بزعامة إيطاليا، تضغط بعض الدول الأوروبية لتطبيع العلاقات مع النظام السوري وذلك لتسهيل عمليات ترحيل المهاجرين بما أن قادة الدول الأوروبية بات ديدنهم السعي لتحقيق شعبية ساحقة في عموم القارة الأوروبية مثلهم مثل الأحزاب اليمينية المتطرفة المعادية للمهاجرين.
ولذلك صرحت يوم الثلاثاء رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني أمام مجلس الشيوخ الإيطالي قبيل اجتماع سيضم رؤساء وقادة الاتحاد الأوروبي، فقالت: "لا بد من مراجعة استراتيجية الاتحاد الأوروبي بخصوص سوريا والعمل مع كل العناصر الفاعلة على خلق الظروف أمام عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم عودة طوعية وآمنة ودائمة".
إذ بعد القمع العنيف الذي مارسه الديكتاتور بشار الأسد في عام 2011، والذي تحول إلى حرب دموية، اتهمت حكومته باستخدام الأسلحة الكيماوية على شعبها، فضلاً عن اتهامها بممارسة التعذيب.
وعلى خلفية تلك الأحداث، قطع الاتحاد الأوروبي علاقاته الدبلوماسية مع النظام في عام 2011، لكن النظام بقي واستمر بممارسة عملياته بفضل الدعم العسكري الذي أمده به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ومنذ ذلك الحين، وصلت الحرب السورية إلى مرحلة الجمود، وعاش رئيس النظام في سوريا عزلة دولية شبه كاملة.
بيد أن ميلوني تخطط لطرح فكرة إعادة العلاقات مع دمشق خلال اجتماع يضم رؤساء وقادة الاتحاد الأوروبي البالغ عددهم 27 والذي من المقرر أن يعقد في بروكسل يوم الخميس المقبل، وذلك بحسب ما ذكره دبلوماسيان أوروبيان.
مساعٍ كبرى للترحيل بالجملة
وتأتي تلك المطالبات التي توجهها أكبر دول الاتحاد الأوروبي لتتوج الضغط القائم على تنسيق عال والذي تمارسه مجموعة أخرى من الدول، بعضها وصلت فيه أحزاب يمينية متشددة أو متطرفة إلى الحكم (أو بقيت تؤيد الحكومة وتدعمها) كما هي الحال في النمسا وهنغاريا.
وهذا الضغط لتطبيع العلاقات مع النظام السوري يأتي عقب موجة تأييد عارمة للأحزاب المعادية للمهاجرين إثر الانتخابات الأوروبية التي أجريت في حزيران الماضي، وعلى رأسها حزب التجمع الوطني في فرنسا وحزب البديل من أجل ألمانيا في ألمانيا.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية، تعرض رئيس وزراء بولندا لانتقادات لاذعة من إحدى الشخصيات المتنفذة في الاتحاد الأوروبي وذلك بعد أن قال بأن وارسو قد تعلق حقوق التقدم بطلب اللجوء بالنسبة للمهاجرين القادمين إلى بولندا عبر بيلاروسيا، وأغلق المستشار الألماني أولاف شولتز حدود بلده مع دول الجوار في الاتحاد الأوروبي عقب حادثة طعن بالسكين نفذها مهاجر، في حين أعلن رئيس وزراء فرنسا الذي عُيّن منذ فترة قريبة واسمه ميشيل بارنييه بأنه لا بد من مراجعة قوانين الاتحاد الأوروبي المعنية بعمليات الترحيل وذلك لتسريع عمليات الطرد.
الغزو الإسرائيلي للبنان يغذي مساعي أوروبا لترحيل اللاجئين
كرر أحد الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي ما قالته ميلوني عندما ذكر بأن العمليات البرية التي نفذتها إسرائيل إثر غزوها للبنان في مطلع تشرين الأول زادت من زخم الضغط الساعي لترحيل المهاجرين السوريين، وذلك لأن قرابة 200 ألف سوري ولبناني فروا إلى سوريا منذ بداية هذا الشهر بحسب ما أعلنته الأمم المتحدة، وفي أوروبا هنالك أكثر من مليون لاجئ وطالب لجوء سوري وصلوا إليها خلال السنوات العشر الماضية وذلك بحسب البيانات الصادرة عن وكالة اللجوء الأممية في عام 2021، وهذا ما دفع الدبلوماسي نفسه للتعليق بالقول: "لقد غيّر الوضع في الشرق الأوسط النقاش تماماً" وذلك في إشارة إلى الحرب التي تدور رحاها في لبنان خلال الوقت الراهن.
