وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان ما لا يقل عن 1024 حالة اعتقال تعسفي في سوريا منذ بداية عام 2022 حتى نهاية شهر حزيران الفائت، بينهم 49 طفلاً و29 سيدة.
وقالت الشبكة في تقريرها الصادر اليوم الثلاثاء إن "معظم حوادث الاعتقال في سوريا تتمُّ من دون مذكرة قضائية لدى مرور الضحية من نقطة تفتيش أو في أثناء عمليات المداهمة، وغالباً ما تكون قوات الأمن التابعة لأجهزة المخابرات الأربعة الرئيسة هي المسؤولة عن عمليات الاعتقال بعيداً عن السلطة القضائية، ويتعرَّض المعتقل للتَّعذيب منذ اللحظة الأولى لاعتقاله، ويُحرَم من التواصل مع عائلته أو محاميه، في حين تُنكر السلطات قيامها بعمليات الاعتقال التَّعسفي ويتحوَّل معظم المعتقلين إلى مختفين قسرياً".
ويستعرض التقرير حصيلة عمليات الاعتقال التَّعسفي التي سجلها في حزيران والنصف الأول من عام 2022 على يد أطراف النِّزاع والقوى المسيطرة في سوريا، كما يستعرض أبرز الحالات الفردية وحوادث الاعتقال التَّعسفي والاحتجاز، التي وثقها فريق الشبكة السورية لحقوق الإنسان في المدة ذاتها، وتوزُّع حالات وحوادث الاعتقال تبعاً لمكان وقوع الحادثة.
النظام السوري يعتقل اللاجئين والمهجرين العائدين
وجاء في التقرير أن قوات النظام السوري لم تتوقف عن ملاحقة واستهداف المدنيين في مناطق سيطرتها على خلفية معارضتهم السياسية وآرائهم المكفولة بالدستور السوري والقانون الدولي؛ الأمر الذي يُثبت مجدداً حقيقة أنه لا يمكن لأي مواطن سوري أن يشعر بالأمان من الاعتقالات؛ لأنها تتم من دون أي ارتكاز للقانون أو قضاء مستقل، وتقوم بها الأجهزة الأمنية بعيداً عن القضاء وغالباً ما يتحول المعتقل إلى مختفٍ قسرياً.
وقال التقرير إن المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري لا يمكن أن تشكِّل ملاذاً آمناً للمقيمين فيها، وهي من باب أولى ليست ملاذاً آمناً لإعادة اللاجئين أو النازحين، مؤكداً أنه لن يكون هناك أي استقرار أو أمان في ظلِّ بقاء الأجهزة الأمنية ذاتها، التي ارتكبت جرائم ضد الإنسانية منذ عام 2011 وما زالت مستمرة حتى الآن.
وسجل التقرير عمليات اعتقال استهدفت العائدين (اللاجئين والنازحين) بعد وصولهم إلى مناطق عودتهم الخاضعة لسيطرة قوات النظام السوري، وفي أثناء محاولتهم الدخول إلى الأراضي السورية عبر المعابر غير الشرعية، وبحسب التقرير فقد أعادت قوات النظام السوري اعتقال سيدة ورجل ممن أفرج عنهم بموجب "مرسوم العفو" رقم 7 لعام 2022.
الاعتقالات في مناطق سيطرة "قسد"
وأشار التقرير إلى استمرار "قوات سوريا الديمقراطية" في سياسة الاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري في حزيران والنصف الأول من عام 2022، ورصد حملات دهم واحتجاز جماعية استهدفت مدنيين بذريعة محاربة خلايا تنظيم داعش، بعض هذه الحملات جرى بمساندة مروحيات تابعة لقوات التحالف الدولي.
كما رصد عمليات اعتقال استهدفت مُدرّسين بذريعة دعوتهم طلاباً للاحتجاج على الأوضاع المعيشية والخدمية في مناطق سيطرتها، وتركزت هذه الاعتقالات في محافظة الرقة، وسجل اختطاف قوات سوريا الديمقراطية أطفالاً بهدف اقتيادهم إلى معسكرات التدريب والتجنيد التابعة لها وتجنيدهم قسرياً، ومنعت عائلاتهم من التواصل معهم، ولم تصرح عن مصيرهم.
كما سجل التقرير في حزيران الفائت عمليات احتجاز استهدفت مدنيين على خلفية انتقادهم سوء الخدمات والأوضاع المعيشية في مدينة الرقة، واحتجاز أحد المدنيين على خلفية ظهوره في فيديو مصور على تلفزيون سوريا، يتحدث فيه عن تدمير قوات سوريا الديمقراطية المنازل في حي الموح في مدينة أبو حمام بريف محافظة دير الزور.
الاعتقالات في مناطق شمال غربي سوريا
وطبقاً للتقرير فقد شهدَ النصف الأول من العام 2022 عمليات احتجاز قامت بها "هيئة تحرير الشام" بحق مدنيين، تركَّزت في محافظة إدلب وشملت ناشطين إعلاميين وسياسيين، ومعظم هذه الاعتقالات حصلت على خلفية التعبير عن آرائهم التي تنتقد سياسة إدارة الهيئة لمناطق سيطرتها، وتمَّت عمليات الاحتجاز بطريقة تعسفية على شكل مداهمات واقتحام وتكسير أبواب المنازل وخلعها، أو عمليات خطف من الطرقات أو عبر نقاط التفتيش المؤقتة.
