فهو مخصص لإنتاج بطاريات الليثيوم بطاقة تصل إلى 6 ملايين أمبير ساعي في السنة".
وأكّد حينذاك أنّ "الكلفة الإنتاجية لهذه المعامل الثلاثة تصل إلى 41.7 مليون دولار مع مواد أولية تكفي لمدة ثلاثة أشهر"، مشيراً إلى أنّ "عقد التوريد جاهز ومصدّق من جميع الجهات، وأن المباشرة مقترنة بتفعيل الخط الائتماني الإيراني، وسيتم التوريد تباعاً لمدة عامين ونصف".
الواضح أنّ مدحت بولاد أصاب المدة، وفعلاً في مطلع العام الحالي 2024 مُنع استيراد البطاريات السائلة، وطفت شركة قطاع خاص إلى السطح بإدارة "بولاد"، من دون الإعلان عن الملكية الواضحة للشركة، ودون تأهيل شركة القطاع العام.
"القصة بدأت باحتكار الرصاص"
في البحث عن شركة "الريادة"، لم نجد سوى شركة مؤسسة باسم "الريادة لصناعة الرصاص"، عام 2018، متخصصة بحسب نظام تأسيسها بتصنيع البطاريات أيضاً، حيث جاء في نظامها الأساسي أنّه "يُسمح للشركة بإنشاء معمل لصهر معدن الرصاص من البطاريات وغيرها، وصناعة الخلايا والبطاريات التي تحتوي على ثاني أكسيد المنغنيز أو أكسيد الزئبق والفضة".
وفي عام 2021، اتُهمت شركة "الريادة" للرصاص دون تسميتها بشكل مباشر، بأنها تحتكر تصنيع الرصاص، حيث قال أحد مصنعي البطاريات: "يوجد معمل يتبع للقطاع الخاص يعالج البطاريات التالفة، ويستخرج رصاصاً خاماً منها ويصدّره إلى الخارج، لو تم بيعنا الرصاص لتمكنا من صناعة بطاريات بجودة عالية، كوننا نمتلك الخبرات اللازمة لهذه العملية".
ومؤخّراً، قال "بولاد" إنّ "شركة الريادة للبطاريات تستخدم في تصنيع البطاريات الرصاص النقي بنسبة 99.994 في المئة، كما تتم إضافة مواد كيميائية محسّنة للبطارية ولعمرها ولأدائها وبتكاليف أقل من تكاليف المستوردة"، مردفاً: "بطاريات الشركة، منافسة وسعرها أخفض من المستوردة بنسبة لا تقل عن 20%".
"هوية مالكي شركة الريادة"
تمتلك شركة "تلاقي" للتجارة نحو ثلث شركة "الريادة، وصاحب شركة "تلاقي" لبناني يدعى (محمد قاسم البزال) إذ يتملك 99% من أسهمها، وقد أُدرج على لائحة عقوبات وزارة الخزانة الأميركية، العام الفائت، ووصفته حينذاك بأنّه "المسؤول المالي في حزب الله".
وبعد المتابعة بيّنت مصادر لـ موقع تلفزيون سوريا، أنّ إدارة شركة "الريادة" للبطاريات تتم حالياً عبر "القصر الرئاسي" من خلال يسار إبراهيم، وهذا ما يفسّر تنصيب (مدحت بولاد) بالواجهة، ويعني ذلك -وفق المصادر- أنّ الشركة هي شركة محاصصة بين إيران والنظام السوري.
يذكر أنّ صحيفة "الوطن" المقرّبة من النظام السوري ذكرت، منتصف العام 2019، أنّ شركة روسية قدّمت عرضاً لوزارة الصناعة التابعة للنظام يتضمن الاستثمار في شركة البطاريات بحلب، التابعة للمؤسسة العامة للصناعات الهندسية.
وأضافت الصحيفة أنّ المؤسسة قالت في كتاب وجّهته إلى الوزارة أنّ "حصة الشركة الروسية تمثل 20% من الإنتاج وتعادل قيمة كامل الإنتاج السنوي للشركة سابقاً، وهي نسبة تتوافق مع الأعمال المقترح تنفيذها وفق العرض الروسي".
وهذا يشير إلى أنّ تنافس السيطرة على الاقتصاد السوري بين إيران وروسيا ما يزال محتدماً في مناطق سيطرة النظام، الذي يقدّم التسهيلات واﻻمتيازات للطرفين، اللذين يقفان وراء بقاء بشار الأسد في السلطة.
يشار إلى أنّ موقع "إيران إنترناشيونال" كشف عن تسريب وثائق تشير إلى حجم الديون المتراكمة على النظام السوري والتي يجب عليه دفعها إلى إيران، وسط مخاوف من المرشد الأعلى علي خامنئي من ضياعها في حال اغتيال بشار الأسد