الأسد وحملته الدبلوماسية البرّاقة
من جانبها، تبدي حكومة الأسد لهفة أمام عودتها لحضن جيرانها ولحضن قادة دول العالم أجمع، إذ في عام 2023، عانق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الأسد في اجتماع لقادة الدول العربية عقد في السعودية (بعد أن دعمت السعودية الثوار السوريين في بداية الأمر)، وذلك عند حضور الأسد لهذا الاجتماع لأول مرة بعد مرور عقد من الزمان.
تزعم الأسد حملة دبلوماسية جذابة طوال سنوات، أظهر من خلالها نفسه كمن يدعو السوريين الذين فروا من البلد إلى العودة بما أن سوريا أصبحت آمنة الآن، إذ في عام 2016، قال الأسد لثلة من الصحفيين الروس: "إننا نشجع كل سوري على العودة إلى سوريا".
ومنذ فترة قريبة، أخذت سوريا تمول حملة تصدرها مؤثرون غربيون، وهدفها تلميع صورة البلد وتنشيط السياحة التي أصابها الموات طوال عقد من الحرب.
التطبيع.. لمن يجرؤ فقط
بيد أن المسؤولين لم يحددوا حتى الآن كيف يمكن لهذا التحول الساعي لتطبيع العلاقات أن يتم، وهذا ما عبر عنه أحد المسؤولين من الاتحاد الأوروبي بقوله: "ليس ثمة أحد يقول: سنرفع سماعة الهاتف ونتصل بالأسد، إذ لا أحد يجرؤ على طرح هذه الفكرة، غير أن هذا الاقتراح موجود في الخفاء لدى بعض المسؤولين".
إذ خلال شهر تموز الماضي، طالبت سبع دول من الاتحاد الأوروبي وهي النمسا وإيطاليا وجمهورية التشيك وسلوفاكيا وسلوفينيا واليونان وكرواتيا وقبرص مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي بمراجعة استراتيجية الاتحاد بخصوص سوريا، والهدف من ذلك على حد قولهم هو تحسين الظروف الإنسانية في سوريا مع العمل على إعادة اللاجئين إلى مناطق محددة من البلد.
ولكن هذا المقترح بدا لبقية الدول معقداً إلى حد كبير، فهولندا ليست على استعداد لدعم المخططات الساعية لإعادة إطلاق المفاوضات مع سوريا بما أنها لا تعتبر سوريا دولة آمنة وذلك بحسب ما ورد في تقييم داخلي هولندي، ووفقاً لما ذكره وزير الخارجية الهولندي كاسبار فيلدكامب الذي أضاف قائلاً: "ترى السياسة الهولندية بأن سوريا ليست آمنة أمام عودة طالبي اللجوء، وحتى لو حدث ذلك مستقبلاً، فإن الأمور تعتمد على آلية شاملة غير مسيسة وذلك حتى تقرر هولندا من خلالها إلى أي مدى أصبحت سوريا آمنة أي آمنة بما يكفي لعودة المهاجرين".
أما رد المسؤول عن السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي على الرسالة التي وجهتها الدول الأوروبية السبع فقد أتى مقتضباً، إذ كتب جوزيب بوريل في رسالة صدرت بتاريخ 28 آب: "إن أسلوب عمل النظام السوري طوال عقود معروف تماماً وموثق أيضاً، ويشمل ذلك الدعم المباشر الذي يحصل عليه من قبل روسيا وإيران، ومع ذلك كونوا على يقين بأن الاتحاد الأوروبي سيكون مستعداً دوماً لبحث السبل الكفيلة بتحسين الدعم المقدم للشعب السوري وتأييده في تطلعاته وآماله المشروعة".
غير أن بعض الدول في الاتحاد الأوروبي ما تزال مصرة على أن الوقت قد حان للبدء على الأقل بمناقشة الأمر، حتى لو كان من المبكر جداً القول بأنهم بوسعهم تحقيق النجاح في أي شيء على صلة بهذا الموضوع، وذلك بحسب أحد الدبلوماسيين الكبار لدى الاتحاد الأوروبي، ويعلق على ذلك ألكسندر شالينبيرغ الذي يشغل منصب الوزير الاتحادي للشؤون الأوروبية والدولية بجمهورية النمسا، فيقول: "مايزال الأسد هناك، ولا توجد أي عملية جارية لتلميع صورته وتبييض صفحته، بيد أن أوروبا استقبلت أكثر من 1.2 مليون مواطن سوري، ولهذا فإن مقترحنا يقوم على تقييم يتم بذهنية منفتحة، نقيم من خلاله أين نحن، وإلى أين يجب علينا أن نتوجه، لأننا ببساطة لم نحقق النتائج التي كنا نتمنى تحقيقها".
المصدر: Politico