بعد نجاح حزب العدالة والتنمية ومن معه من حلفاء سياسيين (اتفاق الجمهور) من الظفر بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة ها هو يسعى اليوم بكل ما أوتي من جهده لاستثمار هذا الفوز للوصول للهدف الثاني وهو رئاسة بلدية إسطنبول، والذي لا يقل أهمية عن الهدف الأول، فمدينة بحجم إسطنبول وما تملكه من إمكانيات مالية وسكانية تعادل عشر مدن كبرى أو خُمس القوة الاقتصادية في تركيا، ولا يمكن تركها بهذه السهولة فهي الوحيدة التي تقع على قارتين.
ترشيح حزب العدالة والتنمية لمراد كوروم كمرشح له عن مدينة إسطنبول يعطي انطباعاً واضحاً أن الحزب لا يريد أن يخوض في تفاصيل هزيمته في الانتخابات البلدية السابقة، أو حتى الخوض في تفاصيل كيفية تجنب الأخطاء السابقة، بل يريد استثمار نجاحاته الحالية ومتابعة مسيرة النجاحات التي حققها بعد الزلزال المدمر في الجنوب التركي، والتي كانت نتيجتها انتخاب الولايات المنكوبة لمرشح اتفاق الجمهور وهو الرئيس رجب طيب أردوغان. فخطاب السيد مراد كوروم مرشح حزب العدالة والتنمية لرئاسة بلدية إسطنبول ركز فيه على شيئين رئيسيين، أولهما العمل من أجل 16 مليون إسطنبولي وثانيهما إزالة مخاوف سكان إسطنبول بشأن الزلزال.
السيد مراد كوروم يريد إشعار الناخبين بأنه سيعمل لصالح الجميع بمختلف توجهاتهم السياسية
لو بدأنا بالهدف الأول فهذا الشعار يمكن اعتباره شعاراً قد ارتبط بالسيد أكرم إمام أغلو الرئيس الحالي لبلدية إسطنبول، والمرشح المنافس والأقوى لصالح المعارضة، وهذا إن دل يدل على شيء واحد وهو أن السيد مراد كوروم يريد إشعار الناخبين بأنه سيعمل لصالح الجميع بمختلف توجهاتهم السياسية، وأن الانطباع الذي ساد في الانتخابات البلدية الأخيرة بأن مرشح العدالة والتنمية يعمل لصالح حزبه ليس لها وجود أصلاً في جدول أعماله، وأنه يمثل الجيل الثاني من الحزب المنفتح على الشباب والتطلعات المستقبلية ومواكبة الحداثة، وفي نفس الوقت متمسك بالقيم والأخلاق والأصالة المتوارثة من الأجداد.
وأما الجزئية الثانية فيما يتعلق بمخاوف سكان إسطنبول من أي زلزال يضربها فهذه هي النقطة الأهم التي يريد الاعتماد عليها، فهاجس الزلزال يأتي بعد هاجس غلاء المعيشة المتزايد يوماً بعد يوم، فبعد أن ضربت عدة زلازل تركيا في عدة مناطق خلال السنوات القليلة الماضية وأخرها الذي ضرب الولايات الجنوبية في العام الماضي أصبح هاجس البيوت غير المؤهلة لمقاومة الزلازل حديث الجميع، وخاصة في مدينة إسطنبول صاحبة العدد الأكبر من تلك البيوت غير الصالحة لهزة أرضية، فكيف الحال بزلزال كبير متوقع أن يضرب المدينة علاوة على العدد الهائل للخسائر البشرية التي ستنجم عن هذا الزلزال، إضافة لأن بعض المناطق لن تستطيع الجهات المختصة الوصول إليها بسبب تقارب الأبنية والتصاقها فيما بينها وضيق الأزقة، هنا بيت القصيد فنجاح الحزب الحاكم في تشييد وإعادة إعمار كثير من الأبنية والشروع في مشاريع إسكانية ضخمة في مدن الجنوب بعد الزلزال يريد الاستفادة منها السيد مراد لتكون نقطة الانطلاق نحو الفوز بالمدينة الأهم في تركيا، وخاصة أن حزبه اشتهر بالعمل العمراني وهو نفسه حاصل على ماجستير في مجال التحول الحضري والذي يعد من أهم الاختصاصات في مواجهة خطر الزلازل بالنسبة للبيوت والمساكن القديمة، وكونه شغل منصب مدير عام وعضو مجلس إدارة في شركة EMLAK KONUT فترة طويلة يعطيه تميزاً واضحاً في هذه النقطة على حساب منافسه القوي رئيس بلدية إسطنبول الحالي أكرم إمام أغلو.
رئيس بلدية إسطنبول شخصية سياسية معتبرة في العالم الغربي ولا يشبهه في هذا أي رئيس بلدية أخرى
الفوز برئاسة بلدية إسطنبول هو دلالة على القوة داخلياً وخارجياً، فرئيس بلدية إسطنبول شخصية سياسية معتبرة في العالم الغربي ولا يشبهه في هذا أي رئيس بلدية أخرى، فهو قادر على جلب استثمارات من الخارج كما فعل إمام أغلو من ألمانيا لتمويل أحد مشاريع البلدية، وكان فعل ذلك قبلاً الرئيس أردوغان عندما كان رئيسا لبلدية إسطنبول، فهذه المدينة أشبه بصندوق كنز الكل يبحث عنه من أجل تعزيز القوة والفوز داخلياً وخارجياً.