وقالت الشبكة إن فصائل "الجيش الوطني" نفذت عمليات احتجاز تعسفي وخطف، حدث معظمها بشكل جماعي، استهدفت قادمين من مناطق سيطرة النظام السوري، بالإضافة إلى حالات احتجاز جرت على خلفية عرقية تركزت في محافظـة حلـب، وحـدث معظمهـا من دون وجـود إذن قضائـي ومن دون مشاركة جهاز الشرطة وهو الجهة الإدارية المخولة بعمليات الاعتقال والتوقيف عبر القضاء، ومن دون توجيـه تهـم واضحة. كما سجل التقرير عمليات دهم واحتجاز شنَّتها عناصر في الجيش الوطني استهدفت مدنيين بينهم سيدات ومخاتير قرى بتهمة التعامل مع "قوات سوريا الديمقراطية".
توثيق ما لا يقل عن 1024 حالة اعتقال تعسفي منذ بداية 2022
وسجل التقرير في النصف الأول من عام 2022 ما لا يقل عن 1024 حالة اعتقال تعسفي، بينها 49 طفلاً و29 سيدة، وقد تحول 796 منهم إلى مختفين قسرياً، كانت 471 منها على يد قوات النظام السوري بينهم 4 أطفال و11 سيدة، و283 بينهم 43 طفلاً و5 سيدات على يد "قوات سوريا الديمقراطية"، بالإضافة إلى 183 حالة بينهم 10 سيدات على يد فصائل "الجيش الوطني"، و87 بينهم 3 سيدات و2 طفلاً على يد "هيئة تحرير الشام".
واستعرض التَّقرير توزُّع حالات الاعتقال التعسفي في النصف الأول من عام 2022 بحسب المحافظات، وأظهر تحليل البيانات أن الحصيلة الأعلى منها كانت من نصيب محافظة حلب تليها ريف دمشق ثم الرقة ثم دير الزور تلتها إدلب فدرعا.
ووثق التقرير في حزيران ما لا يقل عن 164 حالة اعتقال تعسفي بينها 11 طفلاً و6 سيدة، وقد تحول 142 منهم إلى مختفين قسرياً، وكانت 67 منها على يد قوات النظام السوري بينهم 3 سيدة، و46 بينهم 11 طفلا وسيدة على يد قوات سوريا الديمقراطية. في حين سجل التقرير 37 بينهم سيدتان على يد جميع فصائل الجيش الوطني، و14 على يد هيئة تحرير الشام.
مطالبات بالكشف عن قرابة 102 ألف مختف في سوريا
واعتبر التقرير أن قضية المعتقلين والمختفين قسراً من أهم القضايا الحقوقية، التي لم يحدث فيها أي تقدم يُذكَر على الرغم من تضمينها في قرارات عدة لمجلس الأمن الدولي وقرارات للجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي خطة السيد كوفي عنان، وفي بيان وقف الأعمال العدائية في شباط 2016 وفي قرار مجلس الأمن رقم 2254 الصادر في كانون الأول 2015.
وأكّد التقرير أنَّ النظام السوري لم يفِ بأيٍّ من التزاماته في أي من المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صدق عليها، وبشكل خاص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، كما أنه أخل بعدة مواد في الدستور السوري نفسه، فقد استمر في توقيف مئات آلاف المعتقلين من دون مذكرة اعتقال لسنوات طويلة، ومن دون توجيه تُهم، وحظر عليهم توكيل محام والزيارات العائلية، وتحول قرابة 68 في المئة من إجمالي المعتقلين إلى مختفين قسرياً.
وأشار التقرير إلى أن الأطراف الأخرى (قوات سوريا الديمقراطية وهيئة تحرير الشام والجيش الوطني) جميعها ملزمة بتطبيق أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان، وقد ارتكبت انتهاكات واسعة عبر عمليات الاعتقال والإخفاء القسري.
وشدد التقرير على ضرورة تشكيل الأمم المتحدة والأطراف الضامنة لمحادثات أستانا لجنة خاصة حيادية لمراقبة حالات الإخفاء القسري، والتَّقدم في عملية الكشف عن مصير قرابة 102 ألف مختفٍ في سوريا، 85 في المئة منهم لدى النظام السوري والبدء الفوري بالضَّغط على الأطراف جميعاً من أجل الكشف الفوري عن سجلات المعتقلين لديها، وفق جدول زمني، وفي تلك الأثناء لا بد منَ التصريح عن أماكن احتجازهم والسَّماح للمنظمات الإنسانية واللجنة الدولية للصَّليب الأحمر بزيارتهم مباشرة. مع التأكيد على ضرورة إطلاق سراح الأطفال والنِّساء والتَّوقف عن اتخاذ الأُسَر والأصدقاء رهائنَ حرب.